الاثنين 19 ـ 9 ـ 2016م
تحدّث المفكّرون المسلمون في القرن العشرين كثيراً عن البُعد الاجتماعي لأصول الدين، في زمن كان يُراد فيه للدين أن يكون فاعلاً اجتماعيّاً وسياسيّاً، ولست اُنكر البعد الاجتماعي للعقيدة، غير أنّ ما أتطلّع إليه اليوم أيضاً هو البُعد الروحي للعقيدة والذي أجده يسبق البعد الاجتماعي في كثير من الأحيان؛ لأنّ العقائد الدينية يفترض أن تُنتج روحاً إيمانيّة، تُنتج بدورها فعلاً اجتماعيّاً، وليس فقط مجموعةً من الجُمل الخبريّة مثل: (الله واحد.. محمّد خاتم الأنبياء و..)، نتلقّاها كما يتلقّاها الطفل الصغير في بداية أيّامه في المدرسة.
فالتوحيد في فعاليّته الإيمانيّة لا يعود قضيّةً رقميّة (رقم: 1)، بل يصبح إحساساً بانتماء الوجود كلّه إلى الله.. المطلق الخير المتعالي.. وهذا الإحساس يولِّد سكينةً ورضا وتوكّلاً وشعوراً بمفهوم (ما رأيت إلا جميلاً).. ويوم الآخرة لا يعود تصوّراً عقليّاً عن المستقبل فقط، بل يُصبح جزءاً من الإحساس بقيمة الدنيا ونهجاً في تقويمها وإعطائها حجمها الطبيعي في الروح والنفس..
الشعور مرتبة فوق الإدراك الذهني الخالص.. مرتبة تتحوّل فيها المفاهيم العقليّة إلى تيارات نفسيّة وأمواج روحيّة وحرارة داخليّة، تفضي إلى العمل الصالح.
ما يؤسفني هو أنّ روحانيّة الدين قد تمّت مصادرتها أحياناً من قبل العقائد، فتمّ ـ عند بعضٍ ـ مَذهَبَة العرفان والتصوّف، بدل رَوحَنَة المذاهب والاعتقادات، بل بتَّ تجد بعض المنافحين المستميتين في الدفاع عن الروح العرفانيّة في الدين أقلَّ من غيرهم روحانيّةً!
والتحدّي الكبير هو في كيف نُنتج عقيدةً تؤدّي إلى نهضة روحيّة حقيقيّة في حياة الإنسان، بحيث نوفّق بين الأمرين ولا يصادر أحدهما الآخر؟ كيف نُنتج عقيدةً لا تجعل الإنسان يأمن مكر الله أو ييأس من روح الله (الأمن واليأس مشاعر روحيّة مدمّرة؛ لأنّها توقف سير وسلوك الإنسان إلى الله)، بدل أن تقوم العقيدة بتلقين أبنائها أنّهم خير البشر وعليهم أن لا يقلقوا من مصائرهم؟ فلأنّهم حملوا هذه العقيدة ـ بوصفها التزامات فكريّة وإنتماء اجتماعي ـ إذاً فهم نُخبة النخبة ولو كانت أرواحهم وسلوكيّاتهم ملوّثةً بالمعاصي والآثام ومحجوبةً بالذنوب والأوهام!!
قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (الجمعة: 6 ـ 7).
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
111 | أصول الدين من البُعد الاجتماعي إلى البُعد الروحي | 2016-09-20 | 1 | 2583 |
اتمنى ان يقرا جناب الشيخ الاستاذ تعليقي
………
ان المادة المعرفية التي تتسم بهااغلب الكتب المولفة عن العقائد ما هي الا قضايا تشوش الصفاء الروحي لدا من يعتقدانها تبني عقيدته وتسنج شبكة فكريةو تعد المحرك لدوافعه اتجاه الطاعات…
فكتاب كعقايد الامامية او الالهيات او غيرها ع سبيل المثال لا الحصر لم تولف لبناء العقيدة بل هي لمرحلة تالية لبناء العقيدة ويمكن اعتبارها ثقافة فكرية… .
والسؤال الذي هو التماس من جناب الشيخ ماهي المنهجية الضامنة لبناء العقيدة ؟