أ. جعفر الشايب
يعتبر الباحث والمؤلّف الأستاذ حيدر حبّ الله من أبرز المتصدّين لقضايا التعدّدية الدينيّة والتجديد الفقهي، وجمع بين الدراسة الدينية والثقافة المعاصرة. ألّف أربعة عشر كتاباً في منهج الفكر الديني وعلم الكلام والفقه الإسلامي والحديث، كما ترجم أربعة كتب حول مدرسة النقد والتجربة الدينيّة، وتجديد الفقه.
آخر مؤلّفاته «رسالة سلام مذهبي» الصادرة الشهر الماضي في كتاب يقع في حوالي 200 صفحة، تعتبر ـ من بين الدراسات الشبيهة ـ الأكثر موضوعيّة وجرأة في تناول ومعالجة الإشكاليّة المذهبيّة بين السنّة والشيعة ومختلف المذاهب الإسلامية. ويعبّر عن هذه الرسالة في مقدّمته ليؤكّد بأنّها «ستعجب الكثيرين، لكنّها قد تغضب بعضاً أيضاً هنا وهناك، وهي رسالة محبّة وسلام مذهبي، ورسالة وطن وأمة ومجتمع وحضارة».
«رسالة سلام مذهبي» احتوت على مكاشفات واقعيّة وعلى توصيف دقيق للأزمة المذهبيّة التي نعيشها اليوم، وعلى تحديد دقيق لمواقع الإشكال والخلاف بين المسلمين اليوم، وكذلك الهواجس المتبادلة والقضايا العالقة بينهم. وقبل أن يُناقش المؤلّف أوجه الخلاف القائم، يقدّم تعريفاً تأصيليّاً بالمذهب الإمامي ومعالم الاعتقاد فيه، ثم يتناول الفهم المختلف بين أتباع المذهبين حول أبرز القضايا التي تشكّل المرتكزات التي تستند عليها التعبئة المذهبيّة التحريضيّة.
يناقش المؤلّف جميع القضايا المثارة بين المذهبين، سواء العقدية أو الفقهية أو التراثيّة والتاريخية، ويتناولها بصورة توضيحيّة، ومنها مسألة الشرك والتكفير، والموقف من الصحابة، والشعائر والطقوس الدينية، وغيرها.
وبصورة غاية في الدقّة والاتزان والموضوعيّة، يتحدّث حبّ الله عن دعوته لتصحيح المفاهيم وبعض الممارسات لدى الإماميّة، مستشهداً بآراء وفتاوى كبار العلماء والمراجع الذين اتخذوا مواقف تاريخيّة جريئة تتعلّق بعديد من المواضيع والقضايا المثارة.
كما يدعو في كتابه إلى وعي الآخر وفهمه، ومعالجة الالتباسات الخاطئة، وإنشاء موسوعات حديثيّة إسلاميّة عامة، وتأسيس مجمع فقهي إسلامي مقارن، وممارسة الحقّ في الحوار النقدي.
حبّ الله يناقش أيضاً في رسالته، بعض إشكالات إدارة الاختلاف القائمة في هذه المرحلة، ومن أبرزها شرعيّة الاجتهاد والاعتراف بالآخر، وممارسة الإلغاء والإقصاء، والعلاقة بين الأكثريّة والأقليّة في المجتمعات، وتأصيل الحريّة الدينية، والفصل بين المذهبي والسياسي.
الخطوات العمليّة التي يراها المؤلّف لتأكيد رسالته السلميّة، يطرحها من خلال عدّة أفكار، أبرزها: تنقية التراث المذهبي، وإعادة قراءة الآخر المذهبي بصورة موضوعيّة، وتظهير عناصر الاشتراك بين المذاهب.
ويضيف الكاتب أيضاً أنّ من بين الخطوات العمليّة مدّ جسور التواصل بين المدارس العلميّة للمذاهب، ووقف الحملات الإعلاميّة المتبادلة، والاستفادة من تجارب المجتمعات الأخرى في التسامح الديني، وتحرّر رجال الدين بفصل السياسي عن المذهبي.
وحول دور المؤسّسات الدينيّة، فإنّه يُطالب بإعادة رسم برامج وأولويات المؤسّسة الدينية، وتوحيد جهود المعتدلين فيها لمواجهة المتطرّفين، وقيام مبادرات دينيّة مشتركة جادّة، وإصدار فتاوى جريئة وصريحة، والاهتمام باللغات التي يتحدّث بها المسلمون غير العربيّة، والمزاوجة معها.
الكتاب يحمل رسالة واضحة لكلّ مسلم، لتبنّي دور مؤثر في نطاق دوائر فعله، بهدف إنقاذ الدين وحماية الناس، وإيقاف المبرّرات المذهبية للصراعات. وهو إذ يطالب بقراءة واعية لحاضر الحالة المذهبية، فإنّه يؤكّد على النقد البنّاء والحوار الهادف من أجل الوصول إلى مشتركات جامعة ورؤى متقاربة.
نشر المقال في صحيفة الشرق السعوديّة
بتاريخ: 14 ـ 9 ـ 2015م