تناولت المحاضرة الخامسة من تفسير سورة العاديات محورين أساسيّين:
المحور الأوّل: استكمال البحث في نظريّة الدكتور محمّد شحرور في معنى الشهيد والشاهد وتصريفاتهما في القرآن الكريم
بعد عرض نظريّته وتحليلها وصل الكلام إلى:
رابعاً: تعليقات ووقفات مع تفسير شحرور للشاهد والشهيد، وقد تمّ تقديم ست ملاحظات نقديّة:
1 ـ استخدام القرآن تعبير الشاهد والشهيد مكان بعضهما في سياقات متقاربة أو متطابقة، مثل: (إنّا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم) و (وجئنا بك على هؤلاء شهيداً).
2 ـ ماذا يُقصد من المعرفة السمعيّة والبصريّة؟ هل كلّ الموجودات تخضع للسمع والبصر، أي هي مسموعة ومبصرة، حتى يكون الله شهيداً على كلّ شيء؟ ما هو الموقف من الأمور التي لا تندرج ضمن المسموعات والمبصرات؟ وإذا كان المراد من السمع والبصر المعرفة المباشرة بالشيء بكلّ وضوح، وليس كون الشيء مسموعاً مبصراً بالمعنى المادي، فلماذا جعل شحرور معرفة الإنسان بباطن نفسه من شهادة الشاهد وليس من شهادة الشهيد؟
3 ـ استخدام القرآن مفردة (الشاهد) في مواضع يُفترض أن تستخدم فيها مفردة (الشهيد)، وفق نظريّة شحرور، وتمّ ذكر ثلاثة موارد مثل: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين)، فهل كانت معرفة الله بوقائع حكم داود وسليمان معرفة خبرة، وليست معرفة سمع وبصر؟ وكيف؟
4 ـ إنّ تعبير (شهد شاهد من أهلها) يمكن طرح سلسلة محتملات فيه، ويجب تجاوزها قبل تحويله إلى أحد الأدلّة العمدة التي استند إليها شحرور، فقد تكون الكلمة تعبيراً كنائيّاً عن إقرار أحد من طرف الخصم بأمرٍ يقع في مصلحتنا، كما حصل بالضبط في شهادة هذا الشاهد التي وقعت لمصلحة يوسف في نهاية الأمر (فلما رأى قميصه قُدّ من دبر قال إنّه من كيدكن). وتوجد احتمالات تفسيريّة أخرى في هذه الآية أيضاً تمّ التعرّض لبعضها.
5 ـ لماذا لم يذهب الدكتور شحرور ـ وهو يتتبّع بيئة كلمتي: الشهيد والشاهد في القرآن ـ نحو التفسير اللغوي الطبيعي، وهو أنّ شهيد صيغة (فعيل) للمبالغة الدالّة على قوّة المعرفة من جهة واستمرارها وسعتها من جهة أخرى، ومبرّر هذا التمييز هو أنّ أغلب استخدامات كلمة (شهيد) في القرآن، جاءت في حقّ الله (معرفة قويّة مستدامة وواسعة)، وفي حقّ الشهداء يوم القيامة (معرفة قويّة وواسعة؛ لأنّهم يشهدون على الأمم)، ألم تكن هذه البيئة أنسب لتفسير الدلالة بما لا يُخرجنا عن قواعد التفعيلة العربيّة.
6 ـ كيف يوفّق شحرور بين آية: (وإنّه على ذلك لشهيد)، المتعلّقة بشهادة الإنسان على كنوده وكفره بوصفهما أمراً نفسيّاً داخليّاً، وبين قوله بأنّ شهادة الإنسان على نفسه هي شهادة شاهد لا شهيد، مستنداً إلى آية (شاهدين على أنفسهم بالكفر)؟ فلماذا كانت شهادة الإنسان على كنوده شهادة شهيد ـ بناء على إرجاع ضمير (وإنّه) للإنسان ـ بينما شهادته على نفسه بالكفر شهادة شاهد؟ وهل يوجد فرق سمعي وبصري بين الحالتين؟ وكيف؟
المحور الثاني: استعراض نظريّة السيد محمّد باقر الصدر في (الخلافة والشهادة)
1 ـ طرح الصدر تصوّراته حول ثنائيّة الخلافة والشهادة أواخر عمره، في كتاب (الإسلام يقود الحياة) ضمن سياق عرض رؤية اجتماعيّة سياسيّة.
2 ـ الشهادة والشهداء نوعٌ من التدخّل الإلهيّ لصيانة الإنسان الخليفة بغية تحقيقة مقام الخلافة الإلهيّة على الأرض.
3 ـ يشترط في الشهداء عن السيد الصدر:
أ ـ العدالة والاستقامة السلوكيّة، انطلاقاً من قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس)، فالوسط ـ وهو الاعتدال السلوكي عند الصدر ـ سببٌ في نيل مرتبة الشهادة.
ب ـ العلم واستيعاب الرسالة الإلهيّة في الخلق، انطلاقاً من قوله تعالى: (..والربّانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء).
(استطراد خارج عرض نظريّة الصدر): تمّ عرض رؤية السيد علي بن موسى بن طاوس (664هـ) في الموقف من كعب الأحبار وعبد الله بن سلام، حيث كان له رأي مخالف للمشهور، يرى فيه أنّهما من خواصّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، منتقداً من ينتقدهما من الشيعة، وذلك في كتابه: التشريف بالمنن.
ج ـ وعي الواقع، المستبطن في مفهوم الرقابة في قوله تعالى: (فلما توفّيتني كنت أنت الرقيب عليهم).
4 ـ إنّ سبيل بلوغ مقام الشهادة عند الصدر، هو المحن والتجارب والمعاناة الاجتماعيّة، انطلاقاً من قوله تعالى: (إن يمسسكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الأيّام نداولها بين الناس وليعلم الله الذي آمنوا ويتخذ منكم شهداء).
5 ـ فـ (الشهيد الفرد): هو العالم بالرسالة الملتزم بها سلوكيّاً البصير بالواقع المجهّز نفسيّاً بالتجارب والمعاناة. و (الشهيد الأمّة) هي الأمّة التي تقيم الشريعة عبر نظام الشورى وولاية المؤمنين على بعضهم ليأمر بعضهم بعضاً بالمعروف وينهوهم عن المنكر.
6 ـ دمج السيد الصدر في أطروحته بين البعد الزمني الذي يشارك فيه الناس عبر نظام الشورى، والبعد الديني الذي يشارك فيه الشهيد الفرد العالم بالرسالة (المرجع)، وهذا ما يُنتج مجتمعاً يدمج بين الزمن والدين، وبين الشورى والشريعة ودور الفقيه الشاهد في رأي السيّد الصدر.