السيّد جعفر مرتضى العاملي
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
سماحة المحقّق السيّد جعفر مرتضى العاملي دام ظلّه الوارف.
تحية طيّبة وبعد..
السلام عليكم مولانا العلامة جعفر مرتضى العاملي أدامكم الله تعالى.
ما رأيكم بكتابات الأستاذ الشيخ حيدر حبّ الله المتعلّقة بنقده العلمي لواقع الحوزة العلميّة وأداء المرجعيّة؟! حيث إنّه قدّم الكثير من الدراسات العلميّة والأبحاث التي تشرح بالتفصيل مكامن الإخفاق في مناهج ومخرجات الحوزة، وأنّها لا تواكب حاجات المؤمنين في العصر الراهن، سيّما في موضوع الدراسات الفكريّة المعمّقة التي تعنى بمواجهة الشبهات الفكريّة والعقائديّة التي يثيرها الغرب والعلمانيّون واللادينيّون.
بل إنّه يقول بشكل واضح ـ وهو القاطن في الحوزة والمتابع بدقّة لحركتها العلميّة وتموّجات الفكر والتوجّهات فيها ـ: بأنّ كبار المراجع ـ أعزّهم الله تعالى ـ يتعاملون مع الغرب وكأنّه غير موجود، إذ لا نجد لهم تصدٍّ واضح للسيل الجارف من الإثارات الفكريّة اللادينيّة والتي عصفت بالشباب المؤمن بل بطلبة الحوزة ومفكّريها!!! دون أن يجدوا إجابات حاسمة لهذه الإثارات, فانتهى المطاف بالكثيرين إلى الإلحاد أو العلمنة.. والعياذ بالله.
نتأمّل إجابتكم المفصّلة ـ كما عوّدتمونا في نتاجاتكم ـ ولكم الدعاء..
بالتوفيق والتسديد، والسلام عليكم..
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
فإنّي لم أقرأ لهذا الرجل شيئاً يخوّلني أن أعطي رأياً فيما قال أو فيما كتب، غير أنّني أقول: إنّ من المعلوم: أنّ الله تعالى قد منّ علينا بعد ألف وأربعمائة سنة من المعاناة بإقامة دولة أخذت على عاتقها أن تلتزم بأحكام الشريعة، وأن تكون حقائق الدين وقيمه ومفاهيمه هي المنطلق والأساس في إدارة شؤون الناس، وفي إدارة مؤسّسات هذه الدولة، وفي حركتها وسياساتها، وما إلى ذلك.
وكلّنا يعلم: أنّ الفقه الذي كان على مدى القرون السابقة محلّ اهتمام العلماء هو الفقه المرتبط بالأشخاص، لا فقه الدولة، والمؤسّسات، والسياسات، والعلاقات الدولية، والاجتماعية، والاقتصاد، والأمن والإدارة، ثم التجارة والصناعة، والمواصلات والاتصالات، وسائر الشؤون الحياتية التي تفوق حدّ الحصر.
فكان لابد للحوزة، ولا أقصد بالحوزة خصوص المجتمع العلمائي والطلابي في قم، ومشهد، والنجف، بل أقصد بذلك جميع العلماء في جميع البلاد الذين يتصدّون لنشر حقائق الدين، والذود عن حياضه، وبيان حقائقه ودقائقه.. فكان لا بد من الرجوع أيضاً إلى المنابع الأساسيّة وسبرها لاستخراج فقه الدولة بجميع حاجاتها وتشعّباتها، ولم يكن هذا التحوّل أو فقل هذا التوسّع سهلاً، ولكنّه قد حصل بالفعل، وظهرت الكثير من الثمرات الرائعة، والجهد المشكور والمبارك، في الكثير من الدراسات والإنجازات الحوزويّة التي تستحقّ التقدير والإعجاب.
على أنّه من الطبيعي أن يكون المسار العام للأمور هو: تثبيت الأسس والقواعد من الداخل قبل الإنشغال بمقارعة الخارج، إلا في حالات الضرورة القصوى، وذلك لأنّ الإنسان إذا لم يكن مطمئنّاً إلى أنّه يقف على أرض صلبة، وأنه قادر على الدفاع عما يتبنّاه، ويذهب إليه، ويؤسّس عليه، فإنه سيكون باستمرار يشعر بالفشل والضعف، وما أسرع ما يستسلم لهذا الشعور، ويسقط حين المواجهة.
على أنّ لدينا قاعدة ذهبية تقول: إذا قال لك الناس: إنّ ما بيدك جوزة، فذلك لا يضرّك إذا كنت تعلم أنها جوهرة، وإذا كان ما بيدك جوزة، فسوف لا تنتفع من قول الناس: إنها جوهرة.
نعود إلى القول: لقد كان لابدّ لفقه الدولة، وفقه الفرد، من أن يتكاملا لاحتياج كلّ منهما للآخر، علماً بأن حاجات الدولة لا تنتهي، ولا تقف عند حدّ، وكذلك حاجات الفرد.. فكانت الأولوية لفتح خزائن علم آل محمد في هذه الأمور المستجدّة، سواء فيما يرتبط بفقه الأشخاص، أو فيما يرتبط بتلبية حاجات الدولة، لأنّ هذا هو المطلوب في إقامة بناء الإسلام الشامخ العظيم في المجتمع والدولة. إذاً ليس من المعقول، ولا المقبول: أن تكون آراء الناس، وأمزجتهم واستحساناتهم هي مصدر التشريع، والأساس الذي يبنى عليه في رسم السياسات، وابتكار الدراسات، بل لابد أن يكون النصّ الوارد عن الله ورسوله، وعن الأئمّة الطاهرين هو الأساس، فإنّ دين الله لا يُصاب بالعقول، ولا تنفع فيه القياسات والإستحسانات، فإنّ السنّة إذا قيست محق الدين..
ولأجل ذلك نلاحظ: أنه قد نشأت مؤسّسات ومراكز دراسات كثيرة في طول العالم الإسلامي وعرضه، كل منها يعنى ببعض الجهات التي يظنّ القيّمون عليها أنها موضع حاجة.
ونحن، وإن كانت لنا ملاحظات، بل مؤاخذات على البعض منها، ولكننا نعتبر أنها خطوات على الطريق الصحيح، وإن كانت تحتاج إلى التصحيح والرعاية، والهداية، ورفع مستواها العلمي والفكري، بحيث تتناسب مع طبيعة الحاجات.
أما بالنسبة للنقد الذي يوجّه للحوزة وعلمائها، فقد يكون سببه، ومنشؤه هو الخلاف في تحديد الأولويات، فأنت تقول مثلاً: المهم هو تحصين وتقوية حصوننا من الداخل، وإقامة بناء الدولة، ورسم المسار الاجتماعي، والسياسي والتربوي، والديني، وكلّ شؤون الحياة، بالاستناد إلى دراسات تعتبر النص الديني هو الأساس.. ولابد من البحث عن هذا النصّ وفهمه وتمحيصه.
وذاك يقول: إنّ علينا إلى جانب ذلك: أن لا نغفل عن الأخطار التي تواجهنا من الخارج أيضاً، ولا يجوز إهمالها، بل لابد من إيجاد مؤسّسات وأجهزة فاعلة تعنى بالتصدّي لها، لكي لا نؤخذ على حين غرّة.. مع أنّ كلا الفريقين يعترف: بأنّ الحصانة الداخلية، وقوّة الأسس ومتانتها، هي أيضاً نوع من الدفاع في مقابل الهجمات الخارجيّة، لاسيما فيما يرتبط بالغنى الفكري والثقافي الذي يحاول الغرب أن يدّعيه لنفسه، ويدّعي تفوّقه فيه.
وأما فيما يرتبط باستعمال بعض العبارات الحادّة في حقّ العلماء، كنسبة الجهل والتقصير إليهم، وسائر الادّعاءات التي قد يحاول البعض أن يقذف بها في وجه غيره، فلا تستحقّ الوقوف عندها، فإنّها مجرّد اتهامات وادّعاءات فارغة، لا تسمن ولا تغني من جوع، وهي من الزبد الذي قال تعالى عنه: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْض﴾ (الرعد: 17).
على أنّنا نقول، ولا نقصد إنساناً بعينه: ما أسهل النقد العشوائي الذي يطرح الأمور على شكل عمومات بعبارات مغموسة بالتزلّف للقارئ، أو السامع. بما يُحسنه من تلميع عبارات، وإطلاق شعارات، وتوصيفات لاذعة للعلماء الأبرار. وهذا النوع من النقد هو الأكثر شيوعاً، ونجمه أكثر سطوعاً لدى قليلي البضاعة من العلم والالتزام، لأنّه يُعفي من يمارسه من أيّة مسؤولية حين يصوّر بنقده هذا: أنّ التخلّف كلّه، والمصائب على اختلاف أنواعها هي من صنع غيره، أو هي نتيجة تقصير وإهمال، أو غفلة، أو عثرة لا تستقال. أما النقد البناء، فهو رصد مواضع الضعف والخلل، وبيانها بالدلائل والشواهد، والإستدلال عليها، ثم اقتراح حلول واقعيّة وعلميّة وعمليّة.
نقول هذا، مع تأكيدنا على أنّ النقد البناء لا يحتاج إلى إعلان الفضائح، وهتك حرمات الناس، والحطّ من شأنهم، والمساس بكرامتهم، إذ يمكن أن يكون نقداً مثمراً ومؤثراً من دون أن يحدث أيّ خلل في وجدان الناس تجاه علمائهم وقادتهم.
بقي أن أشير إلى دعوى أنّ المراجع وعلماء الحوزة لم يجدوا إجابات لإثارات العالم الغربي وشبهاته هي من الرجم بالغيب.. فلعلّهم وجدوا ذلك كلّه، ولكنّهم لا يجدون الوسيلة لإيصاله إلى حيث يحتاج إليه..
والحمد لله والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين
جعفر مرتضى العاملي
التاريخ: 4 ـ 5 ـ 2014م
المصدر: موقع السيد جعفر مرتضى العاملي
http://www.al-ameli.com/edara/subject.php?id=287
السلام عليكم ورحمة الله
تعليقاً على جواب السيد جعفر مرتضى
شيخنا المحقق قال: (بقي أن أشير إلى دعوى أن المراجع وعلماء الحوزة لم يجدوا إجابات لإثارات العالم الغربي وشبهاته هي من الرجم بالغيب.. فلعلهم وجدوا ذلك كله ولكنهم لا يجدون الوسيلة لإيصاله إلى حيث يحتاج إليه)
بينما الشيخ حب الله قال عن كبار المراجع : ( لا نجد لهم تصدٍ واضح للسيل الجارف من الإثارات الفكرية اللادينية والتي عصفت بالشباب المؤمن ـ بل بطلبة الحوزة ومفكريها!!! ـ دون أن يجدوا إجابات حاسمة لهذه الإثارات, فانتهى المطاف بالكثيرين إلى الإلحاد أو العلمنة.. والعياذ بالله)
فالمراجع لم يتصدوا بشكل واضح فقط لا أنهم لم يجدوا الإجابات
والشباب المؤمن وطلبة الحوزة هم الذين لم يجدوا إجابات حاسمة
فليس هنا رجم بالغيب
فتأمل جزاك الله خيراً