تناولت المحاضرة السادسة من تفسير سورة القارعة عدّة عناوين، استمرّت حول (الوزن والميزان) في القرآن الكريم، ضمن عدّة أبحاث تستكمل الأبحاث السابقة:
البحث الرابع: هل توزن السيئات؟
1 ـ يميل العديد من العلماء والمفسّرين إلى أنّ السيّئات لا توزن، ويستشهدون لذلك بمفهوم الخفّة والثقل الوارد في الآيات (فمن ثقلت موازينه..)، وأيضاً بقوله تعالى (فحبطت أعمالهم فلا نُقيم لهم يوم القيامة وزناً)، بل ذهب بعضهم إلى أنّ الميزان خاصّ بالمسلمين.
2 ـ مناقشة الأدلّة المذكورة، وأيضاً بيان أنّ تعبير (لا نقيم لفلان وزناً) قد يكون جملةً كاملة يُراد منها معنى واحد، وهو: لا كرامة له ولا أهمّية له عندي، وليس تعبيراً توصيفيّاً عن التوزين.
البحث الخامس: لماذا استخدمت صيغة الجمع في الموازين؟ عرض التصوّرات التفسيريّة.
1 ـ إنّ الجمع لأنّ لكلّ فردٍ ميزان خاصّ به، وهذا يعني انّ كل إنسان يحساب وفقاً لظروفه ومعطياته وأوضاعه، فتختلف الأوزان والحسابات، وهذا مثل ما ورد في بعض الروايات من اختلاف الثواب والعقاب باختلاف العقول.
(استطراد حول فكرة أخذ ظروف المجرم في معاقبته أو في شدّة العقاب وخفّته، ووجود إشكاليّة على الفقه الاسلاميّ أنّه لا يميّز في العقوبة بين ظروف المجرمين وأحوالهم، والمناقشة في أنّ هذه الفكرة موجودة في الفقه لكنّها لم تتحوّل عند الفقهاء إلى قانون عام في النظام الجزائي والجنائي، ومن أمثلتها: التمييز في حدّ السرقة بين عام المجاعة وغيره، والتمييز في حدّ الزنا بين المحصن وغيره ممّن لا يتوفّر له قضاء حاجته الجنسيّة، والتمييز في العقوبات بين المطّلع على الحكم الشرعي وغيره ممّن يكون حديث عهد بالإسلام، وتمييز بعض الفقهاء المتأخّرين في حد الردّة بين الحالة الطبيعيّة وحالة الشكّ النوعي الذي يعصف بالشباب في المجتمع كلّه، وهكذا).
2 ـ إنّ تعدّد الموازين نتيجة تعدّد الأعمال، فلكلّ عمل ميزانه الخاصّ، فالصلاة لها ميزانها، والصوم، وهكذا.
3 ـ إنّ جمع الموازين سببه كون الموزونات متعدّدة، فاستخدم الجمع في الظرف بملاحظة تعدّد المظروف.
4 ـ أن يقال ـ ولعلّه الأرجح ـ: إنّنا لا نملك معلومات حاسمة حول السبب في تعدّد الميزان، وكلّ ما قيل هو احتمالات ممكنة ومعقولة.
البحث السادس: لماذا تُنصب الموازين مادام الله يعلم كلّ شيء؟
1 ـ ظهر هذا السؤال بين بعض المتكلّمين والمفسّرين، ويكشف عنه حوار الإمام الصادق مع الزنديق، والوارد في كتاب الاحتجاج.
2 ـ الأرجح أنّ ظواهر الحساب والميزان ورؤية الأعمال وشهادة الأعضاء والأبدان وغيرها، إنّما هي عبارة عن ظواهر ومسارات حقيقيّة تكوينية تقع في سياق انكشاف الحقائق للناس في النشأة الآخرة، لتكون لله الحجّة البالغة ويكونوا على بيّنة من المصائر التي يذهبون إليها وأسبابها (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد).
البحث السابع: هل يمكن لنا أن ننصب ميزاننا لأنفسنا لكن في الدنيا؟
1 ـ ضروري جداً أن ننصب ميزاننا لأنفسنا في الدنيا قبل أن يُنصب لنا في الآخرة.
2 ـ هذا المفهوم يقوم على وعي وبصيرة بأنواع الأعمال الصالحة والطالحة وبمراتبها، وعدم خلع الصفات الحسنة على الأعمال القبيحة (التكبّر على الناس نسمّيه كرامة ومحافظة على المكانة الاجتماعية ـ الرشوة والتحايل نسمّيهما شطارة وحذاقة! و..).
3 ـ لقد استخدم علماء الأخلاق مفهومي: المحاسبة والمراقبة، بهذا المعنى، فمن الضروري لنا أن نحاسب أنفسنا كلّ يوم قبل النوم أو كلّ شهر أو كلّ سنة لمعرفة ماذا قدّمنا (ولتنظر نفسٌ ما قدّمت لغد)، فهذا ضروري لتطوير الذات بتشجيعها على ما فعلته من صالحات، ونقدها وإصلاحها على ما ارتكبته من سيّئات (حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا).
البحث الثامن: ما هي نتائج الميزان الأخرويّ؟
أوّلاً: نتائج ثقل الميزان هي:
1 ـ عيشة راضية (فهو في عيشةٍ راضية) والمراد:
أ ـ إمّا مرضيّة باستخدام اسم الفاعل (راض) وإرادة اسم المفعول (مرضيّ)، مثل: (ماء دافق) والمراد ماء مدفوق.
ب ـ أو باستخدامها بنحو المجاز، والمراد عائشٌ راضٍ.
ج ـ أو بمعنى أنّها عيشة ذات رضا، كما نقول: حياة سعيدة، مثل: فلان تامر ولابن، أي ذو تمر وذو لبن.
2 ـ الفوز والفلاح كما جاء في (الأعراف والمؤمنون).
و..