الثلاثاء 8 ـ 11 ـ 2016م
يحبّ الكثير منّا اُستاذاً أو مفكّراً أو خطيباً أو معلّماً أو واعظاً أو.. فيدمن الاستماع له أو قراءة كتبه أو الاستزادة من علمه، وهذا شيء طبيعي يبشّر بخير، لكنّ المشكلة تقع عندما يكون هذا الإدمان موجباً لدخول صاحبه في شرنقة، بحيث يمنعه ذلك من الاطّلاع على ما عند سائر الكتّاب والأساتذة والخطباء وغيرهم، فتأسره شخصيّة رجل واحد، ويدخل في الصندوق والتقليد السلبي دون أن ينتبه.
إنّ تفرّغ الطالب للدرس عند أستاذ واحد لسنواتٍ، وعدم مطالعته أو كسبه المعرفة سوى من قناة أستاذ واحد أو رمزٍ فكريّ واحد، هو ـ عادةً ـ ضررٌ عظيم بالغ، بإمكانه أن يحرمه من الكثير من الفوائد والأفكار التي تكون عند سائر الأساتذة والعلماء، وفي الوقت عينه من الممكن أن يُعمي بصره عن رؤية أخطاء هذا الأستاذ.
يقول الشيخ محمّد بن إدريس الحلي (598هـ)، وهو يُدوّن الصفحات الأخيرة من كتابه المعروف مستطرفات السرائر، ما نصّه. وأنقل النصّ بحرفيّته كما هو؛ لأهميّته؛ لأنّ ابن إدريس معروف بنزعته النقديّة التي هوجم عليها، رغم أنّه اليوم مقدّسٌ كبير! ومعروفٌ بتذمّره من التقليد السلبي الذي بات اليوم مخدِّراً نُدمنه مع الأسف، وأعتقد أنّ هذا النصّ وأمثاله لابدّ أن يوضع على أبواب الحوزات العلميّة والجامعات العصريّة ليراه الطالب ويعيه.
يقول ابن إدريس الحلّي: (إلى هيهنا يحسن الانقطاع، ويذعن بالتوبة والإقلاع من زلل إن كان فيه، أو خلل، ونقسم بالله تعالى على من تأمّله أن لا يقلّدنا في شيء منه، بل ينظر في كلّ شيء منه نظر المستفتح المبتدي، مطرحاً للأهواء المزينة للباطل بزينة الحقّ، وحبّ المنشي والتقليد، فداؤهما لا يحسن علاجه جالينوس، وتعظيم الكبراء وتقليد الأسلاف والأنس بما لا يَعرف الإنسان غيرَه يحتاج إلى علاج شديد، وقد قال الخليل بن أحمد العروضي رحمه الله: الإنسان لا يعرف خطأ معلِّمه حتى يجالس غيره، فالعاقل يكون غرضه الوصول إلى الحقّ من طريقه، والظفر به من وجهه وتحقيقه، ولا يكون غرضه نصرة الرجال، فإنّ الذي (الذين) ينحون هذا النحو، قد خسروا ما ربحه المقلّد من الراحة والدعة، ولم يسلموا من هجنة التقليد، وفقد الثقة بهم، فهم لذلك أسوء حالاً من المصرّح بالتقليد، وبئست الحال حال من أهمل دينه، وشغل معظم دهره في نصرة غيره، لا في طلب الحقّ ومعرفته) (مستطرفات السرائر: 651 ـ 652).
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
152 | ابن إدريس الحلّي: إيّاك والتقليد، والجلوس تحت منبر شخص واحد | 2016-11-09 | 0 | 3019 |