تناولت المحاضرة الثالثة من تفسير سورة العاديات عدّة عناوين، تركّز أكثرها حول مفهوم الشهادة والشهيد والشهداء في القرآن الكريم، ومنها:
أ ـ تحليل معنى (على ذلك) في قوله تعالى: (وإنّه على ذلك لشهيد)، وأنّه إشارة إلى كنود الإنسان، والمعنى: إنّ الإنسان لكنود، وإنّه مطلع على كنوده عارفٌ بصير بنفسه في ذلك. وأمّا إذا أخذنا بتفسير المدح لهذه الآيات كما اختاره الشهيد الصدر الثاني صار المعنى: إنّ الإنسان كنود، وإنّه ـ مع كنوده ـ شهيدٌ نال مقام الشهادة. وقد تمّ ترجيح التفسير الأوّل.
ب ـ عقد بحث في معنى الشهيد والشهادة والشهداء و.. في القرآن الكريم (استخدمت هذه الكلمة ومشتقاتها حوالي 160 مرّة في الكتاب)، وذلك ضمن محاور:
المحور الأوّل: المعنى الجذري اللغوي لـ (ش ـ هـ ـ د)
1 ـ يتضمّن المدلول اللغوي للمفردة معنى: الحضور مقابل الغياب. والحضور يستدعي الاطّلاع على الشيء الحاضر، لهذا يتضمّن المعنى أيضاً مفهوم العلم والمعرفة، ونتيجة العلم والمعرفة يظهر مدلول السلطنة والعلو والظهور على الشيء المشهود.
2 ـ ينتقل مفهوم الشهادة من التحمّل المستبطن للحضور والمعرفة والظهور، إلى الأداء (أداء الشهادة) المستبطن لنقل المعرفة التي حصلتَ عليها بالحضور إلى الغير، فيقال: فلان شهد، أي حضر وعرف بما وقع (تحمّل الشهادة)، ويقال: فلان شهد، أي أطلع غيرَه على ما عرفه هو وحضره (أداء الشهادة).
3 ـ استعراض سلسلة من الآيات القرآنيّة الدالّة على المعنى اللغوي المذكور، تارةً في جانب تحمّل الشهادة، وأخرى في جانب أداء الشهادة.
4 ـ تفسير معنى الشهادتين: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله)، بمعنى الإخبار عن معرفته، أو أداء الشهادة بما عرفه من وحدانيّة الله ورسالة محمّد.
5 ـ انطلاقاً من التفكيكات اللغويّة السابقة، تمّ تشريح معنى ثنائيّة: الغيب والشهادة، الواردة في القرآن الكريم، وأنّه مفهوم نسبي، بمعنى أنّ الثنائية بالنسبة لنا، أمّا عند الله فلا يوجد إلا الشهادة (والله على كلّ شيء شهيد).
المحور الثاني: العلاقة بين مفردة الشهادة في القرآن ومفهوم المعرفة الشهوديّة في العرفان الإسلامي
1 ـ بيان أنّ المعرفة الشهوديّة في العرفان الإسلامي مصداقٌ من مصاديق المعنى اللغوي.
2 ـ عرض تفسير بعض العلماء المعاصرين لآية: (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى)، وأنّ المراد منها معرفتهم الشهوديّة بأنفسهم، بما يؤدّي ـ وفقاً لقانون من عرف نفسه فقد عرف ربّه ـ إلى المعرفة بالله (قالوا بلى).
3 ـ مقاربة نقديّة لهذا التفسير، عبر ثلاثة إشكالات: أ ـ لغويّة. ب ـ سياقيّة. ج ـ قرآنيّة، وإثبات أنّ معنى الآية وأمثالها هو أخذ الإقرار منهم، وليس حصول المعرفة الشهوديّة لهم، وبالتالي لم يثبت وجود آية قرآنيّة استخدمت اشتقاق الشهادة ودلّت على مفهوم المعرفة الشهوديّة بخصوصه عند العرفاء.
المحور الثالث: هل توجد علاقة بين اشتقاقات الشهادة في القرآن الكريم وبين مفهوم الشهيد بمعنى المقتول في سبيل الله؟
1 ـ شرح معنى الشهيد في الاصطلاح الفقهي الإسلامي، وأنّه بمعنى خاصّ أضيق من مطلق المقتول في سبيل الله نتيجة معركة أو غيرها، وأنّ له أحكاماً فقهيّة خاصّة، تعرّضوا لها في غسل الميت وتجهيزه. وشرح معنى الشاهد في مصطلح الفقه الإسلامي في أبواب القضاء والشهادات.
2 ـ استخدام الأحاديث عن النبيّ وأهل بيته، لمفردة الشهيد أحياناً بمعنى المقتول في سبيل الله، بل تعميم المفهوم لمن يُقتل في غير الحرب، كالمقتول دون ماله أو عرضه ونحو ذلك.
3 ـ ذكر التفسيرات المحتملة لسبب تسمية المقتول في سبيل الله بالشهيد (عرض حوالي سبعة تفسيرات).
4 ـ بيان مصطلح الشهيد في الديانة اليهوديّة، وأنّه المقتول بسبب دينه ولو في غير الحروب، وبيان مصطلح الشهيد في الديانة المسيحيّة وأنّه المقتول بسبب تبشيره أو لأجل مسيحيّته (استفانوس/استفان، أوّل شهداء المسيحيّة الذين قضوا رجماً بالحجارة عام 34م).
5 ـ التشكيك في استخدام القرآن الكريم مفردة الشهيد لتكون عنواناً خاصّاً للمقتول في سبيل الله في الحرب ونحوها، نعم كلمة الشهيد أو الشهداء القرآنية (يمكن) أن تطلق وتشمل المقتولين في سبيل الله كلّهم أو بعضهم، وهذا غير كون الكلمة عنواناً لمن قُتل في سبيل الله.
6 ـ التشكيك في وجود حقيقة شرعيّة قرآنيّة لمفردة الشهيد بمعنى المقتول في سبيل الله، وإثبات أنّ الحقيقة الشرعيّة تمّ استخدامها فقط ـ في القدر المتيقّن ـ في السنّة الشريفة.
7 ـ عرض الآية 140 من سورة آل عمران، بوصفها أقوى دليل على استخدام القرآن مفردة الشهداء بمعنى المقتولين في سبيل الله، ومناقشة هذا الاستدلال وأنّه غير حاسم.
8 ـ عرض سائر الآيات، وتأجيل البحث في البقيّة، وفي سلسلة المحاور اللاحقة حول قضيّة الشهادة والشهيد والشهداء في القرآن للمحاضرة اللاحقة إن شاء الله.
و..