الخميس 27 ـ 10 ـ 2016م
نفهم جميعاً أنّ الله له سُنّة في الوجود، وأنّه في بعض الأحيان يتدخّل استثنائيّاً لأجلنا، كما في حالات استجابة الدعاء، وأنّه يُعين الضعفاء والمظلومين، ويقف إلى جانبهم. الفكرة في الثقافة الدينية واضحة معلومة.
يقدّم الفيلسوف الهولندي الشهير باروخ اسبينوزا (1677م) تفسيره لهذه الظاهرة، مستخدماً في كتابه (رسالة في اللاهوت والسياسة)، عدّة مفردات يريد من خلالها تفسير النصوص الدينية في هذا الموضوع، وأبرزها:
1 ـ حكم الله، وهو القوانين الطبيعيّة الثابتة ونظام الطبيعة الراسخ، والشجرة الهرميّة لسلسلة الموجودات وعلاقاتها الحتميّة فيما بينها.
2 ـ مشيئة الله واختياره، ويعني أنّ الله يختار شيئاً من خلال نظام الطبيعة السابق، أي من خلال حكمه، فحكمه ومشيئته أبديّان مقرّران في نفس وضعه للنظام الصارم في الطبيعة، وليس أنّ هناك مشيئات تتعاقب في الزمان.
3 ـ عون الله، وهو ما تقدّمة الطبيعة التي خلقها الله ضمن نظامها، ما تقدّمه للإنسان دون جهدٍ منه، فكلّ ما نسمّيه في الأدبيّات القرآنيّة (من حيث لا نحتسب) ويأتينا من حيث لا نجهد ولا نتوقّع، فهو العون الإلهيّ في الوجود.
ويبدو لي أنّ التمييز بين الحكم الإلهي والعون الإلهي عند اسبينوزا هو تمييز يتصل بمعرفة الإنسان بنتائج معطيات الطبيعة، فإذا خُيّل إليه أنّه لن يكون هناك شفاء لمرضه طبيعيّاً، فإنّ عون الله له واستجابته لدعائه، تعني أنّ الطبيعة قد قرّرت سلفاً ـ وقرارها هو حكم الله ـ بأن تُعينه هنا، كلّ ما في الأمر أنّه لم يكن يدري بذلك.
ويبدو لي أنّ كلام اسبينوزا قد ينتج عنه أنّه لا توجد هناك سببيّة معيّنة وعلاقة خاصّة بين الدعاء والاستجابة، فيفسّر الأمر بهذه الطريقة، مع أنّ بإمكاننا أن نفرض أنّ حكم الله هو وجود نوع من العلاقة بين التجربة الروحيّة والباطنيّة للإنسان (المسماة بالدعاء) وبين النتيجة الماديّة، فنفي فرض من هذا النوع يبدو أيضاً غير مقدور، والاعتقاد به لا يسلب البُعد الحتمي في الطبيعة، شرط تقديم تفسير معقول للعلاقة بين الحتميّة في حكم الله وبين عنصر الاختيار في فعل الإنسان، وهذا بحث آخر.
فكرةٌ للتأمّل.
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
142 | اسبينوزا وثلاثيّة: المشيئة، والحتمية الطبيعيّة، والتدخّل الإلهي | 2016-10-28 | 0 | 1654 |