أ. أحمد الحمد
الكتاب قيّم لما فيه من أطروحات موضوعيّة تجمع ما بين الحفاظ على معتقدات الإماميّة الأساسيّة دون المساس بها وما بين التقارب مع المذاهب الإسلاميّة الأخرى من دون التعرّض لهم ولمذاهبهم لا بالتفنيد ولا بالإساءة لهم، وأيضاً يمتاز الطرح بالإيمان بالاختلاف وبالحفاظ على خصوصيّات كلّ مذهب، وعدم التنازل عن المعتقدات الثابتة.
الكتاب قد لا يعجب البعض؛ لأنّه يدعو لترك بعض الشعائر والممارسات أو حتى بعض العقائد التي هي محلّ خلاف ما بين التوجّهات المختلفة داخل البيت الشيعي؛ لأنّها إما أنّها لم تثبت صحّتها أو لأنها ليست بواجبة، ولأنّ المرحلة تتطلّب التقارب من أجل وقف الاستعداء ما بين المذاهب الإسلاميّة، وبالتالي يلزم من جميع المذاهب ـ بمن فيهم الاماميّة ـ تقديم التنازلات في هكذا شعائر، والتي هي بالأصل محلّ خلاف حتى فيما بينهم، وهذه الأطروحة قد لا تحقّق الكثير للتقارب ما بين المذاهب، ولكن بلا شك إنّها خطوة نحو التغيير والتقارب، وليتحقّق منها ما يمكن تحقيقه.
1 ـ إنّ الأساس الذي ينطلق منه الكاتب هو الحفاظ على الهويّة والمعتقد والخصوصيّة والأفكار، مع الجمع مع علاقة وطيدة وعميقة مع الآخرين، ويتمّ ذلك من خلال التعريف بالهويّة والانفتاح على الآخرين بذهنيّة واعية، ووقف الرجوع للوراء والعيش في التاريخ.
2 ـ طرح الكاتب بشكل مبسّط ومفهوم، المعتقدات الشيعيّة الأساسيّة، كتعريف للآخرين، وناقش بعض المواضيع التي هي محلّ خلاف مع المذاهب الإسلاميّة، كمثل موضوع التحريف القرآني والذي وإن كان هناك إجماع على حفظ القرآن من أيّ تحريف حرفي، إلا أنّه قد يكون هناك تحريف في المعنى والتفسير، ووجّه دعوة للسنّة لتقبّل آراء علماء الشيعة المعاصرين، بنفي تحريف القرآن.
3 ـ أمّا عن موضوع الإمامة والتي هي أحد محلّ الخلافات ما بين المذاهب الإسلامية، فقد ذكر الكاتب بأنّ الإماميّة ترى الإمامة جعلاً إلهيّاً، وأنّ غالبية علماء الشيعة لا تحكم بكفر من أنكر الإمامة ما لم ينصب العداء لأهل البيت.
4 ـ وفي موضوع الخلافات، فقد حصر الاختلاف ما بين الشيعة وغيرهم في حدود ضيّقة، وذكر بأنّه رغم وجود خلافات بين جميع المذاهب الإسلاميّة، إلا أنّها حُلّت ما بينهم بشكل أو بآخر، ولكن بقي الخلاف ما بينهم وبين الشيعة، وإن كان الخلاف الحقيقي ما بين الشيعة والتيار السلفي غالباً، أمّا باقي المذاهب الإسلامية فالخلافات تكاد تكون محصورة وضيّقة معها، كما أكّد على قضيّة مهمة وهي أنّ القضية ليست في الاختلاف الفكري، بل هي واقعاً في الحواجز النفسيّة التي حدثت بينهما.
5 ـ لخّص الكاتب أهم الخلافات القائمة ما بين الإمامية والمذاهب الأخرى في المواضيع التالية:
تكفير البعض للشيعة.
لعن الصحابة.
التعرّض لأمهات المؤمنين.
التقيّة.
تحريف القرآن.
عاشوراء.
المتعة.
المواطنة وقمع الحريات.
6 ـ من أعقد المشاكل بين المسلمين تكفير وتشريك بعضهما البعض، ولذلك تطرّق الكاتب إلى وجوب إلزام المذاهب المسلمة بالتخلّي عن تكفير بعضهم البعض، كما أشار إلى أنّه من الواجب على الإماميّة نقد تصرّفات أتباعهم غير الصحيحة والتي تشوّه المذهب، كما طالب الدعوة للسنّة لمراجعة التاريخ علميّاً ونقد المنحرف من الصحابة موضوعيّاً، وعدم تكفير من لم يؤمن بعدالة الصحابة، كما دعا الشيعة لإعادة قراءة مواقف الصحابة بموضوعيّة، وضرب بالحر العاملي كأنموذجاً وركّز بالدعوة للتخلّي عن لعن الصحابة قاطبة، ففي الحديث عن الإمام علي: (كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتّامين) (مستدرك الوسائل 12: 306)، وحتى لو ثبت عند البعض وجه استحباب اللعن، فيلزم التخلّي عنه لحقن دماء المسلمين.
7 ـ تطرّق إلى أنّ علم الغيب عند أهل البيت مستمدّ من الله، وليس منفصلاً عنه، كما وجّه دعوة للسنّة لإظهار الولاء والمحبّة لأهل البيت وإحياء أمرهم أكثر، وأيضاً تطرّق لموضوع التقيّة، ودعا لتفهّمها عند الإماميّة، والتي يعمل بها أيضاً غيرهم، وتفهّم الأسباب التي تدعو للعمل بها، والتي على رأسها القمع والاضطهاد الذي تتعرّض له الإماميّة، وإن كان اليوم بعد الانفتاح الإعلامي، أصبح ممارسة التقيّة محصوراً ومحدّداً جدّاً، فممارسات الشيعة ظاهرة للعلن وأمام الجميع.
8 ـ بيّن أنّ الأمامية تيارات مختلفة ووجهة نظر تيار محدّد تجاه الصحابة لا يمثل الشيعة أجمع، كما أكّد بأنّ المبالغة بالشعائر الحسينية وتكبيرها فيه ضرر على الشيعة ونبذ للطائفة عند الآخرين، فيتوجّب على الشيعة عدم التركيز وإبراز الشعائر ومستحبّات زيارة مراقد الأئمة بشكل مبالغ فيه بشكل يوحي بالتعظيم على الواجبات الأخرى كالحج والعمرة. كما أشار إلى أنّ الاهتمام الشيعي بزيارة قبور الأئمة أو الشعائر الحسينية يأتي من باب الاستحباب، وليست بديلاً عن الحج والعمرة كما يظنّ البعض.
9 ـ يجب على كلّ المذاهب ـ بمن فيهم الشيعة ـ عدم اختزال التشيّع في هذه الشعارات، مقارنة بما خرج من التشيّع من عباقرة وعلماء ومفكّرين ونهضويين أسهموا في مواجهة الإلحاد والتغريب وتقديم الشهداء، ولذلك طالب أهل السنّة بوقف أو التخفيف من حملاتهم ضدّ الشعائر التي تمارسها الشيعة، كما أوجب على الشيعة التخلّي عن الشعائر التي لا صحّة لها والناتجة عن تعبير بشري عن التفجّع والحزن، والتي أصبحت تسيء للمذهب وتنفّر الآخرين منه، والاهتمام بالشعائر الثابتة الأصليّة، والتي تتمثل في الزيارة والبكاء ومودّة أهل البيت وإحياء أمرهم وعلومهم.
10 ـ يلزم تقبّل الاختلاف الفقهي ما بين المذاهب، كالاختلاف في الوضوء والصلاة وزواج المتعة وغير ذلك، كما يلزم على الآخرين تصحيح نظرتهم للشيعة فيما يتعلّق بزواج المتعة، وأنّه ليس انحلالاً أخلاقيّاً، بل حكم شرعي له شروط مثل الزواج الدائم، وبنفس الوقت يجب على الشيعة عدم الإساءة للمذهب في سوء ممارسته، فالاختلاف لا يمكن منعه ورفعه، بل يتوجّب علينا أن نتعلّم كيف نتعلّم ونتعايش مع الاختلاف والذي يقوم على الأسس التالية:
شرعية الأجتهاد والاعتراف بالآخر.
التماس العذر للمسلم.
نعم للفوارق، لا لإلغاء المذاهب.
إحتضان واندماج الأقليّة بالأكثريّة.
11 ـ انتشار التشيّع في بعض البلدان ليس بمؤامرة لنسف التسنّن، وإنّما مدّ ثقافي طبيعي بينما هناك آخرون يتعمدون نشر مذهبهم بالقوّة، كمثل انتشار السلفيّة بالأموال غير المحدودة في الكثير من البلدان، فالحريّة الفكريّة تضمن للناس بنشر معتقداتهم بما يرونه صحيحاً، وللناس الحرية باعتناق ما يرونه صحيحاً، كما يتوجّب على جميع الطوائف الإسلاميّة التصدي للفكر الإلحادي واللاديني.
12 ـ على الشيعة عرض مذهب أهل البيت بطرق علميّة، دون لجاج أو مخاصمات أو جرح مشاعر الآخرين، قال الإمام الصادق: (اجعلوا أمركم هذا لله، ولا تجعلوه للناس، فإنه ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد، ولا تخاصموا الناس لدينكم، فإنّ المخاصمة ممرضة للقلب) (الكافي 1: 166).
13 ـ أكّد الكاتب على الحلول العمليّة وعلى رأسها تأصيل مبدأ الحرية والأمن، والحرية في الهويّة المذهبيّة وممارسة الشعائر والمشاركة بالحياة السياسية والحرية الإعلامية والعمل والسكن وبناء الأماكن الدينية وما شابه. وإعطاء حقّ المواطنة للشيعة في العالم العربي وعدم الربط السلبي ما بين وطنيّتهم وبين المرجعيّة الدينية خارج الوطن، والفصل بين المذهبي والسياسي فلا توصف الشيعة بالعمالة بسبب انتمائهم المذهبي.
14 ـ لخّص الخطوات العملية في:
تنقية داخلية للتراث المذهبي لكل طائفة.
إعادة النظر في قراءة المذهب الآخر.
إظهار عناصر الخير والنور في المذاهب الأخرى.
التواصل بين المدارس العلمية للمذاهب.
فتح كراسي المذاهب في الجامعات والحوزات الدينية عند كلّ مذهب.
وقف الحملات الإعلامية المتبادلة ضدّ كلّ مذهب.
الاستفادة من تجارب دول عرفت بالتسامح المذهبي.
تحرّر رجال الدين بفصل السياسي عن المذهبي.
ربط السياسي بالديني في القواسم المشتركة.
إعادة رسم المؤسّسة الدينية برامجها وأولوياتها.
توحيد جهود المعتدلين لمواجهة المتطرّفين.
قيام مبادرات دينية لمشاريع مشتركة.
إصدار المرجعيات الفقهيّة فتاوي تعزز التوافق ما بين المذاهب.
الاهتمام باللغات الإسلاميّة غير العربيّة.
المصدر: موقع المطيرفي
http://www.almoterfy.com/site/index.php?lang=ar&act=showNews&module=news&id=7356#.WAB3rMm8bcu