الأحد 4 ـ 12 ـ 2016م
كثيراً ما نعاني في الحياة الاجتماعيّة والسياسية والإداريّة وغيرها، من الرجل الموضوع في المكان غير المناسب، رجلٌ قد يمتاز بصفاتٍ جيّدة، لكنّ مكانه ليس هنا، بل يفترض أن يكون هناك، والعكس صحيح؛ لأنّ منشط الإنسان يجب أن يتناسب مع إمكاناته وخبراته وطاقاته والتوقّعات المنطقيّة منه.
ليس المهم أن أنتج طاقاتٍ مُبدعة في الأمّة، بل المهم أيضاً أن أضع هذه الطاقات في مواضعها الطبيعيّة التي تحرّك عجلة الإنتاج، وإلا فسيكون حالي كمستثمرٍ وضع رأس ماله في إنتاج الماء الصافي، ليبيعه على أهل قريةٍ تقع على نبعِ ماءٍ زلال في أعالي الجبال النقيّة البعيدة. ولهذا تصبح جيوش المتعلّمين المتخرّجين من الجامعات عبئاً على المجتمع والدولة، عندما لا نفكّر إلا بتعليمهم، ولا نكمل مسيرتنا بتأمين فرص العمل لهم، فيضطرّ الطبيب أن يعمل سبّاكاً، ويُجبر المحامي أن يشتغل نجّاراً.
بجولةٍ في واقعنا المحيط، كثيراً ما نواجه هذه الحال، وسببُها إمّا الولاءات التي تُقدّم زيداً على عمرو، أو المصالح العليا، أو التوازنات، أو الإهمال، أو سوء الإدارة، أو غير ذلك.
فأنت على سبيل المثال ـ وهذه مجرّد أمثلة لتقريب الفكرة، وإن كان بعضها واقعيّاً ـ تضع أستاذاً ليعلّم مادّة الحديث الشريف، وهو لا يفقهه لكنّه خبير بعلم الفلسفة! وتضع مديراً على مؤسّسة لم يدرس الإدارة يوماً، بل لم يخض ـ على الأقلّ ـ تجربتها في حياته ليرتقي بالتجربة وترتقي به، فتؤهّله لهذا المنصب! وتضع رئيساً لجمعيّة وظيفتها التقريب بين الأديان أو المذاهب أو التيّارات، وهو من رأسه إلى أخمص قدميه معجونٌ بثقافة الإقصاء والنفي والأحادية وإلغاء الآخر! وتضع معلّماً للناس يهديهم لدينهم؛ لأنّ فيه سمة الصوت الحسن، وهو لا يفقه من الدين سوى بعض القصص والحكايا! وتضع مديراً للجماعة، ليس لشيء، إلا لأنّ القدر اختاره من بين الناس ليكون من أقرباء زعيم الجماعة! وتضع رجل العسكر في السياسة والتفاوض، ورجل السياسة في العسكر، وغير ذلك كثير.
كلّ شخص تضعه في المكان غير المناسب فأنت عمليّاً تحرم في مقابله الشخص المناسب من هذا المكان، الأمر الذي يجعله طاقةً مهملة، أو يضعه في مكانٍ غير مناسب له بدوره، وبهذا تكون قد ارتكبتَ جُرمين، فتتحرّك عجلة الحياة وكأنّ العصيّ مزروعة فيها.
إنّنا نعيش ـ ليس في السياسة فحسب، بل في كلّ شيء تقريباً ـ بـ (حكوماتٍ) سياسية، وحكومات أقطاب، وحكومات وفاق وطني، وحكومات قوى أو أحزاب، لكنّنا قلّما نعتمد على حكومات تكنوقراط وإدارات مثلها! واختيار قرار بحكومات غير خبيرة يحتاج مسبقاً لفرض بُنيتك الإدارية مؤسّساتيّةً بامتياز، تستطيع أن تجبر ضعف الرئيس بنظام العمل المؤسّساتي الصارم القائم على فرق عمل متكاملة، وليس على فرد أو أفراد، تماماً كما يحصل في بعض الدول الغربيّة.
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
165 | إدارة تكنوقراط أو ولاءات وتوازنات؟! | 2016-12-05 | 0 | 2672 |