تناولت المحاضرة الخامسة من تفسير سورة القارعة عدّة عناوين، دارت حول (الوزن والميزان) في القرآن الكريم، ضمن عدّة أبحاث:
البحث الأوّل: استخدامات الوزن والميزان في القرآن الكريم، وقد تبيّن أنّها:
أ ـ الميزان المادي المستعمل في الأسواق وعند الباعة (استعراض آياته، والتعريج على مفهوم التطفيف، وأنّه قد يتخطّى البُعد الاقتصادي إلى البعد الاجتماعي والعلائقي في وجهة نظر بعض الباحثين في الفقه الإسلامي).
ب ـ نظام الطبيعة وانسجامها، (والسماء رفعها ووضع الميزان)، مع مناقشة إمكانيّة استفادة هذا المعنى الذي ذهب إليه بعض العلماء مثل الشيخ جعفر السبحاني.
ج ـ الدين والقانون، (وأنزلنا معهم الكتاب والميزان).
د ـ الميزان الأخروي يوم القيامة، والآيات فيه بلغت تسعاً، واحدة منها تقرّر مبدأ الميزان، والبقية تتحدّث عن بعض التفاصيل.
البحث الثاني: حقيقة الميزان الأخروي، وقد ظهر هنا اتجاهان في الفكر الإسلامي:
الاتجاه الأوّل: حسيّة وماديّة الميزان الأخروي، ذهب إليه الكثير من الأشاعرة وأهل الحديث وبعض المعتزلة، واستدلّ له:
أ ـ ظاهر اللفظ القرآني.
ب ـ التوصيف بخفّة الموازين وثقلها.
ج ـ بعض الروايات، وأبرزها: خبر أبي هريرة في الصحيحين (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان)، وخبر عبد الله بن عمرو بن العاص في مسند ابن حنبل وغيره والمعروف بخبر البطاقة.
الاتجاه الثاني: عدم حسيّة الميزان الأخروي، ذهب إليه جمهور المعتزلة والإماميّة والإباضيّة والجهميّة والعرفاء والفلاسفة وبعض متأخّري الأشاعرة، ونُسب لمجاهد والضحّاك والأعمش، واستدلّ له:
أ ـ إنّ الأعمال أعراض فلا توزن، ذكره بعض المعتزلة.
ونوقش ويناقش بأنّه يمكن تجسيمها، خاصة على مبنى من يقول بتجسّم الأعمال يوم القيامة.
ب ـ إنّ المعنى الحقيقي لكلمة الميزان في اللغة ـ بصرف النظر عن نظريّة روح المعنى ـ هو الأعم من الميزان المادي وغيره، حيث يُراد منه مطلق التقدير والمحاسبة.
ج ـ بعض الروايات، وأبرزها حوار الإمام جعفر الصادق مع الزنديق والمرويّ في كتاب الاحتجاج للطبرسي، حيث ينفي وزن الأعمال؛ لأنّها ليست بأجسام، ويُثبت أنّ معنى الميزان هو نفس العدل بين الناس يوم القيامة.
ووفقاً للتفسير المعنوي للميزان اختُلف: فقيل هو العدل. وقيل: هو نفس ظاهرة الحساب، وثقله وخفّته هو نفس يسر الحساب وعسره. وقيل: هو الإنسان الكامل، أي الأنبياء والأوصياء، وهو ما دلّت عليه مرفوعة إبراهيم الهمداني التي نقلها الكليني في الكافي. وقيل ـ كما ذهب إليه الملا صدرا ـ هو تأثير الأعمال في النفس تكويناً بما يثقلها معنويّاً، مع ذكر بعض التعليقات على هذه الأقوال.
البحث الثالث: ما هي حقيقة الموزون في الميزان الأخروي؟ وكيف يتمّ الوزن؟
أ ـ إذا بُني هنا على أنّ الميزان هو نفس العدل، فالأمر واضح.
ب ـ وإذا بُني على أنّ الميزان هو الميزان المادي، فقد اختلفوا:
1 ـ حيث قال بعضهم بأنّه توضع الحسنات في كفّة، والسيئات في كفّة أخرى، ولكنّه يخالف ظاهر بعض الآيات.
2 ـ وقال آخرون: توضع في الميزان صحائف الأعمال، ولكنّه لا دليل عليه.
3 ـ وقال فريق ثالث، وهم كثيرون: يوضع نفس صاحب العمل، واستدلّ له ببعض الأدلّة، منها الروايات (خبر أبي هريرة في الرجل السمين، وخبر زرّ بن حبيش في قصّة عبد الله بن مسعود)، وكلّه يخضع للمناقشة.