السيد محمّد الخباز
اسم المؤلّف: حيدر حبّ الله
عدد الصفحات: 845، من القطع الوزيري.
الطبعة: الأولى 2006م
الدار: الانتشار العربي، بيروت.
تمهيد
يقوم هذا الكتاب بعمليّة رصد التطور التاريخاني لنظريّة السنّة في العقل الشيعي، حيث يرى أنّ الملفّ التاريخي للفكر الإسلامي تأخّر فتحه كثيراً مما يجعله في دائرة التقديس غير الواعي، وهو يتعامل مع السنّة بوصفها نظريّة بشريّة؛ لأنّ المقولات بتصاحبها الزمني وتطورها الفكري إنما كانت نتاجاً بشرياً، أي أنّه لا يتعامل ولا يدرس السنّة الواقعيّة في وجودها المتعالي الصادر عن المعصومين عليهم السلام أو عن الله بطريق غير مباشر، بل يدرس ـ تاريخياً ـ الأفكار والنظريّات التي أنتجها العقل الشيعي في التعامل أو في تلقّي تلك السنّة، فيرصد أصول تلك النظريّات ومن الذي أنتجها والظروف التي أنتجتها والجدل المصاحب لها والنقد الموجّه لها، باستخدام المنهج الظاهراتي التوصيفي لا المنهج النقدي المعياري، وبذلك فهو يعطي صورة شاملة للمسار التاريخي لنظريات الفكر الشيعي من بداياته حتى عصرنا الحاضر من الداخل ومن الخارج في لغة عصريّة بعيدة عن تعقيد اللغة الحوزويّة القديمة التي تكون حاجزاً عن استيعاب الأفكار رغم بساطة العديد منها، وهذا ما انتقده الكثير حتى من داخل الحوزة مثل السيد محمد باقر الصدر والشهيد المطهري.
وربما يصعب علينا تلخيص محتوى الكتاب نظراً لحجمه الكبير ولما فيه من أفكار جدليّة ونظريّات كثيرة وأسئلة استفهام أكثر، مما يجعل منه كتاباً مهماً في حركة النقد والحداثة الدينيّة؛ لأنّه يشكّل مفتاحاً جديداً لقراءة نظريّة السنّة، وربما كان نادراً من نوعه حيث لا يوجد بعدُ تيار في الفكر الشيعي للقراءة التاريخيّة للعلوم الدينيّة، فضلاً عن الكلام عن القراءة التاريخانيّة للدين نفسه وخصوصاً في الفكر الشيعي، ولذلك سنكتفي بعرض مبسّط عن فصول الكتاب، معقبين ذلك أحياناً بتعليقات أوّليّة أو انطباعيّة، لا يمكن اعتبارها نقداً للكتاب.
وقد كانت فصول الكتاب كالتالي:
المدخل: في تحديد الأطر المعرفية ومنهجيات الدراسة
وفيه يقوم الكاتب بتوضيح حدود الدراسة وضروراتها وأهدافها ومنهاجها والدراسات السابقة لها وأهم المصطلحات التي ستستخدمها، والتي لها دلالات خاصّة متعلّقة بمرجعيّتها العلمية والتاريخيّة، والكاتب يوجز أهميّة قراءته التاريخية في ثلاث نقاط:
1 ـ بيان إشكالية المصطلح ورصد تطوّراته التاريخيّة.
2 ـ ربط المعطيات العلمية بالواقع السياسي والاجتماعي، فهل كان لسقوط بغداد مثلاً عام 656هـ دور في تكوين مفاهيم جديدة؟ وهل للدولة الصفويّة ـ كما قيل ـ علاقة بتكوين الاتجاه الأخباري في الفكر الشيعي؟ وغيره، وإن كنتُ أرى أنّ الدراسة لم تعطِ هذا الجانب مساحةً كافية مقارنة بحجم الكتاب، حيث إنّ هذا الجانب الذي يموضع الفكر في ظروفه الزمكانيّة يكشف بشريّة هذا الفكر وكيفية تأثُّره بالعوامل الأيدولوجية والسيكولوجية و…، بعكس ما يروَّج له من أنّه فكر متعالٍ مقدسٌ لا يجوز نقده ولا الاختلاف معه.
3 ـ تساعد على اكتشاف الصورة الحقيقيّة للمقولات، وتدلّنا على أنّ الصورة الحالية لها لم تكن ـ عادةً ـ متطابقة والصورة الأولى لها، مما يدلّل على بشريّتها وعدم دخولها ضمن دائرة المقدّس.
الفصل الأول: نظرية السنة في عصر الحضور (ق 1 ـ 3)
وفيه من التحليل التاريخي يصل الكاتب إلى أنّ الشيعة في هذه الحقبة ترى مبدأ حجيّة السنة الشريفة الواقعيّة المتيقَّن بها «أي الأحاديث المتواترة»، أما عملها بالآحاد الظنية «أي الأحاديث غير المتواترة» فيرجِّح من خلال التفسير التاريخي أنها لم تعمل بها.
الفصل الثاني: التكوّن النظري لمقولة السنة في العقل الشيعي «التجاذبات،التناقضات،الجدل» (ق 4 ـ 7هـ)
ويصل فيه الكاتب إلى خمس نتائج:
1 ـ أنّه لا يوجد فرق بين مجالَي الأصول والفروع عند أنصار الحديث، بعكس الحقب التالية، وأن نظرية الأخذ بالروايات اليقينية المتواترة دون الظنية هي السائدة، أما العمل بآخبار الآحاد الظنية فقد تبناه عدد قليل كالطوسي وابن طاووس، أما مدرسة اليقين فكان من أعلامها المفيد «413هـ» والمرتضى (436هـ).
2 ـ إنّ الطوسي«460هـ» هو المنظر الأوّل لنظريّة حجية أخبار الآحاد «أي غير المتواترة» وأنه مرَّ بمراحل قبل تبنّيه هذه النظريّة، ولكنه لم يكن أخبارياً بل وقف في النصف بين رفض الأخبار وقبولها.
3 ـ إنّ مدرسة الطوسي لم تتغلّب على مدرسة المرتضى، وظلّت خافتة الصوت حتى بعد مجيء ابن طاووس«664هـ»، ولكن المدرسة الأخبارية أظهرتها بشدة مع مجيء الاسترآبادي «1036هـ» والحرّ العاملي والمجلسي والمحدّث النوري.
4 ـ إنّ أشهر اتجاهات أصحاب الأئمّة ـ وإن لم يكن بشكل جازم ـ قائمة على التمسّك بالأخبار من باب التواتر أو وجود قرائن القطع كما احتمله أبو الحسن المشكيني في حواشيه على كفاية الآخوند.
5 ـ إنّ هذا البحث لا يعني عدم حجيّة الخبر الواحد فهو احتمال غير مطرود.
الفصل الثالث: نظرية السنّة من نقد المتن إلى نقد السند (ق 7 ـ 11هـ)
كان ابن إدريس الحلي «598هـ» من أصحاب نظريّة اليقين، ولكن أدّت توسعة المساحة الفقهية إلى قبوله بآخبار الآحاد ولكن بتشدّد في أمر الرواة، فبعد أن كان الخبر عن غير الإمامي ممكن القبول غدت أخبار أهل السنة والفطحية والواقفية مرفوضة عند ابن إدريس، وبذلك يشكل ابن إدريس منعطفاً تبلور نظرياً عند العلامة الحلي الذي تبنى نظرية الخبر الواحد الظني وقال في مبادئ الأصول: خبر الواحد هو ما يفيد الظن، وإن تعدّد المخبر، وهو حجّة في الشرع خلافاً للسيد المرتضى وجماعة.
وكان ابن طاووس من الذين قبلوا بأخبار الآحاد، وهو كما يرجّح عدد من العلماء والمؤرّخين أوّل من ابتكر فكرة تنويع الأحاديث الظنية إلى صحيح وحسن وموثوق وضعيف.
ثم يقوم الكتاب برصد تطوّر الاهتمام السندي وأعلامه ومنهاجه والخلاف حوله، مما كوَّن خطاً قوياً في الداخل الشيعي نتج عنه ردّة فعل عنيفة من قبل التيار الأخباري في نهاية القرن الحادي عشر.
الفصل الرابع: الأخبارية والعصر الذهبي لنظريّة السنة (ق11 ـ 13هـ)
وفيه يتكلّم عن المدرسة الأخبارية، ويذكر أنّها بدأت في إيران ثم البحرين ثم كربلاء، ودخلت في صراعٍ عنيف جداً مع المدرسة الأصوليّة على المستوى الكلامي، كما تشهد ردودهم وفتاواهم بحقّ بعضهم البعض، وعلى المستوى الفعلي حيث وصلت الأمور لأن يُقتلَ الميرزا محمد الأخباري مع ولده وتلميذه بعد فتوى من صاحب المناهل وتحريض الشيخ جعفر كاشف الغطاء القبائل العربيّة ضدّه، وهذا ما يمثل وصمة عار في التاريخ الشيعي.
وأهم المقولات الأخبارية التي أوردها الكتاب هي:
1 ـ ما ذهب إليه بعض الأخباريّين من القول بقطعيّة الكتب الحديثية الأربعة، وقطعيّة كلّ الأحاديث الواردة فيها، مهما كان سندها أو متنها، وتعدّى بعضهم إلى أزيد من الكتب الأربعة، وبهذا أصبحوا يقدّسون السلف.
2 ـ أنكر جماعة ظهورات القرآن دون الرجوع إلى السنّة.
ودرس هذا الفصل علاقة الدولة الصفوية بالحركة الأخبارية، وأيضاً أسباب رفض الحركة الأخبارية لكلّ ما له رائحة أهل السنّة والإصرار على القطيعة معهم بشكلٍ تام، مع أنّ الانفتاح بين السنّة والشيعة كان موجوداً سابقاً، فالعلامة الحلّي تعلّم العلوم الدينية عند أهل السنّة وتتلمذ على بعض علمائهم، وقد جلب الشهيد الثاني «965هـ» علم الحديث من أهل السنّة ولم يكن معروفاً عند الشيعة، وقيل بأنّ الشهيد الأوّل كوَّن القواعد الفقهيّة لأوّل مرة في التاريخ الثقافي الشيعي تحت تأثير الاتجاه القواعدي الفقهي عند أهل السنّة، وغير ذلك، وكما يروي الكتاب، فإنّ بعضهم يعمل بالرواية الظنّية التي تقول في ما معناها أن «الرشد في خلافهم» ويجعل منها قاعدة في منهجه العلمي يبني عليها على حساب الموضوعيّة، وكانوا ينتقدون الأصوليّين لقبولهم بالتأثيرات السنّية مما أثر على الأصوليّين، وربما مال بعضهم للأخذ بتلك القاعدة.
وتكلّم أيضاً عن جهود الأخباريّين في الكشف عن التراث الحديثي وتنظيم الموسوعات الحديثيّة كبحار الأنوار، وظاهرة شرح الحديث وإعادة بناء العلوم الدينية على أساس النص الحديثي ونشر ثقافة الحديث في المجتمع الإسلامي ومحاربتهم لعلم الرجال، ثم تكلّم في قسم خاص عن مبدأ «السنّة فقط» الذي نادت به الحركة الأخباريّة وسقوط المرجعيّة القرآنية وظهور مقولة تحريف القرآن.
ثم تكلّم عن نهاية الحركة الأخبارية، وردة فعل الحركة الأصوليّة وانتقاداتها عليها، وتأثير الحركة الأخبارية على الأصوليّة فيما بعد.
الفصل الخامس: نظريّة السنة في العصر الحديث (ق13 ـ 15هـ)
وفيه يتكلّم عن تطوّر نظريّة السنة داخل الحوزة الأصوليّة وجهود الأصوليّين ونظريّاتهم وجدلهم الداخلي بالنسبة لأخبار الآحاد، كالجدل حول مقولة الانسداد وظهور مقولتَي: السيرة العقلائية والمتشرّعيّة، ونظرية الجبر والوهن..
الفصل السادس: مشروع نقد السنة في الوسط الشيعي الحديث
وفيه يعرض أهم الجهود التي بُذلت من داخل الحوزة ومن خارجها، لنقد السنّة، سواءً باستخدام الآليات الكلاسيكيّة الحوزوية أو الآليات الجديدة، بعد أن قدَّم لهذا العرض بعرض موجز عن جهود أهل السنّة في نقد السنة، ليصل للنتائج التالية:
1 ـ أنّ النقد الشيعي لم يكن منطلقاً من إعادة ترتيب مصادر الشيعة المعرفيّة، بل اُريد منه تحسين الصورة الشيعية أو إجراء إصلاحات عقديّة ومفهوميّة، ما عدا حركة القرآنيين الشيعة إذا صحّ التعبير «وهم يقابلون حركة القرآنيّين السنّة»، والتي سعت لتكوين فقه شيعي وفق تصوّرها الخاص.
2 ـ أنّ حركة النقد الشيعي كان مصدرها الرقعة الفارسيّة بينما الجهود العربية لم تكن قويّة في هذا المجال، رغم أنّها كانت أقرب للساحة السنّية، وربما كان لإحساس الأقليّة دور في ذلك، ولكن تجارب مثل محسن الأمين والمظفر والخالصي وكاشف الغطاء والصدر ومغنية تؤكّد أنّ إحساس الأقليّة لم يوقف حركة النقد العربيّة، وربما كان أيضاً لتبلور كيان فكري ديني على هامش الحوزات العلمية أو منفصلة عنها في إيران بينما في الساحة العربية لم يحدث ذلك.
3 ـ هناك فروق بين النقد السنّي والشيعي للسنّة، فلم يوجد حضور لنقد السنّة الواقعية اليقينية عند الشيعة باستثناء مقولة تاريخانيّة بعض نصوص السنّة على يد شبستري وشمس الدين مثلاً، بعكس الوسط السنّي.
4 ـ أنّ حركة النقد الشيعيّة لم تتحوّل إلى ظاهرة فاعلة بعدُ، فهي ضعيفة في حجم حضورها الثقافي، على خلاف الوسط السنّي.
5 ـ أنّ حركة النقد الشيعي ليست سليمة من الأخطاء تماماً رغم خطوتها الإيجابيّة.
والحقيقة أنّ هذا الفصل مهم جداً، ولكنّنا لا يمكننا اختصار نظريّاته؛ لأنّ الاختصار يخلّ بها ويُفقدها علميّتها.
الفصل السابع: مَدَيات حجيّة السنّة
وفي محوره الأوّل يعرض الجدل الدائر حول حجية أخبار الآحاد الظنية في غير المجال الفقهي كمجال العقائد والطب والاجتماع و…، ولهذا المحور علاقة بالكثير مما يطرحه المنبر وما يتكوّن لدى الناس من ثقافة، وهو ما يُكوِّن ردّة فعل نقديّة من قبل المثقفين.
وأما محوره الثاني، فيتكلّم عن تاريخيّة السنّة، والقائلين بها ومدخلها النصّي، ثم عن نظرية الهرمنيوطيقيا وحضورها في الفكر النقدي، وهذا ما يرفضه الفكر الكلاسيكي طبعاً؛ لأنّه يميل إلى ثبات السنّة لا تاريخيّتها.
أما محوره الثالث، فيتكلّم عن نزعة التساهل في نصوص السنّة غير الإلزاميّة وآثارها الواسعة.
أعلم أنّ هذا العرض مخلٌّ جداً بهذا الكتاب المهم والضخم، ولكن أرجو أن يكون أعطى تصوّراً بسيطاً عنه يدفع المتلقّي لقراءته، فليست المعاينة كالسماع كما يقولون.
تاريخ المقال: 16 ـ 10 ـ 2006م