• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الحوارات المرئية والمسموعة الحوارات المقروءة
# العنوان تاريخ الإعداد تاريخ النشر التعليقات الزائرين التحميل
25 التقريب بين المذاهب وداخلها، مشاكل ومآزق ومقترحات 0000-00-00 2014-10-25 0 9545

التقريب بين المذاهب وداخلها، مشاكل ومآزق ومقترحات

حوار مع الشيخ حيدر حب الله

أجرى الحوار وأعدّه: الأستاذ محمود بعلبكي، ونشر في صحيفة الدار الكويتيّة، في عددها رقم 349، الصادر يوم الثلاثاء: 31 ـ 3 ـ 2009م.

التقت «الدار» سماحة الشيخ حيدر حب الله، وهو مفكّر ومؤلّف وأستاذ البحث الخارج في الحوزة العلمية في مدينة قم، وأستاذ في تاريخ أصول الفقه وفلسفة الدين وعلم الكلام، ليطلعنا على آرائه وأفكاره في آليات وتطوير الحركة الاجتهاديّة الشيعيّة وآليات العمل التقريبي للمذاهب الإسلاميّة.

س1: هل يقف النصّ، لاسيما (الروايات) عائقاً أمام تطوير الحركة الاجتهاديّة الشيعيّة؟

حبّ الله: أعتقد أنّ التراث ـ أيّ تراث ـ يمكن أن نجد فيه بعض المعوقات التي تقف أمام التقدّم، كما نجد فيه بعض العناصر التي توفّر الكثير من فرص هذا التقدّم، والتراث الإسلاميّ والشيعي لا يختلفان عن هذا القانون العام، فإذا رجعنا إلى هذا التراث وجدنا نصوصاً وأفكاراً لا يمكنها أن تنهض بنا اليوم، بل قد نجدها باعثةً على ترنّح حالنا ودوراننا حول أنفسنا. وهذا لا يعني أنّ الإسلام أو التشيع فيهما هذه المشكلة؛ لأنّ النصوص الحديثية الموجودة بين أيدينا يفترض أن تخضع للنقد والتحليل بغية تمحيصها والكشف عن مديات قوّتها، وأنا شخصيّاً لا أعتقد أنّ كلمات العلماء القدامى أو المعاصرين تتَحمّل كلّ مشكلة التخلّف الذي نعانيه، بل إنّ جزءاً من الأزمة يرجع إلى النصوص الحديثية نفسها في تراث المسلمين، والعلماء لم يكونوا في كثير من الأحيان سوى أصداء لدلالات هذه النصوص.

وقد درستُ في كتابي «نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي» إشكاليّة الحديث الموضوع في الكتب الشيعيّة، ووافقت هناك السيدَ هاشم معروف الحسني في الدعوة إلى ممارسة المزيد من نقد هذه النصوص لتصفيتها مما عرض عليها، ولهذا لا أوافق على ما يقوله العديد من الباحثين من أنّ التراث الشيعي قد خضع لتصفيتين تاريخيّتين: إحداهما في زمان الإمام الرضا، أي نهايات القرن الثاني وبدايات القرن الثالث الهجري، وثانيهما في القرنين الرابع والخامس، على يد أصحاب الكتب الأربعة الحديثيّة، ومن ثم فلسنا بحاجة بعد ذلك للقيام بممارسات نقدية للنصوص؛ وذلك أنّه بالتأكيد حصلت جهود جبّارة على هذا الصعيد، ولا أظنّ أنّ منصفاً يقدر على التنكّر لها، لكنّ جهود هؤلاء العلماء تغمّدهم الله برحمته لم تكن نهاية الجهد ولا خاتمة العمل؛ فقد كشفت عمليات النقد اللاحقة التي مارسها العلماء فيما بعد هنا وهناك داخل العلوم الإسلاميّة للنصوص الحديثيّة عن العديد من الثغرات الأخرى التي يفترض الانتباه لها؛ لهذا من الضروري ممارسة المزيد من فتح باب نقد المتن وليس فقط نقد السند؛ للكشف عن الثغرات الكامنة لتفاديها في الممارسات الاجتهادية للعلماء. وهذا ما سوف يوفّر لنا المزيد من الإضاءة على الحلول التي نرجوها لعصرنا هذا، شرط ألا نعيش استراتيجيّة البحث عن العفريت في قراءتنا لهذه النصوص الحديثية، وكأنّ هناك مشكلة فيها أو يجب أن نختلقها، فالموضوعيّة والإنصاف والتوازن عناوين ضرورية لسلامة بحثنا العلمي.

مناهج التعليم

س2: رغم المطالبات الكثيرة بتطوير الدرس الحوزوي والمناهج التعليميّة نجد أنّ المناهج لم تتغيّر ويتهمها البعض بإعاقة تطوير الفكر والفقه الشيعي، ما رأيكم؟

حبّ الله: ليس من شك في أنّ مناهج التربية والتعليم لها أكبر الأثر في تطوير الفكر والمجتمع أو إعاقتهما، لكنّ الحديث عن تطوير مناهج التربية والتعليم في المؤسّسة الدينية حديث طويل ذو شؤون وشجون. وقد كتبت فيه الكثير من الدراسات، وبرأيي الشخصي لا يفترض الاستمرار في الجدل حول هذا الموضوع، فقد صار خلف ظهرنا، كما يقال، والمطلوب الشروع بعمل ما.

إنّ شرعنة التجديد في مناهج التعليم نظريّاً لم يعد لها فائدة سوى اجترار الكلام والجدل في البديهيات، اليوم يجب على المؤمنين بهذا الموضوع أن يبدأوا بوضع برامج ميدانيّة للتطوير وينفذّوها داخل المساحات التي يملكون فيها نفوذاً ولو كانت صغيرة، سواء اعترف بهم الآخرون أم لم يعترفوا، وهذا كفيل بأن يدلّنا في المستقبل القريب على جدوى تجديد مناهج التعليم، بعد أن نقوم بصناعة جيل جديدة تخرّج على يد هذه المناهج الجديدة.

نعم، يُفترض أن لا نلهث وراء تطوير مناهج التعليم بحيث نسطّح الوعي العلمي في الحوزات الشيعيّة، فهذه المشكلة رأيناها في مواقع كثيرة، ومنتقدو تطوير المناهج محقّون في هذه النقطة على بعض المستويات، حيث يؤخذ على بعض مشاريع التطوير أنّها قدّمت برامج تعليمية سطحيّة لا تملك عمقاً، ونحن نخشى أن يؤدّي هذا الوضع إلى ظهور جيل سطحي في الدراسات الدينية، فالأجدى بدعاة تطوير مناهج التعليم أن يدرسوا تجربتهم بدل تضييع الوقت في الجدل حول شرعيّة التطوير نفسه.

تشدّد

س3: نلاحظ أنّ هناك تشدّداً في الرأي داخل الحوزات تجاه ما يتناقض مع التراث الشيعي، فتارةً يهاجَم المفكّر د. علي شريعتي، وتارةً تصدر فتاوى بحقّ السيد محمد حسين فضل الله، على خلفية آرائهم، فما هو الحلّ برأيكم لتقريب وجهات النظر دون الدخول في الإساءة لأصحاب الرأي والبحث؟

حبّ الله: في كلّ التيارات الشيعيّة هناك أشخاص معتدلون، وأقصد بالاعتدال مفهوماً بسيطاً، وهو استعداده للاستماع للآخر. وهناك أشخاص لديهم طريقتهم في التعامل مع الآخرين. وأنا دعوت في أكثر من مناسبة المعتدلين في كلّ التيارات الشيعيّة الموجودين في وسطنا أن يلتقوا ليشكّلوا ورقة ضغط كبيرة على كلّ من هو متطرّف في كلّ التيارات، تسمح لهم بالاختلاف مع بعضهم البعض ضمن قنوات منطقية ومعقولة، وليضغطوا على المتشدّدين في تياراتهم ليحدّوا من نفوذهم المؤدّي إلى تشنّج العلاقات الداخليّة بين الشيعة.

فهناك متناقضات تتحد، وبالأحرى أن نلتئم ونتواصل، وقد رأينا في العشرين سنة الماضية ماذا فعلت التشرذمات بنا! فلماذا الإصرار على المزيد من التشرذم؟! فليترك لكلّ إنسان أن يقول رأيه وأن يصوّر التشيّع كما يريد، ومن حقّ الآخرين أن ينتقدوه ضمن المعايير العلميّة والأخلاقية.

ومجدَّداً من منبركم الكريم أدعو إلى أن نفكّر بمؤتمر الاعتدال الشيعي، ونحن نعرف أنّه لا يوجد حلّ للخلافات، وإنما هناك إدارة حسنة لهذه الخلافات تستطيع أن تقرّب من وجهات نظر بعضنا بعضاً.

صمت المراجع

س4: هناك شكّ مريب في صمت المراجع إزاء هذه الخلافات التي تُبَثُّ على الانترنت، فعلى من تلقي المسؤوليّة لإصلاح هذا الوضع، حتى نتدارك هذه المساوئ، ولا نورّثها لأجيالنا القادمة؟

حبّ الله: بمناسبة الحديث عما يكتب على الأنترنت، أحياناً ندخل إلى بعض المواقع الدينية ونصاب بالخجل، ويسأل المتصفّح نفسه: هل أنا في موقع ديني أم موقع للكلام الفاحش والهابط، إنّه أمرٌ مؤسفٌ للغاية.

أمّا فيما يتعلّق بهذه الانقسامات المرجعيّة فقد آن الأوان ـ بعد أربعين عاماً من تجربة الانقسام المرجعي ـ أن يحترم كلّ منّا خيارات الآخر فيما يتعلّق بمرجعيّته.

إنّ هذه المرجعيّات لا تختلف مع بعضها إلى حدّ الاختلاف بين الإسلام والكفر، وأظنّ أنّه بالإمكان أن نسعى إلى حثّ مرجعيّاتنا إلى التلاقي فيما بينها، فهذا الهجران غير مقبول.. ففي إيران أذكُر أنّ السيد الخامنئي حفظه الله كان يزور بعض المراجع ويلتقي بهم، ولكنّهم ما كانوا يلتقون به، وإذا جاء إلى قم كان بعض المراجع يقصد أن لا يتواجد في قم ويتعمّد الخروج من المدينة!! فلماذا هذا الفصام ما بين المرجعيّات الدينية؟!

نحن نوجّه دعوة عامّة من الشيعة مخلصة وصادقة من قلوبنا إلى مراجعنا الكرام، فهم شرفنا وواجهة هذه الطائفة وعزّتنا وفخرنا، ونحن نعتزّ بهم.. دعوتنا هي أن نراهم في صورةٍ فوتوغرافية واحدة مجتمعين! ونرى هذا اليوم بعد تلك الصورة الفوتوغرافيّة اليتيمة نسبيّاً لأربعة من المراجع الكرام رحمهم الله جميعاً، فلماذا هذا التباعد؟ وهل هناك أشخاص يساهمون في هذه القطيعة؟ وأنا أنزّه المراجع عن ذلك.

س5: هل هناك أشخاص يزرعون هذه القطيعة؟

حبّ الله: يا حبّذا ـ أنا بوصفي مكلّفاً صغيراً ـ لو أقوم بمساعدة مرجعي على أن يكون لديه حالة من التواصل مع المرجع الآخر؛ لننسى هذا الاحتقان الموجود في طائفتنا.

نفاق وحدوي

س6: هل ترون أنّ مجتمعاتنا الإسلاميّة تعيش حالة النفاق الوحدوي من ناحية تطبيق مبدأ الوحدة الإسلامية منذ الثمانينات وحتى الآن؟

حبّ الله: لقد مرّت نظرية الوحدة الإسلامية بمراحل متعدّدة، وتوجد رؤى تتحدّث عن إسلام بلا مذاهب، وفي تقديري فإنّ هذه الرؤى غير واقعيّة؛ لأنّ انقسام المسلمين إلى تيارات ومذاهب أمرٌ واقع ناشئ عن اختلاف المسلمين في التعامل مع النصوص الدينيّة، والحديث عن اختزال كلّ هذه الخلافات واعتبار أنّها غير واقعية ولا وجود لها غير صحي.

نعم، الإسلام لم يتحدّث عن مذاهب، لكنّ طبيعة قراءة البشر للنصوص الدينية من الطبيعي أن تتولّد منها مذاهب، فقراءة النصّ بحالتها البشرية متعدّدة، وهذا التعدّد سيفرز ولادة مذاهب ورؤى مختلفة.

إنّنا نلاحظ أنّ اتجاه الوحدة الإسلامية اتجاهٌ محض بروتوكولي شكلي وظاهري، وقد لمسناه عند العديد ممّن اشتغلوا على موضوع الوحدة الإسلامية، ومع الأسف الشديد نجد أنّ هؤلاء يعتبرون أنّ الوحدة الإسلاميّة مجرّد شعار يمكن توظيفه في إطار الصالونات الدبلوماسيّة، أو يمكن توظيفه في إطار لقاءات شكليّة بين رجال الدين، تستطيع أن تكون لها انعكاسات إيجابيّة على الشارع المسلم، عبر رؤية العمائم المسلمة بمذاهبها المختلفة ملتقيةً مع بعضها.

إنّ المشكلة في التوظيف الشعاري لنظريّة الوحدة الإسلاميّة، فقد ولّدت حالةً من الازدواجّية في الثقافة الإسلاميّة، فصرنا نشهد أبناء هذا المذهب أو بعض رموزه في الجلسات الخاصّة لا يمتّون إلى الوحدة بصلة، وربما هم أعداء مشروع الوحدة، فيما هم في الجلسات العامّة وحدويّون تقريبيّون. إنّ هذه الازدواجيّة لا تنبع من ثقافة دينية؛ لأنّ الدين لا يؤمن بالمنطق الازدواجي بهذه الطريقة، خصوصاً وأنّه قد يدخل ضمن شكل من أشكال النفاق ـ والعياذ بالله ـ وربما لا يقصدون ان يكونوا كذلك، ولكنّ طبيعة القناعات غير الراسخة لموضوع الوحدة الإسلاميّة أدّت إلى أن تكون الوحدة بهذا الشكل عند بعضهم.

إنّ أفضل رؤية للوحدة هي تلك التي تعتقد بأنّ الوحدة أصلٌ من أصول الإسلام، ليس أصلاً عقائدياً لكنّه أصلٌ أوّلي من أصول العلاقات بين المسلمين، أصل أوّلي حقيقيّ، وينطلق من إطار النصوص القرآنيّة «إنّما المؤمنون إخوة»، وينطلق من قوله تعالى: «محمّد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفار رحماء بينهم»، فنجد أنّ المبدأ هو الرحمة بين المسلمين، إذا أخذنا كلمة المؤمن الواردة في القرآن على أنّها تعني كّل من آمن وأسلم، فحينئذ سيتكرّس عندنا أنّ الأصل في العلاقة بين المسلمين هو الأخوّة.

ولو راجعنا القرآن الكريم بأكمله فلن نجد حالةً يظهر فيها الاختلاف السلبي إلا فيما يسمّى بالبغي، فحينما يتمّ الاعتداء من جماعة على جماعة أخرى، فمن حقّ الأولى أن تدافع عن نفسها، أمّا فيما يتعلّق بسائر أشكال الاختلاف الفكري، فلا يحقّ لأيّ جماعة أن تعتدي على الأخرى، وهذه الرؤية التي طرحت في مشروع الوحدة الاسلامية لاسيما منذ بداية الثمانينات إلى الآن تحاول أن ترسّخ لمفهوم الوحدة على أنّه أصل أوّلي في علاقات المسلمين، وليس أصلاً ثانوياً، فلا نتوحّد لأنّ (إسرائيل) وأميركا موجودتان فقط، وإذا زال الخطر الإسرائيلي فعلينا أن نعود للاختلاف!!

س7: كيف تقاربون مشروع الوحدة الإسلاميّة من خلال مفهومي الوحدة والتقريب بلحاظ الالتباس الذي يثيره الأوّل، ومحدودية سقف الثاني، بالمعنى التاريخي أو لجهة الوظيفة التاريخية؟ وكيف تقيمون آليات العمل التقريبي على ضوء الاهتزازات المذهبية الخطيرة التي عشناها في الآونة الآخيرة؟

حبّ الله: أيّ مفهوم نأخذه في الإضاءة على الموضوع سيحمل معه ملابسات، وكنت سابقاً أرى أنّ مفهوم التكامل والتعاون أفضل من مفهومي: التقريب والوحدة، لكن حتى هذين المفهومين لا يمكن أن يولدا في مناخ يرى أنّني لست بحاجة إلى معونة الآخر، إذاً أكثر المصطلحات إما بحاجة إلى ممارسة تعدّدية فكريّة مسبقة، وهو أمر نفتقده في واقعنا الثقافي ومن ثم يرفض المصطلح، أو أنها تصطدم بمحاذير لا نريدها نحن، مثل محذور الوحدة بمفهومه المسلبي الذي يفضي إلى إلغاء التعدّدية الإيجابية في الأمّة.

من هنا، قد أفضّل استخدام أحد مصطلحين:

المصطلح الأوّل: المصلحة المشتركة؛ لأنّ هذا المصطلح يدعم الذاتية والخصوصيّة في الوقت نفسه الذي يدعم الآخر ويقرّبني منه، لكنّ مشكلة هذا المصطلح من ناحيتين:

ناحية نفسية إيمانية؛ ذلك أنّ مفهوم المصلحة حينما نريده أن يحكم علاقتنا فهو يتسم بشيء من الأنانية والذاتية، ومن ثم ففي اللحظة التي لا تغدو فيها مصلحتي قائمةً بالمشاركة معك سوف أعود للانقسام مرّة ثانية.

وناحية دينية، فإنّ هذا المصطلح لا يتآلف مع المبادئ القرآنية بحسب فهمنا لها في علاقة المسلمين ببعضهم، فهذه المبادئ لا تعطي أيّ إشارة إلى أنّ علاقة المسلمين تحكمها ـ بالدرجة الأولى ـ مصالح مشتركة، ولو كان هذا هو المبدأ لوجدنا إشارة له في القرآن، بينما لم نجد ذلك.

المصطلح الثاني: الأخوّة الدينية، فهذا المصطلح تتوافر فيه سمات عديدة، منها أنّه مصطلح قرآني، ومنها أنّ السبيل الوحيد للخروج منه ليس سوى تكفير الآخر، فإذا لم أتمكّن من تكفيره، فأنا محكوم بمبدأ الأخوّة هذا، مما يضيّق فرص التفلّت منه، ومنها أنه لا يلزمني بالتنازل عن معتقد أو بالذوبان في الآخر، أو بإحساس النقص في الذات، أو أيّ من هذه اللوازم السلبيّة.

ولعلّ أفضل المصطلحات هو مصطلح الأخوّة الدينية أو الإيمانية، فالمؤسّسات التقريبية تغدو حينئذٍ مؤسّسات تآخٍ بين المسلمين، تريد منهم أن يعيدوا في أنفسهم إحساس الأسرة الواحدة، حتى لو اختلف أبناؤها فيما بينهم.

أما عن الشقّ الثاني من السؤال، فأظنّ أنّ إحدى المشكلات الأساسيّة ـ رغم الجهود الجبّارة ـ تكمن في عدم قدرة التقريبيّين على الإمساك بزمام الطوائف التي يعيشون وسطها، فما زالوا يعانون من غربة في مناخهم الطائفي؛ لهذا لا سبيل أمامهم سوى مضاعفة نفوذهم داخل جماعاتهم، بمضاعفة مشاريع رفع مستوى الوعي العام في الأمّة؛ لتقدر الأمّة على ممارسة الاختيار الأفضل في قضاياها الدينيّة.

صورة نمطيّة

س8: صورة الآخر في التراث الفقهي والكلامي والرجالي وفي الذاكرة التاريخيّة صورةٌ نمطيّة في سلبيّتها وقتامتها، كيف يمكن للحوار السنّي / الشيعي أن يكون منتجاً دونما خلخلة أو تحوير في أبعاد هذه الصورة أو تلك (صورة الشيعي لدى السني والعكس) أو بالأحرى دون تغيير في آليات النظر إلى الآخر؟

حبّ الله: لا يمكن إحداث أيّ زحزحة قبل تغيير صورة الآخر، فما دامت هذه الصورة مشوّهة، إذاً فهي ستشوّه كلّ العلاقة التي تقوم، وليست قضيّة التكفير سوى شكلاً من أشكال سوء قراءة الآخر، وليس المهم في قراءة الآخر الرجوع إلى مصادره فقط، وإنما إيجاد مناخ تعدّدي يسمح بتعدّد الاجتهاد في القضايا الكلاميّة والأصوليّة، وليس فقط في القضايا الفقهيّة، إضافة إلى إرفاق هذا التسويغ للاجتهاد بضمانات تسمح بالعمل على وفقه، سواء كانت ضمانات تعذير أخرويّة أم ضمانات تعايش دنيوي مع هذا الاجتهاد الآخر، وما لم نصل إلى هذه المرحلة فلا أعتقد أنّه من السهل العبور نحو علاقات متوازنة بين المسلمين.

المشكلة هي أنّ ما يحكمنا هو ثقافة التطفيف التي ندّد بها القرآن الكريم، فهذه الثقافة ـ عندما نجرّدها عن مثاليّة المكيل والموزون التي جاءت في كتاب الله ـ تعني أنّ المطفّف يرى أنّ ما عنده وما له يجب أن يحصل عليه بكامله، فهو يعظّم ما عنده ويراه أثمن مما عند غيره، فيما يقلّل حقّ الغير، ولا يوفيه ما يستحقّ ولا يتعامل مع حقوق الآخرين وما عندهم من أفكار وأعمال إلا بمنطق الإنقاص والسخرية والاستهزاء والتقزيم. هذه هي المشكلة عندما يكون المذهبيّون مطفّفين في وزنهم لما عندهم وما عند غيرهم، فيغدو الكيل بمكيالين هو الثقافة المهيمنة، فهذه الفتوى عند الطرف الآخر مضحكة مخزية، أما لو وجدت نماذج لها عندي فهي مبرّرة ومنطقيّة، وهذا الاجتهاد عندما يكون عند الآخر فهو سطحي ومنحرف، لكنه عندما أجد له نماذج عندي فهو عميق ودقيق وهكذا.

الخلافات السياسية

س9: في الخلاف السياسي غالباً ما نعجز عن تدبير خلافاتنا بصورة حواريّة، فنميل إلى الإلغاء والإقصاء ومصادرة حقّ الطرف الآخر في الوجود، وفي الحقّ الديني والمذهبي تلعب التمثلات التاريخية دورها في إفساح المجال أمام التعصّب ولغة التكفير كوصفة جاهزة.. هل ثمّة ناظم معرفي ثقافي بنيوي يسمح بفهم هذه الظاهرة؟

حبّ الله: لا ينبغي اللهث لحلّ أزمة العلاقة بين المسلمين وراء وصفات من داخل المنظومة الدينية فحسب، أعني من التراث نفسه، وهي قضيّة أظنّ أنها بالغة الخطورة، فالحلّ يكون بالدرجة الأولى من النظام المعرفي الذي نقرأ فيه الدين، وليس فقط في القضايا الدينية المبثوثة في الكتاب والسنّة؛ لأنّ النُظُمَ المعرفيّة الدوغمائية قادرة ـ بكلّ يُسر وسهولة ـ على إفراغ النصوص الدينيّة التقريبية من مضمونها، بفعل جملة عناصر تاريخية ونصيّة أيضاً، فما لم نجد مناخاً معرفيّاً تعدّدياً يؤمن بالتعدّدية بوصفها فكرةً فلسفيّة وليست رؤية اجتماعية فحسب، أستبعد أن نجد في المنظور القريب حلاً للمعضل القائم.

فالمشكلة من العقل الذي يقرأ الدين وليس من النصوص الدينية، مع الاحتفاظ بدور بعض النصوص الدينية في تمزيق المسلمين، عنيت بعض النصوص الموجودة في الأحاديث المبثوثة بين المسلمين.

يضاف إلى ذلك، ضرورة العمل على وضع حلول لأزمة الهويّة التي تعيشها الأمّة المسلمة اليوم، فعندما يعيش المسلم أزمة هويّة وخوف على الوجود، بفعل المدّ الحضاري و.. القادم من غرب الأرض، فلن نجد شيئاً يضبط إيقاع الخوف والقلق على هذه الهوية، وهي ظاهرة ستتجلّى في المزيد من التقوقع داخل كلّ خصوصيّات الهوية، سواء على الصعيد المذهبي أم القومي أم الوطني، وهو ما سيفعل فعله في خلق (كانتونات) منفصلة أو جزر غير متصلة بين المسلمين؛ لأنّ كلّ واحد يرى الآخر مصدر قلقٍ على هويته ما دام يعيش في لحظته الحضاريّة أزمةَ هويّة.

هناك مأخذ على مشروع التقريب، وهو انبناؤه على السياسي فيما يفرضه التحدّي الخارجي من وحدة الصف، وبالنتيجة تلبّسه بالبُعد المصلحي والظرفي مع كون السياسي متغيّرً.. فهل فعلاً يعيش مشروع الوحدة هذا الارتهان، وتغيب عنه أو على الأقل تضمر فيه المراهنات الأخرى فقهيّةً اجتهادية أو معرفيّة تأسيسية بشكل عام؟!

لقد ألمحت في دراسة سابقة لي، إلى أنّ الرهان على السياسي في قضيّة التقريب كان من أكبر الأخطاء التي حصلت، لا يمكنك أن تبني مشروعاً تهدف منه إلى إعادة الأوضاع الطبيعية بين المسلمين، على أساس الخطر الخارجي فحسب، وإن كان هذا الأساس فعالاً؛ لأنّك بذلك تكون قد ربطت الثابت بالمتحوّل، والنتيجة تتبع هذا المتحوّل، وهذا ما حصل بالفعل في الفترة الأخيرة؛ من هنا فالمفترض الانطلاق من التقريب المعرفي والعلمي والاجتماعي ليكون القرار السياسي خادماً لهذين التقريبين، لا أساساً لهما، وهو ما سينتج تحوّلاً جذرياً في مسيرة التقريب والتآخي؛ وحتى لو تغاضينا عن هذا الأمر، فهناك فرق بين أن يكون الواقع السياسي دافعاً لمشروع التقريب وبين أن يكون المشروع ذا صبغة سياسية وأهداف سياسية بحتة.

أهداف

س10: على ضوء المنجز الذي حقّقته جهود التقريبيين والذي يُختلف في تقييمه، ما هي في تقديركم الأهداف المرحليّة الملحّة التي ينبغي العمل عليها، وذلك على خلفيّة بعض الثغرات التي كشفت عنها الأجواء المذهبيّة الخطيرة التي سادت في أكثر من منطقة؟

حبّ الله: يفترض العمل بشكل جاد على دراسة ظاهرة التكفير دراسة غير دينية هذه المرّة، إضافة إلى الدراسة الدينية، أي دراسة تنبع من علم النفس والاجتماع والتاريخ والسياسة والاقتصاد، لنقرأ الأوضاع التي أدّت إلى تفشي هذه الظاهرة بشكل كبير في الفترة الأخيرة، والبقاء على التفسير الديني أو المنطلق الديني لظاهرة التكفير فيه نوع من التسطيح وذرّ الرماد في العيون، فمثل هذه الظواهر لا تنبع من الدين فقط، وإنما من الظروف التي ألجأت إلى توظيف الدين في ذلك.

كما يفترض القيام بجهود حثيثة من جانب أصحاب الشأن والنفوذ تعبّر عن مبادرات سياسيّة لحلّ بعض المشكلات السياسية العالقة في المنطقة، والتي نعرف جميعاً أنها ساهمت بشكل كبير في رفع وتيرة الخطاب الطائفي، ومطالبة السياسيّين بالتوقّف عن توظيف الخطاب الطائفي.

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 36562524       عدد زيارات اليوم : 8416