تناولت المحاضرة الرابعة من تفسير سورة القارعة عدّة عناوين، منها:
1 ـ صيغٌ أربع لنظريّة وضع اللفظ لروح المعنى:
الصيغة الأولى: ما يستوحى من بعض تلامذة ابن عربي: الألفاظ موضوعة للمعنويات حقيقةً، وللمادّيات مجازاً، وكأنّ هذه الصيغة تحاكي في اللغة نظريّةَ ابن عربي في الوجود، وأنّ الوجودات الماديّة كأنّها عدمٌ، وتعتبر وجوداً بنحوٍ من المجاز. ويبدو أنّ هذه الصيغة ـ كما يُستوحى ـ تعتبر واضع اللغة هو الله، وهي نظريّة تعود لبعض فلاسفة اليونان الذين كانوا يقولون بأنّ بعض الكلمات وضعتها الآلهة. (يوجد احتمال في إخراج هذه الصيغة عن دائرة نظريّة روح المعنى).
الصيغة الثانية: إنّ اللفظ موضوع للمعقول والمحسوس بنحوٍ من التشكيك، فصدقه على المعقول أشدّ من صدقه على المحسوس (تفهم من بعض عبارات الملاصدرا وغيره).
الصيغة الثالثة: إنّ اللفظ موضوع للمعقول والمحسوس بنحو التواطي (يفهم من بعض عبارات الملا صدرا أيضاً).
الصيغة الرابعة: إنّ الالفاظ موضوعة للمحسوسات، ثم بتراكم خبرة البشر استعملت في المعنويّات حتى صارت حقيقةً فيها (يفهم هذا من بعض عبارات العلامة الطباطبائي والشيخ جوادي آملي)، علماً أنّ بعض الباحثين يميّز هذه النظريّة عن نظرية روح المعنى، ويسمّيها نظريّة تجريد المعاني، ولعلّ الأفضل تسميتها بنظريّة (التوسّع التطوّري للمعاني).
2 ـ الشيء اللافت للنظر أنّ علماء أصول الفقه الإسلامي الذي برعوا في دراسة نظريّات الوضع والاستعمال واللغة، لم يتعرّضوا لنظريّة روح المعنى، بمن فيهم بعض الأصوليّين الذي يؤمنون بهذه النظريّة، مثل الإمام الخميني الذي يشير إليها في كتابه مصباح الهداية، وإن خالفه ابنُه السيد مصطفى في نظريّته هذه، على ما جاء في تفسيره للقرآن الكريم.
3 ـ إنّ نظريّة وضع الألفاظ لروح المعنى من النظريّات المهمّة للغاية، ونوجّه دعوةً لكلّ الباحثين والطلاب الحوزويّين والجامعيّين، لدراسة هذه النظريّة في أطروحاتهم ورسائلهم الجامعيّة، خاصّة الذين يهتمّون بمجال القرآنيات، واللغة، واللسانيّات، والعرفان.
4 ـ ما هي أبرز أدلّة وضع اللفظ لروح المعنى؟ (استعراض موجز لبعضها وعيّناتٍ منها فقط).
الدليل الأوّل: نحن أمام خيارين: إمّا التجسيم أو المجاز الكثير، وهو خلاف الذوق، فيجب المصير إلى روح المعنى.
الجواب: أ ـ لم نفهم وجه منافاة المجاز للذوق، ويحتاج لمزيد تعميق خاصّة من قبل أولئك الذين يؤمنون بروح المعنى ويؤمنون بالمجاز أيضاً في القرآن، مثل العلامة الطباطبائي.
ب ـ إنّ مجازية اللغة لا تنافي حقّانيّة المحكي عنه بها، وهذا خلطٌ بين الاعتبار والحقيقة.
الدليل الثاني: ما يستوحى ممّا طرحه الطباطبائي، من أنّ المسمّيات تتغيّر ويظلّ الاسم ينطبق عليها، مثل السراج اليدوي ثم الكهربائي، الأمر الذي يكشف عن أنّها وضعت من الأوّل لتمام المصاديق.
والجواب: أ ـ إنّ انطباق اللفظ على المصاديق الجديدة يحتمل ذلك، ويحتمل أنّه وقع أوّلاً بنحو المجاز، ثم حصل الوضع التعييني أو التعيّني، فما هو الموجب لترجيح فرضيّة القائلين بروح المعنى هنا؟
ب ـ إنّ روح هذا الاستدلال استقرائيّة، ولم تقم بتتبّع بُنية اللغة في تمام مواردها، والمفروض أنّ النظريّة تتعالى عن خصوص اللغة العربيّة أيضاً، فكيف نجزم بالتعميم في جميع المفردات والكلمات رغم استقراء عدد قليل منها؟!
ج ـ ما أشكله بعضهم، من أنّه لو صحّ هذا لزم تصوّر الواضع للغة على أنه مدرك لجميع المصاديق إلى يوم القيامة، وهذا لا ينسجم مع بشريّة اللغة التي يؤمن بها نفس الطباطبائي في مقالته السادسة من كتاب أصول الفلسفة.
لكن يمكن الدفاع عن الطباطبائي هنا، بأنّ ملاحظة الواضع لروح المعنى لا تستدعي ملاحظته لتمام المصاديق، بل هو يأخذ جوهر المعنى والغاية فقط.
د ـ إنّ تبرير نشوء الانصراف من الأنس والعادة بالمادّيات، يفترض أنّ العرف وأهل اللغة صاروا يفهمون من اللفظ المعنى الضيّق، وقوة هذا الأنس تفرض حصول نقل لغوي من المعنى العام إلى الخاص، وإلا فلماذا نبحث في هذا الموضوع إذا كان أهل اللغة مدركين للأمر؟!
هـ ـ إنّ نظرية روح المعنى لاحظت عنصر الوضع، لكنّها لم تشرح لنا جوهر عنصر الاستعمال اللغوي، والوضع غير الاستعمال، فإذا كان اللفظ وضع لجوهر المعنى، فكيف نشخّص أنّ المصداق هنا هو مادّي أو معنوي؟ فإذا كانت القرينة تفعل ذلك، عنى ذلك أنّ المعضل القرآني الذي نحن بصدده لم يحلّ؛ لأنّ العارف ما زال يحتاج لقرينة لإثبات تجرّد الكرسي الإلهي عن المادّة، ولم يرد المعنى الملازم للمادّة، فكيف نميّز بين موارد الاستعمال دون قرينة، وإلا فلا فرق في ميكانيزما الاستعمال بين روح المعنى ونظريّة المجاز، إنّما الفرق في التسمية (مجاز ـ حقيقة).
و ـ ماذا يفعل أنصار روح المعنى مع النصوص الاعتباريّة كالتكاليف الشرعيّة؟ هل الحجّ استعمل بروح المعنى بما يشمل غير حجّ بيت الله الحرام؟ وماذا يفعلون بالألفاظ الخاصّة بالمادّيات، مثل الأفعال الدالة على الزمان، ومثل كلمة: جسم ومادة وغير ذلك؟ فإذا كانت نظريّتهم شاملة لبُنية اللغة عموماً فإنّ الأمر هنا يحتاج لتفسير.
الدليل الثالث: وجود نزعة روح المعنى عند بعض المعجميّين اللغويين كابن فارس والمصطفوي.
والجواب أ ـ لنفرض، لكنّه ليس بدليل ولا حجّة في نفسه.
ب ـ كثيراً ما يُرجعان الأصل إلى معنى ماديّ لا إلى جوهر متعالٍ.
ج ـ إنّ وضع اللفط لشيء بخصوصيّةٍ غائيّة ما، قد يكون حيثيّة تعليلية لا تقييديّة.
و..
# | العنوان | تاريخ الإعداد | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين | التحميل |
---|---|---|---|---|---|---|
82 | الدرس التفسيري الأسبوعي ـ سورة القارعة 004 | 2016-12-07 | 2016-12-07 | 0 | 4232 |
|