إنّا لله وإنّا إليه راجعون
بلوعةٍ وأسى وحزن كبير، رحل عن هذه الدنيا الفانية أستاذنا الحبيب الغالي والفقيه المتضلّع المرجع الديني السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي رضوان الله تعالى عليه.. رحل تاركاً وراءه إرثاً من العلم والعمل، ومن النضال والمجاهدة، ومن التجربة والممارسة، رحل صابراً محتسباً راجياً رحمة ربّه.
يمثل السيد الهاشمي أحد أركان مدرسة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه، كما يعتبر واحداً من أهمّ رجالات الخطّ الإسلامي، حيث التحق به منذ تفتّح زهرة شبابه، فقدّم التضحيّات ولاقى العذابات من النظام الجائر، وكان واضحاً دوماً في مواقفه من القضايا الكبرى في الأمّة، مهتمّاً بالوحدة والتكاتف، متطلّعاً ساعياً لأن تكون هناك تجربة إسلاميّة أنموذجيّة في عصرنا الحديث قادرة على الاستجابة لمتطلّبات العصر، وتقف سدّاً منيعاً في مواجهة كلّ المؤامرات التي تحاك لأوطاننا وللأمّة كلّها.
لم يقف فقيدنا الغالي عند حدود الأماني، بل خاض تجربةً جديرة في المؤسّسات القانونيّة الأكثر أهميّةً في الجمهوريّة الإسلاميّة، وكان ـ كما سمعتُ منه أكثر من مرّة ـ يحمل الكثير من الهمّ لأجل النهوض القانوني الشرعي الأفضل بواقعنا. لقد كانت لديه العديد من الأفكار في هذا المجال، نجح في تحقيق بعضها، ولم تُسعفه الظروف لتحقيق ما تبقّى.
كان رحمه الله يتطلّع نحو إيجاد تطويرات في العلوم الشرعيّة وفقاً لمعاييره وقناعاته التي آمن بها، كانت هذه الرحلة أكثر حساسيةً وتحتاج للكثير من العمل والتفكير، ولم تكن مؤسّسة (دائرة معارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت عليهم السلام) سوى واحدة من خدماته للفقه والعلوم الشرعيّة، وما أنتجت هذه المؤسّسة المباركة من موسوعات ومعاجم ونشريّات تخصّصيّة تتصل بالفقه الإمامي من جهة، وبالفقه المقارن بين المذاهب الإسلاميّة من جهة ثانية.. لقد كان متحمّساً قبل بضع سنوات ـ وأنا أستمع إليه ـ لأن تُدوَّن معاجم وموسوعات فقهية قانونيّة مشتركة، تتداخل فيها مساهمات الفقه والقانون، ويصل فيها صوت الفقه للقانون الحديث وبالعكس، وكنت أسمعه في أكثر من مرّة يقول: من الضروري لنا فهم التجارب القانونيّة في العالم؛ لا لكي نستفيد منها فحسب، بل لكي نفهم أنماط التفكير العقلائي في مجال تدبير الحياة أيضاً، بما يمكّننا من فهم النصوص الشرعيّة والتجربة القانونيّة الإسلاميّة نفسها.
أمّا في تجربتي الشخصيّة معه، تحت منبره وفي مؤسّسته العلميّة، والتي تمتدّ لعشرين عاماً تقريباً، فقد وجدته معي متفهّماً رحيماً حامياً حسن الظنّ، وأفضالُه عليّ لا يمكنني أن أنساها، فرحمك الله يا اُستاذي الغالي من أبٍ ومعلّم، وأسكنك فسيح جنّاته، وحشرك مع الأنبياء والصدّيقين والشهداء، ومع من تحبّ وتتولّى محمد وآله الطاهرين عليهم أفضل الصلاة والسلام، وحسُن أولئك رفيقاً.
إنّنا إذ نعزّي الأمّة الإسلاميّة وعلماء المسلمين والحوزات العلميّة برحيل هذا العَلَم الخادم للإسلام، نتوجّه إلى أسرته الفاضلة الكريمة بأحرّ التعازي سائلين المولى عزّ وجلّ لهم جميعاً الصبر والسلوان، وأنّ يقرّ أعينهم بخَلَفه الصالح، إنّه ولي قريب.
حيدر حبّ الله
17 ـ ربيع الثاني ـ 1440هـ
25 ـ 12 ـ 2018م