تناولت المحاضرة الثالثة من تفسير سورة القارعة عدّة عناوين، منها:
1 ـ عرض موجز جداً لبعض نظريّات بطون القرآن وتفسيرها، مثل:
النظريّة الأولى: البطون هي المعاني المقصودة للمتكلّم حال نطقه بالكلام، ولو لم تكن مَعْنِيَّةً باللفظ.
النظريّة الثانية: البطون هي المصاديق المتعدّدة للمعنى الواحد، وارتباط هذا التفسير للبطون بقاعدة الجري والتطبيق.
النظريّة الثالثة: البطون هي الدلالات الالتزامية للكلام والتي تتعاقب طوليّاً.
النظريّة الرابعة: البطون هي المعاني الظاهريّة المقصودة للمتكلّم عدّة مرات نتيجة تعدّد النزول.
النظريّة الخامسة: ما ينسب للبلخي، من أنّ الظاهر هو اللفظ والباطن ليس سوى معنى اللفظ.
2 ـ نظريّة وضع اللفظ لروح المعنى التي اختارها بعض المفسّرين وبعض العرفاء، شرح وتوضيح وتعليق عبر ثلاث خطوات هي: مقدمات أربع، شرح النظريّة، أدلّة النظريّة ومناقشاتها.
3 ـ المقدّمات الأربع لعرض نظريّة وضع اللفظ لروح المعنى:
المقدّمة الأولى: وجود خلاف في التحقيق التاريخي حول: هل كان لدى قدماء المتصوّفة والعرفاء في القرون الهجريّة الأولى منهج (لغوي دلالي) حقاً، غاية الأمر أنّ اللاحقين بيّنوه، أو أنّ حقيقة الحال تاريخيّاً أنّهم لم يكن لهم منهج (لغوي دلالي)، إلا أنّ اللاحقين أرادوا تبرير تفسيرات المتصوّفة العشوائيّة لغويّاً بخلق منهج لغوي تبريري؟
المقدّمة الثانية: إنّ محلّ البحث في نظريّة وضع اللفظ لروح المعنى هو المنهج التأويلي العرفاني للنص الديني وفق قانون اللغة، وليس سائر مناهج التأويل العرفانيّة، كالتأويل الوجودي وغيره.
المقدّمة الثالثة: تتنوّع المناهج التأويليّة في التراث الإسلامي، وأبرزها ثلاثة:
المنهج الأوّل: التأويل المجازي المشهور بالتأويل المعتزلي ويعني: صرف اللفظ عن ظاهره الأوّلي لسببٍ أو قرينةٍ ما، نحو معنى متوالم مع السبب أو القرينة.
المنهج الثاني: التأويل الرمزي الذي نُسب لبعض الفلاسفة والعرفاء، ونُسب لبعض المفكّرين الحداثيين، ويعني أنّ الظاهر ليس مقصوداً أصلاً، بل المقصود هو الباطن فقط (نماذج أدبيّة من كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار النيسابوري، ومباحث القصص القرآني).
المنهج الثالث: التأويل العبوري القائم على الاعتراف بالظاهر والباطن معاً، والعبور إلى الباطن من خلال الظاهر (ونظريّة وضع اللفظ لروح المعنى ترى أنّها تتناسق مع المنهج الثالث).
المقدّمة الرابعة: إحدى أهم مساحات نظريّة وضع اللفظ لروح المعنى، هي استخدام الألفاظ في الظواهر الغيبيّة، وفي مباحث الأسماء والصفات والأفعال الإلهيّة.
4 ـ شرح موجز لنظريّة وضع الألفاظ لروح المعاني:
أ ـ إنّ الألفاظ تطلق على مساحتين وموضعين: مادّي ومعنوي.
ب ـ عندما يقوم الواضع بوضع اللفظ، فهو يلاحظ الجوهر والغاية والمعنى المشترك الجامع بين الموضوعين: المادي والمعنوي، فيضع اللفظ له، وينتج عن ذلك أنّ استخدام اللفظ في مورد الماديات سيكون بنحو الحقيقة، وفي مورد المعنويات والغيبيّات سيكون بنحو الحقيقة أيضاً، فلا مجاز هنا أصلاً.
ج ـ إنّ السبب في انصراف الأذهان العامة إلى المصداق المادي للكلمة الموضوعة للمعنى العام، مثل كلمة الميزان، هو ـ كما يقول الملاصدرا والطباطبائي ـ الأنس والألفة والعادة وكثرة ملامسة المادّيات، فالموضوع الحقيقي لكلمة الميزان، هو المعادلة وتقدير الأمر، بينما الذهن ينصرف للميزان المستخدم عند الباعة وفي السوق؛ لكثرة ألفته له.
د ـ ينجم عن وضع الألفاظ لروح المعاني تقليص مساحة المجاز في القرآن، فتطلق كلمة النور على النبيّ والإمام والقرآن والإيمان والله والشمس والمصباح بمعنى حقيقي واحد، وهكذا كلمات: الظلام والإصبع واليد والأنامل وغير ذلك، وبهذا يفترق التأويل المعتزلي عن العرفاني بقلّة المجاز وكثرته، وبسعة المعنى الموضوع له اللفظ وضيقه، وبهذا تلتقي أيضاً نظريّة وضع الألفاظ لروح المعنى بشكل كبير مع نظريّة إنكار المجاز أصلاً في القرآن والتي مال إليها كثيرون، لكنّها لا تطابقها، بل هي تقرّ بأصل وجود المجاز في القرآن.
هـ يستمدّ بعض أنصار وضع اللفظ لروح المعنى فهمهم للموضوع من نظريّة التشكيك الخاصّي في الفلسفة الصدرائيّة، ويرون أنّ كلّ ظاهرة ماديّة لها وجود معنوي أرقى منها، مجرّد عن خصائصها الماديّة (الميزان ـ القلم ـ اللوح ـ العرش ـ الكرسي ـ الصراط ـ اليد و..).
و ـ يعتبر أنصار وضع اللفظ لروح المعنى أنّ المعجميّين اللغويّين لا يقومون بتعريف الكلمة في اللغة، بل يتتّبعون استعمالاتها فقط.
ز ـ تعود أقدم النصوص الكاشفة عن هذه النظريّة إلى الغزالي (505هـ) في كتابيه: جواهر القرآن وإحياء علوم الدين، ثم تبعه الفيض الكاشاني في تفسير الصافي، ثم الملاصدرا في الأسفار ومفاتيح الغيب، ثم الطباطبائي في الميزان، وطبّقها فيه كثيراً، ثم تلامذة الطباطبائي في العصر الراهن.
ح ـ يلاحظ وجود نظريّات قريبة جداً من هذه النظريّة عند علماء لا يُعرفون بالمزاج العرفاني، مثل:
أوّلاً: نظريّة السيد البروجردي في كتابيه: الحاشية على كفاية الأصول، ونهاية الأصول: اللفظ في القرآن مستعمل في المعنى الذي يحوي مراتب، لكن العقل كلّما تعالى أدرك رتبةً أعلى لهذا المعنى.
ثانياً: نظريّة السيد محسن الحكيم في كتابه: حقائق الأصول، وطرحها هناك بوصفها احتمالاً، وتبعه ـ الروحاني والفيروزآبادي ومعرفت ـ من أنّ اللفظ استعمل في الجامع الكلّي، وإنّما انصرف ذهننا لأحد أفراده، لا أنّ المنصرف إليه هو المعنى بأكمله.
5 ـ إحالة البحث في أدلّة نظريّة وضع اللفظ لروح المعنى ومناقشاتها إلى المحاضرة اللاحقة بإذن الله تعالى.
و..
# | العنوان | تاريخ الإعداد | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين | التحميل |
---|---|---|---|---|---|---|
81 | الدرس التفسيري الأسبوعي ـ سورة القارعة 003 | 2016-12-01 | 2016-12-01 | 0 | 4105 |
![]() |