• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
العلوم الشرعية (الفقه وأصوله) الفلسفة والكلام علوم القرآن والحديث فكر وثقافة
# العنوان تاريخ الإعداد تاريخ النشر التعليقات الزائرين التحميل
1 علم الكلام عند العلامة الطباطبائي قـــراءة في جـــدل العــقل والنــــص 2011-09-29 2014-05-12 2 21550

علم الكلام عند العلامة الطباطبائي قـــراءة في جـــدل العــقل والنــــص

حيدر حب الله
تمهيد:
إن قراءة علم الكلام لدى شخصية كبيرة كشخصية العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي “قده” (م1981م) تستدعي استحضار الجوانب المكوّنة للشخصية الفكرية، فالعلامة الطباطبائي لا يمكن قراءته كلامياً دون قراءته فلسفياً أو قرآنياً، ذلك ـ وكما سنلاحظ ـ فإن الشخصية الفلسفية والعرفانية للعلامة الطباطبائي تركت آثاراً بالغة على تفكيره الكلامي، وهكذا الحال في شخصيته القرآنية.

ويعد العلامة الطباطبائي نقطة تحوّلٍ كبيرة في الفكر الشيعي عموماً سواء في ذلك الناحيتين النظرية والعملية، فأهم المدارس الفلسفية والتفسيرية المعاصرة ينتمي أغلبها أو يؤول إلى العلامة الطباطبائي، ففي الفترة التي كانت العلوم القرآنية تصنف فيها كنقطة ضعفٍ في الشخصية العلمية تغلباً لتيار الفقه والاصول على بقية تيارات المعرفة الدينية الاسلامية كما تحكيه القصّة التي ينقلها الشهيد مرتضى مطهري عن السيد أبو القاسم الخوئي في تدريس الاخير لتفسير القرآن الكريم في النجف الأشرف([1])… في تلك الفترة كان العلامة الطباطبائي يؤسّس لمدرسة هامّة في العلوم القرآنية لا سيما التفسير منها، وقد خرّجت هذه المدرسة بعض أهم المشتغلين المعاصرين بالعلوم القرآنية ومن أبرزهم الشيخ عبدالله الجوادي الآملي صاحب تفسير “تسنيم”، وفي الوقت الذي كان هناك موقف متحفظ ازاء علم الفلسفة سيما بعض موضوعاته ـ بالرغم من التأثر العام بالمنهج التعقّلي في جسمي الفقه والأصول ـ كان العلامة الطباطبائي يدخل مخاضاً عسيراً لاعادة انتاج العلوم العقلية في الاوساط الفكرية الدينية، وذلك تحت ضغطٍ شديدٍ نسبياً من جانب الاوساط الفقهية آنذاك، وقد خرّجت مدرسته العقلية بعض أهم المفكرين المعاصرين ومن أبرزهم الشهيد مرتضى مطهري والشيخين الجوادي الآملي والمصباح اليزدي وكثيرون آخرون أيضاً.

كما كان العلامة الطباطبائي واحداً من أبرز الشخصيات العرفانية التي عرفت بين العرفاء والمشتغلين بهذا العلم والسير، كما تشير إليه العديد من الكلمات والدراسات([2]).

وهكذا نجد ان العلامة بالرغم من كونه متكلماً ضليعاً غير أن شخصيته الاساسية لابد من التفتيش عنها في منهجه الفلسفي والتفسيري دون ان تغيب عن الباحث الجوانب العرفانية المميزة عنده.

وسوف تحاول هذه المقالة قراءة معلم من معالم المنهج في التفكير الكلامي عند العلامة الطباطبائي، الا وهو جدليّة العقل والنص، وهي جدلية قديمة حديثة اكتسبت تمظهرات متنوّعة في الفكر الاسلامي بل والديني عموماً.

وستحاول هذه الوريقات رصد الاتجاه العقلي عند العلامة، ومن ثم تحديد موقفه من مقولات تصبّ في الإطار النصّي التاريخي كمقولات الاجماع والحديث وحجية الاخبار في علم الكلام و..

يمثل النص اكبر اشكالية أما الفيلسوف، وتحديد دور هذا النص ومدى صلاحياته واحدٌ من أهم المشكلات العالقة ـ لا أقل ميدانياً ـ في الفكر الديني عامةً تقريباً.

المتكلّم القديم كان يسعى في جهوده دائماً إلى استرضاء النص، وهو ما تكشف عنه بعض التعاريف التي وضعت قديماً ـ وحديثاً أيضاً ـ لعلم الكلام، حيث أدخلت في هذه التعاريف مجموعةٌ من القيود التي تشير إلى هذا الاسترضاء الكلامي للنص الديني من قبيل موافقة الشريعة([3])، وإثبات العقائد الدينية ورد الشبهات عنها([4])، أو رد عقائد المبتدعين المنحرفين عن منهج السلف واهل السنة([5])، أو العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية([6])، أو هو العلم بذات الباري وصفاته وأفعاله وأحواله وبالممكنات على قانون الاسلام([7])، أو هو علمٍ يبحث عن الموجود من حيث هو موجود على أساس قواعد الاسلام([8]) أو هو صناعة يمكن معها المحافظة على اوضاع الشريعة([9])، أو أنه علمٌ الغرض منه تبيين العقائد الدينية وإثباتها والدفاع عن حريم الشريعة برد الشبهات عنها([10])…

وهذه القيود هدف منها علم الكلام التمايز عن الفلسفة التي لم تكن لتأخذ بعين الاعتبار في منهجها النص والمصدر الديني، وهذا ما جعل علم الكلام ـ عملياً ـ علماً دفاعياً جدلياً ولم تصل به التطورات في تلك المرحلة إلى مستوى البرهانية التي تمتعت بها الفلسفة إلى حد معين، وإن كان هناك من يناقش في برهانية المقالة الفلسفية وتمايزها عن علم الكلام بهذه السمة([11]).

لكن القضية اختلفت بعد ذلك من لدن نصير الدين الطوسي وفخر الدين الرازي إلى زمن صدر المتألهين الشيرازي ومن حوله، فاخذ التمازج يبدو بين المنهج الفلسفي والمنهج الكلامي بشكل واضح على أثر تداعيات ليست مجال بحثنا هنا.

لكن تنامي العلوم النقلية كالفقه والاخبار و… في الساحة الاسلامية في القرون الأخيرة (وهو ما عبرت عنه على الصعيد الشيعي الحركة الاخبارية في أعلى نماذجه، والحركة الوهابية على الصعيد السني) اعاد استحضار النص بقوّة شديدة حتى لدى التيارات التعقلية في العلوم النقلية، أي تيار علم اصول الفقه في مرحلته المتأخرة، وهذا ما كان طبيعياً إلى حد بعيد، ذلك أن الفقيه أو المحدّث أو المؤرّخ… يدور من الناحية العملية في فلك النص وملحقاته، ويرى ان نقطة التمركز التي تتحرّك من حولها كل انشطته المعرفية هي النص نفسه، سيما وأن عالم التشريع ـ خصوصاً على صعيد الفكر الشيعي ـ لا يتحمل تدخّلات بشرية، ومن هنا فهو عالَم محكوم لأطر النصوص ومفاهيمها.

وقد أثّر ـ في تقدير الكاتب ـ التطوّر النقلي في الفكر الديني في القرون الأخيرة على نشاط المتكلّم، سيما اذا اخذنا بعين الاعتبار المقولة التي تؤكّد على ضمور علم الكلام في هذه المرحلة([12])، وذلك بسبب تلبس أكثرية المتكلمين اللباس النقلي بحسب طبيعة الاهتمامات، فالشيخ كاشف الغطاء بالرغم من النزعة العقلية الواضحة عنده والتي ابرزها في القسم العقائدي من كتابه “كشف الغطاء”، بل وابرزها في تجربته الفقهية سيما في هذا الكتاب بالخصوص الذي اتسم بنمط ترتيب وتقسيم عقلي ارسطي واضح تعود طبيعة انساقه وتعابيره إلى مراحل الكلام والفلسفة القديمة… الشيخ جعفر الجناحي المعروف بالشيخ كاشف الغطاء والذي يعد من أهم متكلمي تلك الحقبة كان فقيهاً من الدرجة الاولى، وكانت شخصيته الفقهية والمرجعوية حاكمةً ولو متأثرةً بالمنهج العقلي، وهكذا الحال مع الفيض الكاشاني في كتبه الكلامية كعلم اليقين وقرّة العيون وغيرها، فقد كان الكاشاني اخبارياً متميزاً ـ لا أقل في أواخر حياته ـ وان اتهم بانتهاج مسلك صوفي عرفاني، وقد تجلت اخبارية الكاشاني في كتابيه “الوافي” الذي جمع فيه الكتب الاربعة عاملاً على شرحها وتبيينها، و”تفسير الصافي” الذي يصنف كواحد من اهم نماذج التفسير الروائي عند الشيعة، الى غيرهم من العلماء الكبار في هذه المرحلة، سيما وان قسماً كبيراً من متكلمي الشيعة ما بعد القرن التاسع الهجري كان من علماء المذهب الاخباري المعروف بموقفه إزاء العقل والنص ودورهما.

وعلى خط آخر ثمة عنصر ثاني لعب دوراً على صعيد مرجعية النص في علم الكلام في هذه المرحلة قام به المحدّثون الجدد، الا وهو إعادة ترتيب وجمع وتنظيم النصوص الكلامية الدينية في مجاميع وموسوعات عديدة، فكتاب “إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات” للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي مثّل نموذجاً هاماً على هذا الصعيد، وهذه الكتب والمجاميع أعادت احضار النص في علم الكلام إعادة قوية، وصار المتكلم غير قادرٍ على تجاهلها في بحثه سيما وانها صارت اسهل استحضاراً وجمعها أقل مؤونة.

هذان العاملان وعوامل اخرى أديا الى المزيد من حضور النص وتكريس مرجعيته في علم الكلام، لكن هذا الوضع العام لم يستطع ان يخترق نظرياً المبدأ المعرفي في علم الكلام والقاضي بضرورة تحصيل اليقين في الامور الاعتقادية وعدم الاكتفاء فيها بالظن، فقد حافظ المنظّرون الشيعة ـ وهذه المرّة أصوليوهم ـ على الحد من نشاط النص الظني سواء كانت ظنيته من ناحية سنده وجهة صدوره او من ناحية دلالته وقوّة تعبيره، ولهذا بقيت هذه المعادلة قائمةً؛ أي معادلة الاعتقادي واليقيني، والتغيير الذي حصل برز على صعيد بعض الخروقات الجزئية في دوائر كلامية فرعية أو فيما يطلب فيه محض عقد القلب لا تحصيل المعرفة، لكن الاشكالية الأبرز كانت أن رسوخ قلعة اليقين في عالم الاعتقاد وثبات المفكّرين على ضرورة اليقين في هذا العالم وتأكيدهم على هذا المائز بينه وبين عالم الفقه والقانون.. كل ذلك لم يؤثر كثيراً من الناحية العملية ـ في تقدير الكاتب ـ ذلك ان طبيعة الخلافات العقائدية لا تفسح مجالاً لظن، فالخلاف العقائدي خلافٌ حادٌّ لا يتقبل أطرافه باب الظن فيه، وهذا معناه انهم سيصلون دائماً أو غالباً حداً الى نتائج حاسمة، وعندما تقع المسألة العقائدية موقع التفكير المذهبي (الجدالي) فإن درجة سرعة يقين المتكلم ستكون اكبر، وبالتالي سيحصل على قطع جازم ولو من نصوص لو حصلت في الفقه لمنحته ظناً ولو قوياً نسبياً، وهذا بالضبط ما نلاحظه عملياً، فدرجة التدقيق والتحفظ والتماسك الموجودة في الفقه أكبر منها في علم الكلام، وهذا موضوع طويل نكتفي له بهذه الاشارة لتأكيد ان كلمة النصوص الظنية في عالم العقائد كلمة ذات عنوان كبير لكن واقعها لدى كل متكلّم محدود الدائرة.

هذا الجو العام الذي لم يلغ وجود تيارات تعقلية في الجسم الديني الثقافي والفكري كرّس النَص اساساً هاماً للنشاط الكلامي، لكن هذا التكريس لم يكن كاملاً ونهائياً، والذي حصل هو أن النص شكل مرجعية مستقلة في بعض المحاور الكلامية كالكثير من محاور الامامة والمعاد، لكنه في محاور اخرى ظل مجرد رقيب للعملية العقلية بحيث كانت الانشطة العقلية الكلامية مطالبةً ـ اذا ما عارضت النص ـ ان تجد تبريراً وتفسيراً يحلّ هذه المعارضة.

والخلل الذي كان يحدث احياناً هو ان هذا النمط من العلاقة مع النص قدّم من مرتبته المعرفية، فصار المتكلم يلحظ النص عندما يبحث عقلياً حتى لو لم يعط هذا النص مرجعية الحكم الوحيدة، وهذا معناه ان اشكاليةً برزت على صعيد القراءة الكلامية وتمثلت هذه الاشكالية (وهنا نقطة التحوّل عند الطباطبائي بالذات) في نوعٍ من التصاحب والمرافقة ما بين النص والعقل في النشاط الكلامي، فبدل أن يبحث المتكلم القضية عقلياً ثم يحاول استرضاء النص على ابعد تقدير، اخذ النص يحضر لحظة بدء النشاط العقلي مما ادى الى حصول تشوشات منهجية واضحة.

وأبرز نماذج هذا التشوّش كان بعض شلٍّ للحركة التعقلية في علم الكلام وانتاج نمط من الغائية البحثية في هذا العلم، بمعنى ان المتكلم لم يعد حرّاً طليقاً في بحثه كما هو المفترض مع تجربة ابن رشد وصدر المتألهين التي قالت انها جمعت بين الحقيقة والشريعة والطريقة، بل صار اثناء بحثه قلقاً من النص بحيث صار يفكر بطريقة لا تجعله يتصادم معه في نهاية المطاف، فبدل ان يقوم المتكلم بانتاج عقلي لكلامياته ثم يؤسّس وينظّر لحل اشكاليات العلاقة بين كلامياته وكلاميات النص الديني عاد خطوة الى الوراء اسهل له نفسياً وهي انتاج كلامياته بحضور النص نفسه، وهو ما أدى ـ في تقدير الكاتب ـ الى شلّ النشاط العقلي بعض الشيء على مستوى بعض الموضوعات الكلامية، واعاد وضعيات علم الكلام الى ما قبل تنظير ابن رشد والملا صدرا (وان كنا لا نوافق ميدانياً على أن علم الكلام قد دخل مرحلة البرهانية حتى يعود الى جداليته مرة جديدة، لكننا نسلط الضوء على المرحلة الأخيرة لنكون أقرب إلى محيط العلامة الطباطبائي).

العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (قده) ضرب على هذا الوتر الحساس في قراءته لعلم الكلام بل وغيره، انطلاقاً من البرهانية التي اكسبته إياها الفلسفة سيما المتعالية، فقد اعتبر السيد الطباطبائي أن ثمة خلل منهجي في التعاطي مع النصوص العقلية، وهذا الخلل يكمن في أن حجية النص وقيمته متفرّعة على العقل، وبالتالي فلا معنى لأن تكون النصوص حاكمة على العقل ونشاطه، ومن هنا اعتبر الطباطبائي ان تقييد البحث الكلامي بموافقة الشرع تسبّب في منع البحث الحر وطريقة التفكير الاستدلالي من طرف تيار الخلافة الذي يقابل تيار الإمامة([13])، والمشكلة التي تحدث في تصور العلامة (وهو في كلامه هذا يؤسّس لمنهج في غاية الحساسية حتى على صعيد مدرسة الإمامة) هو صيرورة الفعل الاستدلالي شكلانياً صورياً، لأن الاستدلال صار تابعاً للشرع وليس العكس، وهو ما يؤدي في تصور العلامة الى ظهور التقليد وتحوّل الاستدلال الى مجرد لعبة يتم التصابي بها([14]).

وهذا الكلام من العلامة في غاية الأهمية حينما يتم تمثله بوعي وأمانة، أي ان العلامة يرى العقل اساساً اولياً لا منازع له في النشاط الكلامي، وان مقولة موافقة الشرع التي اخذ بها المتكلمون وغيرهم مقولة خاطئة يجب استبعادها كلامياً، ومؤدّى هذا الكلام من الناحية المنهجية اذا اردنا تحليله هو مركزية العقل لا مركزية العقيدة، ونعني بهذه المركزية مركزيةً على الصعيد العلمي والمعرفي للمتكلم او مطلق الباحث الديني، والاعتقاد بمركزية العقل يعني إعادة انتاج أنسي للفعل الفكري في نطاق البحث الديني لا اقل الكلامي، أي منح العقل البشري المحورية لا العقيدة الصحيحة.

لكننا غير قادرين هنا على الجزم بأن العلامة كان يمتد في كلامه هذا الى ابعد مداليله الالتزامية على صعيد علمي الاخلاق والحقوق وغيرهما، وان كانت طريقة عرضه لهذا الموضوع بالخصوص شديدة ومحكمة وتحتوي نمطاً عالياً من الاطلاقية والشمول بحيث لم يتوقف ـ أي العلامة ـ عن نقد المذهب الشيعي نفسه في تأثره بهذه الوضعية التي اكتسبها من تيار الخلافة ومذاهب السنة سيما فيما يخص قضية الإجماع كما سيأتي.

وحتى نتأكد ان العلامة انسجم مع نفسه في خطابه المنهجي هذا لابد من العودة الى نتاجه الفكري لمعرفة هل كان العقل عنده اساساً للنشاط الفكري الديني او لم يكن؟ وهل طبق العلامة ما نظّر له منهجياً من المرجعية المطلقة للعقل واستبعاد هاجس النص (موافقة الشرع) في عملية البحث والاستدلال؟

وفي إطار الجواب عن تساؤل كبير كهذا يمكن تسجيل النقاط التالية، وهي نقاط ستؤكد لنا ان العلامة كان منسجماً مع نفسه الى حد جيد في التماهي مع المنهج الذي دافع عنه دون ان نعطيه صبغةً اطلاقية كما سنرى.

أ ـ قيمة النصوص والاخبار غير اليقينية، والمعروفة بأخبار الآحاد، فهناك جدلٌ واسعٌ في علم الكلام انتقل في القرون الأخيرة إلى علم أصول الفقه عند الشيعة([15])، حول مدى إمكانية الاعتماد على النصوص الظنية الثابتة بخبر الواحد في الأمور الاعتقادية، فهل يمكن اثبات نبوّة النبي (ص) بخبر الواحد؟ أو هل يمكن اثبات العصمة أو غيبة الإمام الثاني عشر أو مقولة الرجعة أو… بنصوص لا ترتقي الى مستوى القطع واليقين؟ ففيما ذهب بعض العلماء إلى موقف إيجابي نسبياً من الخبر الواحد في علم الكلام كالشيخ كاشف الغطاء الذي كان يرى صحة الاعتماد على أخبار الآحاد في العقائد ما دامت صحيحة السند ولم يخرج مضمونها عن حدّ الامكان([16])، ذهب العلامة النائيني الى رفض الظن في باب أصول العقائد، والاكتفاء على أبعد تقدير بالعقد الاجمالي للقلب بالالتزام بالواقع على ما هو عليه على تقدير انسداد مجال المعرفة بالواقع العقدي([17])، وبين الطرفين تقريباً وقف امثال السيد أبو القاسم الخوئي ليرفض الظنيات في الاعتقادات التي يطلب المعرفة بها، دون تلك التي يراد منها عقد القلب عليها لا المعرفة بها على تفصيل وتحليل خاصّ عنده([18]).

ولسنا بصدد معالجة هذا الموضوع البالغ الأهمية ـ سيما في عصرنا الراهن ـ وإنما نريد المرور على موقف العلامة سريعاً من هذا الموضوع، وهو موقفٌ رافضٌ يؤول فيه العلامة الى نظريته في الحقيقيات والاعتباريات، ذلك انه يرى أن منح الخبر الواحد غير اليقيني الحجيةَ والاعتبارَ إنما هو جعل اعتباري عقلائي يمكن إنفاذه في عالم الاعتبار من قبيل الفقه والقانون، بيد أنه غير قابل للإنفاذ في عالم الواقع والحقائق التكوينية([19]).

وهذا الموقف النظري من العلامة مارسه في تفسيره الميزان بشكلٍ واضح، فما لم يكن يحصل على يقينٍ من نصٍّ ما لم يكن ليوافق على موضوعةٍ عقديّةٍ أو تكوينية، ولهذا لم تكن لديه تحفظات على النصوص الكلامية فحسب، بل كانت لديه تحفظات أخرى على نصوص أسباب النـزول، وتاريخ الانبياء وغير ذلك أيضاً.

وهذا الموقف المعرفي هنا، يمثل إحدى ركائز الاتجاه العقلاني عند العلاّمة، يؤكّد لنا ما قلناه سابقاً من وفائه لانتمائه الفكري.

ب ـ تجربة تفسير الميزان والتفسير الروائي: انتهج العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان منهجاً هاماً في التعامل مع النصوص المتصلة بالنص القرآني سواءٌ منها نصوص اسباب النزول او بعض النصوص التفسيرية([20])، والشيء الذي نلاحظه في الميزان ـ الذي يعد واحداً من أهم تفاسير الشيعة سيما في المرحلة المعاصرة ـ هو أن العلامة لم يحضر النص في بحثه التفسيري، بل تعامل بروح اكاديمية صرفة مع تفسير النص مخضعاً عمله لقواعد التفسير نفسها، وعندما كان يأتي للبحث الروائي الذي كان يعقده في اواخر كل فصل تفسيري كان يكتفي بمجرد عرض النصوص دون ان يوحي لنا بأنه يركز نظره عليها كثيراً ما لم تكن القضية من حيث اساسها روائية، وانطلاقاً من ذلك لم يكن الطباطبائي ليخشى النص الروائي بل كان يتعامل معه بروح فوقية (بالمعنى غير السلبي للكلمة)، أي انه كان يرى هذا النص في درجة تالية منهجياً لما كان قد فرغ منه في تفسير الآيات سلفاً، ولهذا لم يكن ليتحفظ عن الاسراع في استبعاد نص روائي احياناً او تجاهل آخر احياناً اخرى مبرراً ذلك بانه لا يتوافق مع ما تقدم في تفسير الآية، ولم يكن لينظر الى سند النصوص وتقييم تعارضها وغير ذلك([21])، والشاهد الأهم هو فصل النص الروائي التفسيري عن القسم التفسيري نفسه، وهذا يدلّل منهجياً على تأخرٍ رتبيٍّ للنص الروائي، وإلا لكان من الضروري استحضاره لدى تفسير النص نفسه.

هذه الآلية التي يلحظها القارئ لتفسير الميزان تمنحه قناعةً واضحةً جداً بان العلامة الطباطبائي كان منسجماً مع منهاجه المعرفي، وبالرغم من ان هذا المثال (التفسير) الذي اعطيناه غير عقلي غير انه اشد تدليلاً على ما نريده، ذلك أن العلامة كان يستبعد النص الروائي استبعاداً بيناً في فهم النص القرآني والتعاطي مع حقائقه فمن الطبيعي جداً ان يكون تعاطيه ما بين العقل والرواية اشد وضوحاً على هذا الصعيد بحكم النزعة الفلسفية التي كان يتمتع بها والتي تعطي هي والشهود العرفاني قاطعيات أشد عادةً.

وهذا ما يقودنا الى اشارة في غاية الاهمية من وجهة نظرنا بيّنها اكثر من تلميذ من تلامذة العلامة سيما الشيخ عبدالله الجوادي الآملي، وهي ان العلامة كان يعيش ظاهرة الفرز المنهجي في التعامل مع مواد البحث، وكشاهد على ذلك لم يكن ليتعرّض لاي جانب عرفاني لدى تدريسه الفلسفة بالرغم من ان متن الاسفار الاربعة الذي كان يقوم العلامة بتدريسه كان يحتوي احياناً على مطالب عرفانية، بل كان العلامة يقفز على هذه المطالب ويحيل مطالعتها الى الطلاب([22])، وهو ما يؤكد ـ سيما عندما يثبت لنا ان العلامة كان ذا مشرب عرفاني قوي جداً كما سنرى لاحقاً ـ الفصل المنهجي للعلامة بين المواد العلمية، أي عدم الخلط بين الفلسفة والعرفان، وهذا الفرز المنهجي كشف عنه العلامة في موقفه الخطير من علم اصول الفقه، فالعلامة ـ كما هو معروف وتحكيه دراساته الفلسفية سيما المقالة السادسة من كتاب “اسس الفلسفة والمذهب الواقعي” المخصّصة لبحث قضية الاعتباريات والحقيقيات ـ كان يتحفظ من ادخال الفلسفة في علم الأصول، ويرى ان هذا الادخال يعبر عن خلطٍ ما بين الحقيقي والاعتباري، فالدائرة الفلسفية دائرة علوم حقيقية اما الدائرة الأصولية فهي دائرة تخضع لقوانين عالم الاعتبار، وقد أشار العلامة في تعليقته على كفاية الأصول للآخوند الخراساني إلى هذه النقطة كأساس منهجي([23])، كما تشير أيضاً إلى هذا الموضوع نقولات أخرى عنه.

ج ـ موقف العلاّمة الطباطبائي من ظاهرة الإجماع (ومن الطبيعي الشهرة أيضاً) كما سيأتي قريباً، فإن موقفه السلبي من مقولة الاجماع يؤكّد على نزعته التعقلية ما دام غير أخباري، فمنطق الاجماع منطق غير ارسطي وغير مشائي وغير متعالي (نسبة للحكمة المتعالية)، لان المنطق التعقلي عموماً منطق برهاني استدلالي قياسي ولا تعنيه مقولاّت الآخرين مهما بلغوا، كما لا يعنيه أن يقول بمقالته أحد أو لا([24])، فالطباطبائي حينما يستبعد الاجماع من علم الكلام فإنه يفي بالدرجة الاولى لتعقلياته ومدرسته الفكرية الفلسفية النمط، وسوف يأتي توضيح موقف العلامة من الاجماع قريباً إن شاء الله تعالى.

د ـ موقفه من ظاهرة الحديث الشريف والمحدثين، فللعلامة تقييمٌ خاص لموقعية الحديث ومكانة المحدّثين في الفكر والمعرفة، وهو يرى أن تورّماً وتضخماً في نشاط علم الحديث قد برز في ثنايا الأنظمة الظالمة بعد وفاة النبي (ص)، تلك الأنظمة التي يرى العلامة ـ انسجاماً مع الموقف الشيعي العام ـ انها حدّت من حرية الفكر ونشاطه وحيويته، وحوّلت النشاط الحديثي إلى نشاطٍ ذي دورٍ تجميدي استاتيكي، وسنلاحظ في هذا الموضوع ما يحدّد موقف العلامة من الحديث كلياً على صعيد قيمة هذا العلم عموماً من جهة والمحتوى الحديثي الشيعي من جهة أخرى.

ويعتقد قوياً ان هذه الخصوصيات الثلاث عند العلامة تمثل دوال واضحة على وفائه للمنهج العقلي، والروح الفلسفية، والمنحي البرهاني، سيما إذا ضممنا إليها ابتعاد العلامة في بياناته ونتاجاته عن الروح الجدالية الاستنزافية، اذ ان هذا يؤكد اخلاصه للبرهانية الفلسفية التي تمنح الباحث شعوراً بتقديم التأصيل والتأسيس والبَنْيَنَة والتشييد أكثر من النقد والهدم والتفنيد والتبكيت.. فكتاب “اسس الفلسفة والمنهج الواقعي” مع كونه كتاباً يهدف إلى نقد الاتجاهات الماركسية والغربية عموماً، إلاّ انه امتاز امتيازاً واضحاً بنزعة التأصيل، ومنهج الطباطبائي في “الميزان” سيما لدى معالجته موضوعات خلافية أو اشكاليات معاصرة تخص الاجتماع والسياسة والمرأة و… كان ينصب على التأسيس لفكرة ليكون التأسيس هو الجواب والنقد لا لينشأ نقدٌ يتبين فيما بعد انه لم تجر عملية تنظير لأسسه ومبانيه بصورة مستقلّة، وهكذا بقية كتب العلامة من كتاب “الانسان” و “الولاية” و “لب اللباب” إلى “القرآن في الاسلام” وحواراته مع الدكتور كوربان، وهو ما يعطي ثقةً ـ حتى لو خرج أحياناً عن القاعدة كما هو الطبيعي ـ بوفاء الرجل العلامة لمناهجه المعرفية.

وبذلك نجد ان العلامة الطباطبائي الذي ينتمي الى مدرسة الملا صدرا([25]) كان من المؤمنين بأصالة العقل (اذا استبعدنا حالياً نزعته العرفانية)، وقد جرّ هذه الاصالة الى علم الكلام، وأراد من ذلك إعادة انتاج علم الكلام انتاجاً فلسفياً برهانياً واخراجه كلياً من دائرة الجدالية ونحوها، ومن هنا نجد في طريقة تفكير العلامة المكتشفة من نمط عرضه لأفكاره انه ـ وكما أشرنا ـ كان يؤصّل لتصوراته حول حقيقة عقدية ما ثم وفي مرحلة تالية يتعرّض سريعاً لآراء الآخرين ليبين نقاط الضعف فيها على اساس ما نظّر له شخصياً، وهذه الطريقة التي غطت ايضاً تفسيره الميزان ـ سيما مباحثه الكلامية ـ تكشف عن انحسار واضح في دور المنطق الجدالي الكلامي لصالح نزعة البرهانية الفلسفية.

ومن هنا يمكننا القول بأن العلامة كان يسعى في واحدةٍ من ركائز منهجه الكلامي إلى فلسفة علم الكلام، تكملةً لمشروع صدر المتألهين والحاج ملا هادي السبزواري، وهذه الفلسفة لعلم الكلام هي التي تضمن لهذا العلم ـ لا اقل في تصوّر العلامة ـ الخروج من معارضة الشريعة والحقيقة، النص والعقل و…

اتخذ المسلمون مواقف مختلفة من قضية الاجماع، ويبدو ان اول استخدام ميداني له كان في قضية الخلافة من طرف أهل السنة، وليس بحثنا هنا حول الاجماع، لكن ما يعنينا منه ـ إنطلاقاً لقراءة العلامة الطباطبائي كلامياً ـ هو الصراع الأخباري الاصولي شيعياً حول الاجماع، فقد اعتبر الاخباريون أن الإجماع نتاج سنّي لا اصل له في الفكر الإمامي، وبحسب التعبير الاخباري فإن السنة هم أصل الاجماع وهو اصلهم، وقد رفض علماء الاخبارية الاجماع وشنوا حملةً عنيفة عليه، وطالبوا باستبعاده كلياً من ميدان الفكر الديني عموماً، اما الاصوليون فقد دافعوا عنه في البداية الى ان وصل تطويرهم لمباحثه على يد الشيخ الانصاري الى تشكيل نظريات عديدة لتفسير حجيته واعتباره في قصّة ذات تداعيات عديدة([26]).

ما نريد ان نلتفت إليه هو ان قضية الاجماع يمكنها ان تشكل نقطة التقاءٍ ما بين تيارين في غاية التباعد معرفياً ومنهجياً، الا وهما التيار الاخباري النصي والتيار العقلي (الفلسفي)، فقد رفضت الفلسفة الاجماع وآمنت بالمعادلات العقلية اساساً للمعرفة الصحيحة، وربّت ابناء مدرستها على الغاء اية قيمة للآراء ما لم تكن مدعّمةً بالدليل، وهو ما يدفع الفيلسوف عادةً إلى التعامل مع الادلة لا مع الاشخاص والمواقف لا اقل على صعيد العلوم التي يتحرّك في دائرتها (لنستبعد حالياً علم الفقه).

جماع الافكار وملتقاها بين تيار نصي تاريخي وآخر عقلي منطقي كان الموقف من الاجماع لا اقل نظرياً.

وكان من الطبيعي ان يتخذ العلامة الطباطبائي موقفاً رافضاً للإجماع في علم الكلام، وخصوصاً انه يرى ان الاجماع لا يمثل على ابعد تقدير اكثر من الحجة الظنية([27])، وهو موقف معرفي مترقّب من الاجماع من قبل شخصٍ كالعلامة، ذلك أن مناهج الاستقراء وحساب الاحتمالات ونظريات الكشف في تفسير الاجماع عند المتأخرين من علماء الاصول… كل ذلك لم يكن لينسجم مع البنى المعرفية التي سار عليها الطباطبائي كفيلسوف عقلي متمرّس من الدرجة الأولى، فالاستقراء دليل ضعيف في الفلسفة العقلية عموماً، وبالتالي فكشف الاجماع لن يكون له قيمة ما لم تكن ثمة مبررات نصية لهذا الاجماع، ومن هنا اعتبر العلامة ان الالباس الديني لفكرة الاجماع جاء عن طريق مدرسة الخلافة وأهل السنة، وذلك بواسطة صنع احاديث برروا فيها قيمة اجماع الامة من قبيل الحديث المعروف “لا تجتمع امتي على ضلالة”([28]).

لكن قضية اجماع الامة ـ في نظر الطباطبائي المفسّر لموقف الطرف الآخر ـ لم تكن لتكفي ما دامت الامة قد اختلفت فيما بينها، وهنا قاموا بأمر اضافي وهو انهم “وضعوا أهل الحل والعقد أو علماء الأمة مكان الأمة، ثم أجلسوا بدلاً من علماء الأمة بأجمعها علماء تيار وطائفة واحدة من قبيل الأشاعرة أو المعتزلة، ثم منحوا (سلطة الاجماع) لعلماء كلام طائفة معينة من الطوائف بدلاً من علماء تلك الطائفة بأجمعهم…” ([29]).

وهذا الموقف من الاجماع يردفه العلامة بنقطةٍ حسّاسةٍ في غاية الاهمية من وجهة نظر الكاتب وهي ان الاجماع قد تحوّل ـ كلامياً ـ الى وسيلةٍ لرد كل دليل قرآني او عقلي أو من السنة، يقول العلامة الطباطبائي: “…من هذا المنطلق كثيراً ما نجد في البحوث الكلامية أنّ حجة المدّعي تتم عن طريق القرآن أو السنة أو العقل، بيد أنها ترد ويُعرض عنها لكونها مخالفةً لإجماع علماء ومتكلمي ذلك المذهب”([30])، وهذه الظاهرة حساسة جداً في الفكر الديني، لانها تحيل التاريخ الديني الى تاريخ مقدس، وتضفي هذه القداسة على الفكر البشري الذي اتخذ الدين مادةً لدراسته.

ان هذه الظاهرة التي يرفضها العلامة ـ أي ظاهرة رفض الدليل حتى لو تم لحساب اجماع طائفة أو جماعة أو فرقة ـ واسعة الانتشار وتشمل مختلف المذاهب الاسلامية، فما اكثر الموضوعات التي يجري رفضها لهذا السبب، لكن القضية الاعمق من هذا الشكل الظاهري الذي قد لا يلاحظه الانسان كثيراً ما دام غريباً احياناً هو اثقال الاجماع النفسي على الباحث، وهو اثقال اكبر تأثيراً في عالم الفكر، فمن يرفض الادلة لصالح الاجماع قد يلبس رفضه هذا بصيغ تشكيكية في الادلة نفسها وهو امرٌ حاصل بدرجة معتد بها، فعلى سبيل المثال ـ ولو فقهياً ـ الشيخ محمد حسن النجفي في كتابه جواهر الكلام كثيراً ما يرد افكار عديدة لاجل مخالفتها لما قاله الاصحاب، بيد انه ولاجل تخفيف الضغط النفسي عليه كفقيه يقوم باثارة سلسلة من التشكيكات الصغيرة بغية ارباك الادلة، وهو امرٌ يبدو واضح المناقشة لولا وجود الاجماع نفسه. وقد حاول الشهيد محمد باقر الصدر ان يفسر هذا الموقف العلمي تفسيراً سيكولوجياً ذا صبغة معرفية وفقاً لنظرياته المعرفية الخاصّة، وذلك عند بحثه حول مفهوم السيرة في الفكر الأصولي، فقد شعر الشهيد الصدر ان الفقهاء عندما كانوا يصطدمون بأدلةٍ تؤدي بهم إلى نتائج مستغربة في الفقه كانوا يتمسّكون بما يسمّى المسلّمات أو كانوا يحذرون من ان ذلك يؤدي إلى تأسيس فقهٍٍ جديد، وهذا التمسك وهذه العبارات كان الصدر يراها حالةً نفسية للفقيه أكثر منها علمية، وقد اعتقد السيد الشهيد بأن مقولة الاجماع المنقول والمحصّل، ومقولة جبر الخبر الضعيف بعمل الأصحاب أو وهن الخبر الصحيح بإعراضهم… كانت المقولة التي سعى الفقيه للحصول عليها كي تمنحه استقراراً نفسياً، والتي كان يلجأ إليها عند الاصطدام بواقع فقهي تفرضه الأدلة بيد أنه غير قابل للتحمّل، ويرى السيد الشهيد ان انهيار هذه المباني ـ والذي بدأ مع الشيخ الأنصاري سيما في الاجماع المنقول وحتى السيد الخوئي في نظريتي الجبر والوهن ـ أحدث ثغرةً لدى الفقيه، واعاد عنده الشعور المقلق، لكن الفقيه ـ وفق تصوّر السيد الصدر ـ أعاد انتاج مفاهيم بديلة عن المفاهيم المنهارة أصولياً، فأنتج مفهوم السيرة بشقيه العقلائي والمتشرّعي([31]).

وهذا الوضع الفقهي يحكي عن نفسه أيضاً في علم الكلام، بل إن مقولة المسلّمات وخطورة تأسيس منظومة جديدة تتخذ لنفسها في النطاق الكلامي حساسيةً خاصّةً، لأن المسلّم الفقهي أقل إثقالاً من المسلّم الكلامي.

وعوداً إلى موقف العلامة من الاجماع في علم الكلام، يرتب الطباطبائي نتائجه على الاخذ بالاجماع أساساً علمياً ضمن مجموعة امور هي:

الف: يرى العلامة الطباطبائي ان تضييق دائرة الاجماع من اجماع الامة إلى اجماع طائفة أو مذهب قد تكون له سياقات أو خلفيات اخرى اشد حساسيّةً، إذ يرى بأن عدم ضرر موقف فرقة اخرى من الاجماع كأن معناه خروجها عن الاسلام، يقول: “إن مخالفة أهل مذهبٍ من المذاهب الإسلامية لواحدةٍ من العقائد التي يختص بها مذهب آخر لا يضرّ بالاجماع المنعقد في صفوف المذهب الثاني، وكأن أهل أيّ مذهبٍ من المذاهب الأخرى لا يدخلون في ملّة الإسلام بحسب اعتقاد المذهب الآخر!”([32]).

إن هذه نقطة مهمة في تقدير الكاتب، لان الاجماع وفقاً لنظريات حجيته المنطقية غير قادر (وكلامنا هنا بشكل اساسي في العقليات والكلاميات) على تفسير تجاهل الاطراف الاخرى، فإذا اردت أن ابحث في الامامة بعد النبي (ص) فكيف يمكن التمسك باجماع أهل السنة أو أهل الشيعة على خلافة أبي بكر أو علي بن أبي طالب (ع)؟ ان المبررات النظرية لحجية الاجماع المنطقية (ولا دخل لنا هنا بالحجيات الاصولية أي التعذير والتنجيز)([33]) لا تستطيع أن تفي بالجواب عن هذا الموضوع لان مخالفة طائفة اخرى تضعف من قيمة الاجماع وفقاً لنظرية الكشف بمسالكها المتعددة، وهكذا إذا اخذنا نظريات عدالة الصحابة وعصمة الأئمة وغيرها.. ما لم يجر ادخال الاجماع كوسيلة للكشف عن النص في دائرة الكلام، أي ان بعض الكلاميات تعتمد النص الداخلي لكل فرقة على حجيتها، وكمثال على ذلك نظرية علم الامام (بعيداً عن الادلة الاخرى التي سيقت لهذا الموضوع وفق اسس فلسفية وعرفانية) التي قد يمثل اجماع الشيعة فيها كاشفاً عن نص المعصوم على المسألة، وحينئذٍ يمكن الأخذ بالإجماع ما دام يمثل نقطة كشفٍ معينة.

لكن بعيداً عن حيثيات هذا الموضوع الذي يمكن ان يثار استفهام في قدرة الاجماع فعلاً على البت به من زاوية الاعتبار المنطقي إلاّ في دوائر محدودة كما سيأتي، بعيداً عن كل هذا لا يمكن للعلامة ان يوافق وفق منهجه على اجماع من هذا القبيل، لانه يؤمن ـ كما اسلفنا ـ بعقلية الموضوع الكلامي (لا أقل نحن نتكلم في الاعم الاغلب) ويرى اعتبار النص متأخراً، ولهذا لم نجده يتمسّك بالاجماع في الموضوعات الكلامية في تفسير الميزان مع كثرتها بل حتى في غير الموضوعات الكلامية وذلك منه انسجاماً مع مبانيه الفلسفية المعرفية الواضحة، فلم يرد لفظ الاجماع في هذا التفسير المؤلّف من عشرين جزءاً أكثر من ثلاثين مرة حسب الظاهر، كثيرٌ منها ينقل فيه نصوص كلمات الآخرين كصاحب مجمع البيان، وهو أمرٌ ملفت، بل يصرّح في بعض الموارد برفضه الاجماع، يقول في أحد أبحاثه في هذا الكتاب: “وأما ما ادعي من الاجماع ومآله إلى الاتفاق في الفهم فلا حجية لمحصله فضلاً عن منقوله والمأخذ في ذلك من الكتاب والسنة ما عرفت”([34])، فلم يقل محصّله غير حاصل بل قال لا حجية لمحصّله وهذا تعبير دقيق، كما يقول في موضع آخر عند حديثه عن آيات الربا: “وهذه الآية والتي قبلها أشبه بالمدنيات منهما بالمكيات ولا اعتبار بما يدّعى من الرواية أو الاجماع المنقول”([35])، ويقول عند تعرّضه لبحثٍ حول الملائكة وطبيعتهم: “وأما ما ادعاه بعضهم من اجماع المسلمين على ذلك (ان الملائكة اجسام لطيفة تتشكل بأشكال) فمضافاً إلى منعه لا دليل على حجيته في أمثال هذه المسائل الاعتقادية”([36]).

ب: بلورة وحدة مذهبية غير قابلة للانفكاك، اذ يرى الطباطبائي أن من نتائج سريان روح الاجماع في العقائد والكلام تحديد الخيار بين امرين اما الاعتقاد الكامل بعقيدة هذا المذهب بكل حيثياتها أو الرفض الكامل، وبالتالي فلا يمكن الاخذ بمذهب والاعتقاد به دون الاخذ بكافة اصوله والاذعان لها “دون بحث ونقاش سواء توفّر عليها الدليل الكافي أم لم يتوفّر” ([37]) على حد تعبير العلامة نفسه، وهذه الفكرة من العلامة يترتب عليها عدة قضايا هامة يذكر بعضها العلامة نفسه أهمها:

أولاً: التعددية المعرفية داخل الدين الواحد وفيما بين المذاهب، فعندما نقول بأن الايمان باساس إمامة أهل البيت (عليهم السلام) يفترض الاعتقاد بالتشيع ومن ثم لا نفكك بين هذا الاعتقاد بالاساس الاولي والاعتقاد ببقية الجوانب الاعتقادية الاخرى كالعصمة والرجعة والولاية التكوينية وعلم المعصوم وغيرها فهذا معناه مركزة الحقيقة داخل مذهب معين وعدم إمكانية القبول بأي نوع من التداخل أو التوزيع الحقائقي فيما بين المذاهب، أي ان هذا العقل لا يقبل بصحّة امامة الائمة الاثني عشر (ع) الذين تقول الشيعة بإمامتهم وفي نفس الوقت بطلان مبدأ العصمة أو بعض امتداداته، لان هذا العقل يفترض الصحة في طرف فما دام الطرف الصحيح في خطه العريض هو المذهب الشيعي فهذا معناه ان كافة الحيثيات الاعتقادية في هذا المذهب صحيحة ولا معنى للتجزئة، ان هذا العقل لا يتعقل ان المذهب الحق هو التشيع لكن السنة مصيبون في قضايا العصمة أو الولاية التكوينية مثلاً… أو أنه التسّنن لكن الشيعة مصيبون في الموقف من الصحابة أو خلافة عثمان مثلاً…

لكن العلامة حينما يتحدث عن نفي الوحدة هذه ورفض التماسك هذا يعيد تشكيل الصورة من جديد، اذ نتيجة كلامه معرفياً إمكانية التجزئة أو امكانية التوزيع الحقائقي في الواقع مادامت القضية خاضعة للدليل في مرحلة الاثبات والبرهنة، فلو لم يكن الواقع في تصوّر العلامة قابلاً لهذا النوع من الفرز والتجزئة لما امكن له منح الاعتبار للقراءة الاستدلالية، ولما صح له أن يقول سواء توفّر عليها الدليل الكافي أو لا.

ثانياً: ان منطق الاجماع ـ كسلوك ثقافي في علم الكلام ـ يؤدي كما يصرح به العلامة إلى قتل روح التفكير الاستدلالي، ويأتي على الطريقة العقلية المنفتحة ليستأصلها من الجذور([38])، لان تقديم عقديات ناجزة بمجرّد الاعتقاد بالمبدأ العقائدي الاول يحيل العقل إلى عقل مستقيل مستريح مادام غير معترف بنتائجه المخالفة لاي مبدأ عقدي، ومعنى ذلك ان ثمة اصالة للفكر والبحث العلمي في علم الكلام عند العلامة الطباطبائي، وعندما تكون الاصالة للبحث الحرّ فهذا معناه انحسار سلطة التقليد التي يراها العلامة نفسه المجال لاكتساب التعصب السلطة المطلقة وصيرورة الهيمنة له في جميع المسائل العقيدية على حد تعبيره([39]).

هذا الايمان المطلق أو شبه المطلق لدى العلامة باصالة التفكير كلامياً يمكن اعتباره الثورة الفلسفية في علم الكلام، أي هو تأثير الفلسفة في الكلام عبر الطباطبائي ومن سبقه ولحقه، مع سكوتنا عما اذا اصيبت الفلسفة بهذا الداء أو لا، وفي اعتقاد الكاتب فإن الفلسفة نفسها هي الاخرى قد اصيبت بداء الوحدات المذهبية وبمنطق الاجماع ولو على طريقتها وبحسب طبيعة المذهبية الفلسفية، وهو ما يوافق الى حد معين ما يثيره بعض الباحثين المعاصرين من التشكيك ببرهانية المقالة الفلسفية([40])، واذا اردنا ان نأخذ مثالاً مبسطاً على ذلك يمكننا الحديث عن الفلسفة في عالمها العربي وعالمها الفارسي كواحد من تجليات المذهبية (أي من كلمة مذهب لا المذهبية الطائفية الدينية)، فثمة مرجعية فكرية يؤول اليها الفيلسوف العربي أو الدارس العربي للفلسفة تجعله على نوع من القطيعة مع النتاج الفارسي للفلسفة منذ أبو علي ابن سينا وحتى صدر المتألهين واتباع مدرسته، وهذا ما يجعلنا نفهم الانقطاع التطوّري العقلي في الفكر الفلسفي لدى البعض مع ابي الوليد ابن رشد([41])، وكأن قومية الفيلسوف هي التي تمنحه التشكل الفلسفي كعامل اساسي ووحيد، وكأن الفلسفة يمكن قراءتها دائماً قراءة قومية أو حتى قراءة دينية على اساس أن تكون هذه القراءة هي القراءة النهائية، وهكذا عندما نأتي إلى الاتجاه الفلسفي الفارسي نلاحظ غياباً واضحاً للفلسفة في جانبها العربي، وكأن التطوّر الفلسفي فارسياً كان في كل العصور معزولاً عنه عربياً، فابن رشد والكندي ومتأخروا الفلاسفة العرب كبدوي وزكي نجيب محمود ليس لهم أي حضور تقريباً في الفلسفة بوجهها الفارسي الامر الذي يصنفه البعض كأحد معايب الدرس الفلسفي في المعاهد والحوزات الدينية الشيعية أيضاً([42])، ومن الممكن جداً أن يكون للمذهبية الدينية ـ ومع الاسف ـ دوراً في هذا التشطير للفكر الفلسفي الذي يمكن اعتباره فكراً انسانياً بالأصالة كما تقتضيه موقعية هذا العلم التي تمنحه الأسبقية المعرفية على جميع العلوم والمعارف بما فيها الدينية كما يصرّح بذلك الفلاسفة أنفسهم.

وما يهمّنا هو ان العلامة الطباطبائي كان انتمائياً في عالم الفلسفة على درجة معينة، اذ انتمى إلى الفلسفة والحكمة المتعالية وان ناقش في بعض موضوعاتها وطور من قبيل دور البرهان العلمي في الفلسفة وجعل الفاعل بالجبر والفاعل بالقصد قسماً واحداً وتطوير برهان الصديقين و…([43])، لكن الطباطبائي كان صدرائياً في تفكيره الفلسفي ولم تحضر في فلسفته الانتماءات الاخرى، اذ استثنينا نقاشه للفلسفتين الغربية والماركسية اللتين ندر أن قبل منهما فكرةً أو مقولة.

ثالثاً: ان منطق الاجماع الذي يرفضه العلامة قد سرى ـ من وجهة نظره ـ إلى بقية العلوم والمعارف الاسلامية كالتفسير والفقه والاصول، يقول العلامة الطباطبائي: “ما يؤسف له في هذا الشأن أن هذا المنهج تجاوز المسائل الكلامية وأخذ يمتدّ إلى المعارف الإسلامية الأخرى كالتفسير والفقه والأصول وغيرها، بل سرت هذه الروح وأثارت العاصفة حتى في العلوم الأدبية مثل الصرف والنحو والمعاني والبيان، حتى اننا إذا قمنا بجولةٍ في ربوع تلك العلوم لواجهتنا قوالب وتصانيف عجيبة مثل الحنفية والشافعية، الكوفيين والبصريين ونظائر ذلك، بحيث تبادر كل مجموعة لتوجيه عقائدها المذهبية الخاصّة، وتأويل حجج الآخرين وأدلّتهم”([44]).

وهذا النص يشير إلى تحفظ العلامة عن الاجماع لا كوسيلة ضعيفة في العلوم ذات الطابع العقلاني أو التعقلي بل حتى العلوم ذات الطابع الكشفي والتعبدي، وهي نقطة تبيّن لنا ان العلامة لم يكن له موقف ميداني من الإجماع ـ أي الاجماع في ميدان علم الكلام ـ بل كان له موقف معرفي عام منه، وهذا الامر يرشد إلى مدى تفوّق المنحى الفلسفي عند العلامة، ويؤكد ما تمت الاشارة له سابقاً من ان الشخصية الفلسفية والعرفانية للعلامة لها اكبر الدور في بلورة منظومته المعرفية ومنهجه العلمي ككل.

ج: من نتائج منطق الاجماع في الفكر الديني عند العلامة اعادة بلورة التراتبية المعرفية للادلة في عالم الاثبات الديني، فمن الطبيعي أن يكون النص الديني المتمثل بالكتاب والسنة على الصعيد الاسلامي هو الاساس والمنبع المعرفي لاي باحث ديني يضع في مهماته كشف الموقف الديني من قضية عقدية تكوينية أو غير عقدية… لكن نفوذ منطق الاجماع ادى ـ وفق نظر العلامة ـ إلى تأخير الكتاب والسنة وتراجعهما من الناحية الرتبية إلى الوراء لصالح الاجماع، ومن هنا يرى العلامة بأن ذلك قد ادى الى نوع من الشكلانية الاستدلالية للكتاب والسنة، اذ تحوّلت وظيفتهما إلى وظيفة تشريفية صورية فيما اتخذ الاجماع موقعيةً أشد قوّة ومتانة([45]).

وكمؤشّر ميداني على هذه الظاهرة يرى العلامة ان العلماء ولتأكيد عقائد مذاهبهم صاروا يطرحون اجماع أهل مذهبهم أولاً ومن ثم يتعرضون للدليل القرآني والسنتي، والنتيجة المترتبة على هذا التقديم الذي يخفي وراءه موقفاً ازاء درجات القيمة المعرفية للكتاب والسنة والاجماع هي تركيز الباحث نظره على محاولة تأويل النصوص لصالح مفاد الاجماع، وهو أثر يرى العلامة انه سرى حتى إلى العلوم الادبية من النحو والصرف وغيرهما، يقول: “…على أساس ذلك نفسّر ما يذهب إليه أبناء كل مذهبٍ من هذه المذاهب، وهو يستدل في إثبات عقائده الخاصّة بإجماع قومه أولاً، وبالكتاب والسنة ثانياً، ثم يقوم بعد أن يتمسّك باجماعات أهل مذهبه ليقلّل من أهمية أدلة الكتاب والسنة التي يسوقها الآخرون، وهو يؤوّلها صراحةً ودون محاباة كي يهرب من حجيتها وما تلزمه به، وقد سرت هذه السليقة حتى في أوساط علماء الأدب، إذ تراه يصرف أدلة الذين يخالفونه من شعر أو نثر عربي، بتأويلها وحملها على التقدير وما إلى ذلك”([46]).

ان هذا الموقف من العلامة الطباطبائي ـ والذي ذكره في حواره مع المستشرق هنري كوربان قبل حوالي الاربعين سنة ـ يعد واحداً من البدايات الهامة على هذا الصعيد من جانب شخصية بهذا المستوى من الاهمية.

ان الكتب الفقهية شاهدٌ بارزٌ على مدعى الطباطبائي، فالفقهاء ـ سيما المتأخرون منهم ـ يصبون ثقلهم في بدايات بحثهم على تحديد الموقف الفقهي العام من المسألة المطروحة، وهو أمرٌ ـ على أهميته من زاوية ضرورات القراءة التاريخية لأيّة موضوعة عقدية أو قانونية كما أشير إلى ذلك في موضعٍ آخر([47]) ـ يثقل الباحث مسبقاً بموقف تاريخي يفرض عليه درجة من التأطّر ويحد من حريته وتفكيره في اللاوعي قبل ان يلحظه في وعيه، والقضية التي تحصل ـ كما يشير إلي مضمونه الشهيد مطهري في شرحه المطوّل على منظومة السبزواري([48]) ـ هي ان أي باحث يصبح نتيجة اثقال الاجماع ونحوه مضطراً لتلمس ما يؤيده من موقفٍ أو كلمةٍ ممن سبقه من علماء الكلام أو الفقه أو التفسير أو… ويظهر نوعاً من التناسب الطردي ما بين اكتشافه مواقف مشابهة لمواقفه وما بين درجة تحرّره الفكري والعكس هو الصحيح.

والملفت للنظر في ظاهرة تأخر الكتاب والسنة أمام سلطة ونفوذ الاجماع عند العلامة هو شيوع ظاهرة التأويل، بمعنى التصرف بالنص بما ينسجم مع الاجماع والاصول المقرّرة سلفاً، وهذا التأويل له ـ عند العلامة ـ قدرة الشمول لكل مدرك إلا الاجماع نفسه فإنه غير خاضع لقوانين التأويل وسلطته([49]).

وهكذا نجد في حصيلة دراسة موقف العلامة المعرفي من الاجماع وموقعيته في الفكر الكلامي الاسلامي بل ربما الفكر الإسلامي عموماً (والكلام هنا مطلق غير خاص بمذهب) أن الاجماع مثّل أحد أهم عوامل شلل التفكير الحر والانتاجية الفكرية ومثل واحداً من أهم العوامل المخدرة لمناشط التفكير البشري الديني.

واذا كنا نوافق العلامة في أغلب ما طرحه يبقى علينا الاشارة إلى نقاط:

النقطة الاولى: هذا الموقف النظري العام للعلامة، وهذه القراءة المعمقة في اواخر خمسينات القرن العشرين لموقعية الاجماع في الفكر الديني عموماً (وليس في الفقه كما هو مجمل حديث علماء الفقه والاصول الذين ركزوا على الاجماع ـ لا اقل اولاً وبالذات ـ في هذا الاطار) هل مارسه العلامة في كلامياته؟

صحيح اننا قلما نجد تمسكاً بالاجماع في كلام العلامة سيما في قضايا العقيدة كما تقدّم، لكن هل تجاوز العلامة ميدانياً ظاهرة الاجماع؟ وحتى نكتشف الجواب عن هذا التساؤل لابد من قراءة كل تجربة العلامة الكلامية، فإذا توافق مع المواقف الشيعية في كل آرائه فهذا يعزز احتمال انه لم يخرج من سلطة الاجماع مهما سمينا الاجماع ومهما اسبغنا عليه من عناوين، اما لو رأينا ان العلامة قد اخترق بكل حريته اعمدة الكلاميات المذهبية فهذا الامر يؤكد لنا ويعزز من احتمال انه نجح ميدانياً في تجاوز مشكلة الاجماع في العقل الكلامي بل والديني عموماً.

وهذا الكلام لا يقال قياساً لمرتبة الواقع حتى لا يقال انه نوع من المصادرة والاستلاب واستباق الامور، أي اننا لا نفترض ان مخالفة العلامة للكلاميات الشيعية دليل على تحررّه من الاجماع لان هذه الكلاميات خاطئة، كلا، انما المقصود هو ان عالم الاثبات والبرهنة يتكشف موقف العقل فيه من السلطات المعرفية كسلطة الاجماع من خلال ملاحظة المخالفات التي حققها العقل ازاء المجمع عليه والمتفق عليه بقطع النظر عما هو الصحيح واقعاً في عالم المعتقد أو الباطل، وهذا معناه ان مؤشر التفلت من هذه المرجعيات الفكرية يقوى عندما نجد درجة اكبر من النتائج المخالفة، اما إذا لم نجد هذه الدرجة فإن الاحتمالات تبقى غامضة ولا نقدر على تحديد درجة التحرر من هذه المرجعيات ميدانياً وعملياً.

واذا اردنا ان نحدد دائرة الحديث في علم الكلام فلن نجد تمايزات أساسية للعلامة (تمايزات بمعنى مخالفات لا بمعنى تطويرات) عن المسار العام للكلام الشيعي، وبالتالي الاسلامي، فالموضوعات الكلامية الجوهرية كلها (أو الغالبية العظمى) اعتقد بها العلامة وان سعى لتقديم تصويرات متطوّرة ومعدّلة لبعضها مما يكشف عن درجة خفيفة من المؤشر السابق، وهذا ما تحكيه آراؤه الكلامية المبثوثة في كتبه سيما تفسير الميزان.

النقطة الثانية: تأكيداً على كلام العلامة يلاحظ ان ثمة توسعة لنفوذ منطق الاجماع تمثل في مفهوم الشهرة، فقد لا يحصل اجماع دقيق لمذهب او دين يبد أنّ شهرةً غالبةً قد تبدو واضحة امام الباحث، والذي نجده هو ان منطق الاجماع توسع إلى شمول مفهوم الشهرة التي جرى التنظير لقيمتها المعرفية أيضاً في علم اصول الفقه([50])، فصار انعقاد الشهرة على فكرة عقدية أو فقهية معينة دليلاً على الصحة، وتمّ تطبيق نفس أو ما يشبه ما جرى تطبيقه مع الاجماع مما تقدم ذكره عند العلامة…

والشي الذي يلفت النظر ويعطي للموضوع حساسية اضافية في علم الكلام هو إضفاء مفهوم الضرورة، وهذا المفهوم (على الغموض الذي يلف بعض امتداداته) يعد من المفاهيم ذات القدرة على التحديد والفرز في التصور الديني العام، فالضرورة الدينية تحدد طبيعة دين من يعتقد بها أو يرفضها، والضرورة المذهبية تحدد من هو الذي يندرج في هذا المذهب أو يخرج منه.

والذي حصل هو ان مفهوم الضرورة الذي ترجع إليه عناوين عديدة في الفكر الديني سيما الاسلامي من قبيل عناوين المسلم والكافر والشيعي والسني والمعتزلي والاشعري و… قد جرى ربطه بالاجماع ايضاً، أي ان ثمة علاقة ثلاثية تبدأ من اجماع قوي على فكرة يليها ضروريتها يتلو ذلك فرز الاديان والمذاهب على اساس الاعتقاد بها (طبعاً ليس الفرز محصوراً بهذا الامر، ولا ندعي ذلك، بل نقول ان احدى ادوات الفرز المتعارفة هي هذه الوسيلة) فبدل ان أحدد موقف الدين الاسلامي ممن يؤمن بمجموعة معتقدات معينة وانه هل هو مسلم أو غير مسلم بالرجوع إلى مصادر الدين، أرجع إلى ضرورة القضية مورد الاعتقاد وانظر في تحققها، وهو تحقق يلعب الاجماع دوراً كبيراً فيه، فإذا تم التحقق تمّ الفرز على اساسه، وهذا معناه ـ في تقدير الكاتب ـ ان صار الاجماع احد اسس الدين نفسه بهذا المعنى، وهي قضية في غاية الحساسية والتأثير، ومن نتائج هذا الامر ان يؤخّر النقاش في التصور الآخر إلى ما بعد اصدار القرار بالتكفير أو غيره فيما المفترض أولاً خوض النقاش لمعرفة مدى امكانية صحة الفكر المقابل اعتماداً على الادلة المتنوعة التي يتبع تنوعها طبيعة مادتها.

هذا الانقلاب (المنهجي) ترك ويترك أكثر من أثر على ساحة التدين والدين على مختلف المستويات، وهو يساعد على تشكل انماط من الارثوذوكسية في الفكر الاسلامي الذي لا تحكي نصوصه ومصادره الاصلية عن أي أورثوذكسية ولو مخففة في عالم الفكر والاعتقاد في تصوّر الكاتب على الأقل.

النقطة الثالثة: الملاحظ ان منطق الاجماع لا يختص بالتيارات الكلاسيكية في الفكر الاسلامي، بل انه امتدّ حتى للتيارات المحسوبة على التفكير الحداثي والعقلاني الجديد، فإذا رجعنا إلى القراءات الجديدة للفكر الديني عند بعض الباحثين المعاصرين سنجد ان تاريخ فكرة معينة كان اساساً في صحة نسبتها إلى الاسلام أو عدم الصحة، ونظراً لعدم أساسيّة هذا الموضوع سنكتفي بذكر امثلة محدودة دون دخول في تفصيلاتها.

المثال الأول: فكرة ولاية الفقيه التي اثار ويثير بعض الكتّاب علامات استفهام كبيرة حول جدتها وحداثتها مع الامام الخميني (قده) وعلى اقصى تقدير مع المحقق أحمد النراقي (م 1245هـ) صاحب “المستند” و “عوائد الايام”([51])، فالذي نلاحظه ان التاريخ (والاجماع تعبير آخر عنه) هو الاساس في رفض هؤلاء لفكرة ولاية الفقيه دينياً، لانهم لاحظوا انها فكرة جديدة لم يكن لها عين ولا أثر ما قبل النراقي استاذ الشيخ الانصاري وهذا معناه تضعيفاً في الفكرة وقيمتها.

والمشكلة الاخرى هي ان انصار فكرة ولاية الفقيه بذلوا جهوداً حثيثةً لتأكيد ماضيها التاريخي الممتد حتى أبو الصلاح الحلبي (م 447هـ) والمفيد (م 412هـ) وغيرهما([52])، وهم بذلك (ودون أن ننكر ضرورة قراءتهم هذه) قد وقعوا في نفس السياق الفكري الذي جرّهم إليه رافضوا ولاية الفقيه.

وفي تقدير الكاتب هذا نوعٌ من تمثّل روح الاجماع في الموضوع، فلنفترض ان ولاية الفقيه لم يلحظها احد من الفقهاء، ولنفترض انها لم تدخل مخيالهم العلمي، هل هذا معناه ان الفكرة غير اسلامية؟ ما هي الملازمة بين الأمرين الا ادخال الاجماع (بمعونة مناهج الاحتمال والقراءة التاريخية) في الحكم هنا؟ اذا دل النص القرآني أو الروائي وكانت دلالته ومصدره ثابتين من ناحية علمية فإن عدم وجود قائل بالنظرية لا يعني الغاء الدلالة بقدر ما يطالب متبنّي النظرية بإبراز تفسير منطقي لعدم التفات الآف العلماء لها، وابراز تفسيرات منطقية لعدم التفات العلماء لفكرةٍ امرٌ صار أكثر سهولة لمن يطلع على فلسفة العلم وعلوم من قبيل علمي النفس والاجتماع.

ولا نريد ان نقول بأنه لا قيمة اصلاً لعدم التفات العلماء السابقين، ذلك أن اجماعهم على تفسير معيّنٍ لنصٍّ ما مع كونهم أقرب إلى عصر النص قد يبعد عن الانسان حالة الطمأنينة أو حتى الظن بالتفسير والاستظهار الذي يملكه هو من النص نفسه([53])، وسقوط قوّة الكشف في الاستظهار يعيق لدى هذا الباحث اكتشاف المراد الجدّي والمقصود النهائي أحياناً، وان كانت تختلف وتتخلّف، اذن لا نريد نفي دور التفات أو عدم التفات السابقين، بل نريد ان نقول بإن مساحة هذا الامر اضيق مما نتصوره، وتفسير الموقف القديم يمكن وضعه في كثير من الحالات بشكل اقل صعوبةً ممّا يتصوّره البعض، دون أن ندخل في تحديد هذا الامر على مستوى نظرية ولاية الفقيه نفسها.

المثال الثاني: فكرة التساهل والتسامح التي يرى الدكتور محمد اركون بأنها لم تكن موجودة في المخيال الديني العام، وبالتالي فهي مقولة شديدة الحداثة وعلى قطيعة كبيرة مع الموروث والتراث الفكري والحضاري الاسلامي([54]).

والذي يبدو من قراءة موقف الدكتور اركون حول هذا الموضوع هو أنه اعتمد الوعي العام اساساً في حكمه هذا، وبالتالي فقد احدث نوعاً من الملاصقة ما بين المعطى الديني والوعي الديني (المتشرّعي) العام، وهي مماهاة يعتمد فيها اركون على اسس في المنطق التاريخي لا محل لبحثها هنا.

والشيء الظاهر هنا هو ان الدكتور اركون اعتبر الفهم العام والتاريخي للنص هو غاية هذا النص، ومن هنا لما لم يجد في المخيال العام فكرة من قبيل التساهل والتسامح أو التعددية الدينية نفي دينية الفكرة، وهذا استخدام عكسي لمنطق الاجماع، يختلف مع الاستخدام الكلاسيكي له في الطريقة فقط بيد انه يلتقي معه في الروح والجوهر، أي الاعتقاد باصالة التاريخ والتاريخي.

وهذا الرفض لمقولة الدكتور اركون يفترض انه يبنى من طرف الرافض على سلسلة من المصادرات القبلية في الموقف من النزعة التاريخانية، وفي الموقف من النص الديني (وخصوصاً القرآني) ومدى التشابه والمحاكاة من جهة والمخالفة والامازة من جهة اخرى بينهما، كما يبنى على تحديد الموقف أيضاً من اتجاهات هرمنيوطيقية حديثة لا مجال لدراستها هنا، وهو موقف يشبه إلى حد معين الموقف المنهجي من بعض أسس افكار الدكتور عبدالكريم سروش([55]).

النقطة الرابعة: ان الموقف من الاجماع ليس شاملاً، ولا يعني رفض منطق الاجماع افتقاده العلمية والمنهجية، فقد تمت صياغة الاجماع صياغات متطوّرة في علم اصول الفقه سيما عند الشهيد محمد باقر الصدر الذي اقام قراءته للاجماع وما يقرب منه على حساب الاحتمال الرياضي([56])، ومن هنا فالصيغة النظرية للاجماع ـ خصوصاً وفق تصويرات السيد الصدر ـ ودليليته وحجيته المنطقية يمكن الموافقة على صحتها حتى لو اجريت تعديلات شكلية أو طفيفة عليها، لكن المشكلة الاساس في الموضوع تكمن في البعد الميداني الذي يعايشه المتكلم أو الفقيه أو المفسّر، والسبب في ذلك هو تحديد قيمة احتمال المفردة، ذلك ان تحديد درجة القيمة الاجمالية لرأي كل فقيه أو متكلم هو النقطة التي تمثل ـ سيما في العصر الراهن ـ مركز الخلاف الجوهري بين انصار منطق الاجماع ومعارضيه، فانصار منطق الاجماع يرون القيمة عاليةً وفق تصويرات تقييمية لكل فقيه أو متكلم فيما يرى المعارضون ان هذه القيمة أضعف من ذلك بكثير مما يعطي حاجة أكبر إلى المزيد من العوامل الكمية والكيفية لمضاعفة قوة الاحتمال والكشف.

وهذا الخلاف الميداني في تحديد قيمة احتمال المفردة هو ـ على ما يبدو ـ اساس الخلاف الموجود حالياً، فالمناصر يقيّم موقف الشيخ الطوسي مثلاً كفقيه شيعي أو كمتكلم شيعي تقييماً في غاية الرفعة بحيث يشكل عنده مثلاً درجة العشرة في المائة او العشرين في المائة، وهذا التقييم لا تبتعد عنه الحالات والمواقف النفسية التي تأتي للانسان عن طريق الذهول والاعجاب بالاشخاص والشخصيات، أما الرافض فهو تأثراً بنزعات التحديث يرفض الشخصانيات ويرى الاشخاص اقل إبهاراً مما هم عليه، وهو ما يجعل من قيمة آرائهم عنده أضعف نسبياً.

ولا نريد ان نخوض تحديد أي المنطقين صحيح وأيّهما خاطىء، وان كنا نميل إلى الموقف الرافض دون التورّط بحالات افراط أو تقزيم، لكن ما يهمنا التأكيد عليه هو ان منطق الاجماع حتى لو تمت الموافقة عليه نظرياً يعاني من مشكلات ميدانية لا يمكن التغاضي عنها أو تجاوزها بسهولة من قبيل المشكلة التي تمّت اثارتها أو من قبيل مدركية الاجماع([57]) التي قد لا يخلو اجماع منها أو من احتمالها.

لا يتسنى لدارسي للعلامة الطباطبائي في كل أو أكثر جوانب شخصيته العلمية ان يغضوا الطرف عن النزوع العرفاني الشديد عنده، فقد طفحت كتبه ـ وبإسلوب يمكن القول بانه لم تعهده النتاجات العرفانية ـ بالمطالب العرفانية على مختلف الاصعدة، ففي “الميزان” ومجموعة مؤلفاته وحواراته توجه عرفاني واضح مثلت رسالة الولاية ولبّ اللباب نموذجين بارزين منه([58]).

والعرفان منهج وطريقة تعتمد القلب والشهود اساساً للنشاط، ويستهدف العرفان معرفةً من نوع آخر (اذا صح التعبير انه يستهدف معرفة ولم نقل شيئاً أرقى) ويسعى العارف إلى كشف الحقائق مبتعداً قدر الامكان عن اللغة وازماتها ومصاعبها، ويرى ان اهدافه قابلة للتحقق حتى لو لم يتمكن من تقديم نتاجاته بأي لغة من اللغات لانه يسعى لتجاوز اللغة في نشاطه حتى اللغة ما بين الذهن وذاته، ومن هنا تتسم المسيرة العرفانية بافتقادها وسائط التخاطب الكلاسيكية أي اللغة والعرض العلمي، وتعتمد (وكلامنا حول روح العرفان الذي هو العرفان العملي) اساليب تخاطبٍ أخرى ليس محلها هنا.

وكما يقول الشهيد مرتضى مطهري فإن صدر المتألهين قام بعمل فلسفي جبّار وملفت حينما توصل بالعقل الفلسفي إلى نتائج كان يحدّث عنها العرفاء بقلوبهم دون ان تكون مفهومةً لأحد بل كانت مستقبحةً لدى البعض.

اذن الانسان العارف ـ والطباطبائي كما تحكي شهادات العديدين من أهل الفلسفة والعرفان عارف شامخ ـ لا يتعامل مع اللغة، ونحن نريد من هذه النقطة بالذات قراءة ثلاثية الحديث والعرفان والكلام عند الطباطبائي.

ثمة تساؤل كبير عن غنوصيّة وهرمسيّة العقل الشيعي اثارته مجموعة دراسات وشخصيات بدءاً من بعض الباحثين كالدكتور كامل مصطفى الشيبي وغيره وصولاً حتى الدكتور محمد عابد الجابري، فهناك من يرى العقل الشيعي سواء كان اسماعيلياً أو اثنا عشرياً عقلاً هرمسياً، بل ان الدكتور محمد عابد الجابري يذهب أكثر في الحديث عن اللامعقول الشيعي حينما يرى بأن الاسماعيلية قامت بتقديم تصوّر تنظيري فلسفي بزعامة أبو يعقوب السجستاني عن لامعقولها، أما الامامية الاثنا عشرية فقد اغرقت حينما اعتمدت النص أساساً دون ان تملك تنظيراً فلسفياً لهرمسيتها ونزعاتها الباطنية، التي يرى الجابري انها تقيل العقل وتجمد دوره([59]).

هذا التصوّر للعقل الشيعي ينطلق الجابري إليه من خلال مجموعة تصوّرات شيعية يراها تتمحور في مقولة النبوة / الولاية، ويعتقد الجابري ان البيانيين قاموا بالعبور من اللفظ إلى المعنى في مقولة اللفظ / المعنى، أما الشيعة (التيار الباطني) فهم يعكسون القضية حينما ينطلقون من الولاية التي هي باطن النبوة إلى النبوة نفسها([60]).

ويعتقد الجابري بأن العرفان الشيعي هو جوهر ولب العقل الشيعي، ولهذا فإنه يشن حملة نقدية على العقل العرفاني منتقداً العقل الشيعي الهرمسي، معتبراً الفصل ما بين العقل / الفلسفة / المنطق وما بين الشيعة / العرفان / الهرمسية مصادرة أولية من خلال فهمه واستنتاجه الخاص.

لا نريد الخوض في تحديد موقف من الدكتور الجابري في صحة وعدم صحة ما يراه في تفسير العقل الشيعي أو اللامعقول الشيعي بحسب فهمه له، كما لا نريد ان نعرف هل ان الشيعة كانوا كذلك أم ان الدكتور الجابري اخطأ في استقصائه التاريخي؟ هل أن التشيع افتقد النـزعة العقلانية وغرق في لا معقوله كما يقول الجابري أم ان الجابري غيّب تيار الكلام والعقل عند الشيعة من المفيد والصدوق (على قولٍ لا يجعله محدّثاً محضاً) والمرتضى والطوسي والعلامة الحلي وكاشف الغطاء وغيرهم، ومن ثم اعطى انطباعاً بأن الاسماعيلية هي التي قامت بدور التنظير الفلسفي للهرمسية الشيعية انطلاقاً مما يسميه مبدأ المماثلة فيما اكتفت الاثنا عشرية باعتماد النص؟ وإذا كان ثمة لا معقول في العقل الشيعي فأين يكمن؟ وهل أصابه الجابري أو أخطأه؟…

والشيء المنهجي الذي يفترض عدم تجاوزه هنا هو ان الاثنا عشرية ترى النص متواصلاً إلى عام 260 أو 330 للهجرة تقريباً بسبب اعتقادها بالأئمة الاثني عشر، وهذه الخصوصية تستدعي تفسير الغياب التعقلي التحليلي القائم على تخمينات العقل وافتراضاته عن الساحة الشيعية ولو بدرجة من الدرجات، واستدعاء هذا الجانب التعقلي من النص الديني نفسه الذي تعتقد به الشيعة، أي نصوص الأئمة (ع)، ولا يحق لنا تغييب هذه النصوص من قراءتنا والعودة الى شيعة القرون الاولى فقط من غير المعصومين، ومن هنا كان لابد منطقياً حتى تتم القراءة المتوازنة بين الأطراف جميعاً من مقارنة الحياة الثقافية الشيعية بما بعد ما تراه الشيعة غيبة للامام الثاني عشر عندها اذا اردنا ان نستبعد نصوص أئمة الشيعة أنفسهم، وهذه المقارنة ستعطينا نتيجة ملفتة في النموّ العقلي المطرد عند الشيعة عقب ما تسميه الشيعة بالغيبة الكبرى بل في مرحلة الغيبة الصغرى أيضاً.

وامام هذا الموقف من العقلانية الشيعية (بحسب تسميتنا) نجد نقاط نراها هامة عند العلامة الطباطبائي تصب في هذا الاطار، أي اننا سنأخذ مقولة الدكتور الجابري أو بتعبير أدق بعض مقولته حول الشيعة لتكون بمثابة نقطة التحليل للعلامة الطباطبائي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى سنرى ـ وبعيداً عن الموقف النهائي من العرفان العملي والنظري ـ العقلنة الشيعية للعرفان منطلقين في نموذج منها فقط هو العلامة الطباطبائي، وسنحتمل ان الصيغ الغامضة للتفسير الشيعي للعالم قد تكون تعبيراً عن الغموض الطبيعي للعرفان وبالتالي فينبغي أن تكون المحاكمة للمعقول واللامعقول، للعقلانية أو للهرمسية أو … انطلاقاً من التفسير العقلي للعرفان والذي ظهرت صوره المنتظمة في مرحلة متأخرة على ما يبدو كما هو الحال في مجمل الفكر الديني حتى غير الاسلامي.

ووفقاً لذلك سوف تحضر معنا هنا مقولة عقلنة العرفان الشيعي الى جانبها ظاهرة الحديث الشريف كما يراهما العلامة الطباطبائي، وبعبارةٍ أخرى، كيف ينظر العلامة الطباطبائي الى الحديث الكلامي؟ وهل يراه عقلنةً للعرفان الشيعي والتصوّر الشيعي الفلسفي للعالم والانسان أو الحياة أو أن العلامة يوافق الجابري في اللامعقول الشيعي ولو كصورةٍ مجملةٍ في تلك الحقبة الزمنية؟

يرى العلامة الطباطبائي في حواره مع الدكتور هنري كوربان وفي مواضع اخرى من نتاجاته ان التفكير الفلسفي التعقلي كان موجوداً عند الشيعة منذ زمن الائمة بل منذ زمن الامام علي (ع) بالتحديد، ويعقد العلامة الطباطبائي رسالة ملحقة يوجهها إلى كوربان تتعلق تحديداً بهذا الأمر يفرد فيها فصلاً تمّت عنونته بـ “التفكير الفلسفي في نصوص أئمة الشيعة”([61])، كما يؤلّف رسالةً خاصةً تحت عنوان علي والفلسفة الإلهية([62])، ويعتقد الطباطبائي ان ثمة كثرة من النصوص الواردة في هذا الاطار يراها واضحة للمتتبعين، ومن هنا فهو يقتصر على ذكر مجموعة من النصوص تبلغ العشرين نصاً يعود ستة عشر نصاً منها إلى الامام الاول علي (ع)([63])، وفي تحليله هذه النصوص كما وفي فرزه لها فرزاً فلسفياً بعد ذلك يرى العلامة انها تتصل بامهات مسائل العقل والتعقل كقضية وجود الله تعالى، ووحدانيته، وصفاته، وعينية الصفات للذات، وعلم الحق تعالى بذاته، وبالاشياء، ومسألة ان الحق معلوم لكل شيء، وقضية القدرة، والصفات السلبية، والفعلية، والقضاء والقدر وغيرها([64])، ويعتقد العلامة ان هذه النصوص تنطوي أيضاً على تنظيم طرائق الاستدلال، بل يرى ان ثمة اصطلاحات ادرجت في النصوص لم يكن لها سابق تداول بين العرب، ويرى في هذا الأمر نقطة تقدّم لصالح هذه النصوص([65]) (والحال ان نمط التعاطي الحالي مع ظاهرة كهذه هو نمط عكسي تماماً، اذ تؤخذ ظاهرة الاصطلاح هذه مؤشراً على وضع الاحاديث في الحقبات اللاحقة([66]) ما بعد ظهور الفلسفات الاخرى في العالم الاسلامي وشيوع الترجمة، ولا يهمنا فعلاً تحديد موقف)، لكن ما يثير بشكل ملفت هو ان العلامة يرى في هذه النصوص والوثائق مجموعة من الموضوعات والافكار والبيانات التي لم يكن لها عين ولا أثر لا في الوسط الاسلامي في تلك الحقبة بل ولا في الوسط الفلسفي السابق على الاسلام كما في الفلسفة اليونانية والذي تمت مطالعته بعد عصر الترجمة “من قبيل الوحدة الحقة في الواجب وان ثبوت الوجود الواجبي هو نفس ثبوت وحدته، ومسألة ان الواجب معلوم بالذات وان الواجب يعرف بنفسه بلا وساطة وان جميع الاشياء تعرف بالواجب لا بالعكس… ونظائر هذه المسائل”([67]) وهذه الموضوعات ظهرت واكتسبت صيغة الحل وأضحت مفهومة عند الطباطبائي في القرن الحادي عشر الهجري، ومقصوده بعد ظهور الملا صدرا وتأسيس الفلسفة المتعالية.

وهذه الفكرة من العلامة الطباطبائي تجد نفسها فيما يراه الشيخ الشهيد مرتضى مطهري في بعض دراساته من ان الفلسفة الارسطية واليونانية لم تكن تملك في قضايا الوجود ومباحثه العامة سوى مسألتان فقط هما بداهة مفهوم الوجود واشتراكه المعنوي فيما تضاعفت قضايا الوجود وعشرات المرات مع الفلسفة الاسلامية في محاولةٍ من المطهري لرد المقولة القاضية بانه لا فلسفة اسلامية (فضلاً عن عربية) وانما ترجمةً واعادة صياغةٍ للفلسفات الاخرى سيما اليونانية([68])، وبعض المطالب التي اشار اليها العلامة الطباطبائي يبدو انها ترتكز على مقولات جاءت متأخرةً عن العصور الاولى خصوصاً موضوع أصالة الوجود.

وفي تحليل الطباطبائي للنصوص (وهو تحليل لا نريد الخوض في محاكمته) يخرج الطباطبائي بسلسلة مترابطة غاية في الأهمية وفق الفلسفة المتعالية اختزنتها النصوص من قبيل اصالة الوجود ووحدته المشككة، واشتراكه المفهومي، والوجود المستقل والرابط، وان الوجود الرابطي عين الربط، ومقولتي الامكان والوجوب([69]).

هذا التصوّر للعلامة الطباطبائي يقف بالضبط قبالة تفسير وتحليل الدكتور الجابري، لان هذا التصوّر يرى عقلنة الفكر الشيعي ظاهرةً أصيلةً، أي أنه يقول بأصالة العقلانية في هذا الفكر ومنذ مراحله الاولى مع الامام علي بن أبي طالب (ع)، وهي فكرة تقف على الطرف الآخر لما يراه الدكتور الجابري من اللاتنظير الامامي لقضايا العرفان الشيعي، فإذا كان هذا هو العرفان الشيعي فإن العلامة يراه قد دخل مرحلة التعقلن منذ بداياته، بل اذا اردنا ان نرتقي اكثر في عملية التحليل سنجد ان موقف العلامة الطباطبائي يصب في صالح القول بمصاحبة العرفاني والعقلي والكلامي كل من موقعه مصاحبةً تاريخيةً على صعيد التراث الشيعي، وهذا هو ما يريده الطباطبائي، لان العلامة ـ كما مرّ معنا ـ لا يرى الحجية المنطقية للنص في زوايا الكلام والامور العقلية، وهذا معناه ان استحضاره هذه النصوص للدكتور كوربان ـ وكما تشهد به سياق المحاورة معه ـ كان الهدف منه تقديم قراءة تاريخية للفكر الشيعي تصب في صالح العقل والفلسفة من جهة وفي صالح عقلنة وعقلانية هذا الفكر (أي الشيعي) من جهة أخرى.

هذه المنظومة من الافكار تمنحنا يقيناً بوجود علاقة في غاية الحميمية بين العرفان والكلام عند العلامة (“العرفان” هنا لان افكار الامام المعصوم عند العلامة كشيعي هي افكار تنتمي وفق التفسير العرفاني إلى العرفان سواء سميت وحياً أو الهاماً أو علماً غيبياً أو.. ونعبر بالعرفان أيضاً انسجاماً مع التعبير الذي استخدمه الجابري، و”الكلام” هنا لان هذه القضايا امور تخص اصول الاعتقادات فلا مجال لفصل الكلام عنها، ومن هنا سيجد القارىء نوعاً من التسامح في استبدالات كلمات الكلام / العقل / العقلانية / الفلسفة، لأن جميعها واحد هنا تقريباً، وبالتالي ليس ثمة عدم محرمية بين هذين الاتجاهين، بل هناك تكامل بينهما ليكون الكلام والفلسفة لغة العرفان العملي الذي لا يملك لغةً ان صح التعبير.

وبهذا نخلص إلى ان العرفان العملي الشيعي في تصّور العلامة فضلاً عن تجربته قد تمت صياغته كلامياً وفلسفياً بصورة متطوّرة منذ المراحل الاسلامية الأولى، فضلاً عما بعد الاجيال الكلامية الاولى لا سيما بعد الشيرازي.
4 ـ موقف الطباطبائي من ظاهرة الحديث

ما هو موقف العلامة الطباطبائي من علم الحديث والمحدثين، وبالاساس من ظاهرة الحديث؟

الذي يراه العلامة الطباطبائي ـ بعد احترامه موقعية الحديث الشريف عن المعصومين (عليهم السلام) ـ أن ثمة علاقة معينة بين الممارسات القمعية للسلطة وبين تعاظم دور الحديث والمحدثين لدى الصحابة والتابعين، اذ يفهم من سياق كلام العلامة في هذا الموضوع انه يرى بأن تضاؤل حرية البحث وقمع حركة النقد والتحرّر، والاعتقاد ببدعة البحث في اصول الاعتقادات نظرياً وعقلياً([70])، وبعد ذلك القضاء على تيار الاعتزال الذي يراه العلامة الاستثناء الوحيد على ما يبدو في عالم الجمود واللانقد كل ذلك ساهم في تعزيز موقعية الحديث وتحوّل الصحابة ومن بعدهم من المحدثين إلى مصادر للعلم والتربية([71])، ولا يرى العلامة مشكلةً في اساس مرجعية الحديث والمحدثين بيد ان لب المشكلة عنده هو في مجموعة عوامل احاطت بالحديث (الذي اصبح مرجعية هو والمحدثين به) وضعت الفكر الاسلامي عموماً في مأزق، إذ ان شيوع ظاهرة الحديث ومرجعية المحدّث صاحبته سلسلة من الامور المقلقة والتي تقف على رأسها ظاهرة افتقاد الصحابة (وبشكل عام على حد تعبير العلامة) لروح البحث التحقيقي([72])، ومعنى هذا الافتقاد ودلالته هنا فيما نخمّن انه رأي العلامة هو تبلور مرجعيات اشبه بالببغائية، وهو ما يترك اثره على مجمل الفكر الديني عموماً.

وإلى جانب تلك الخصوصية في الصحابة انفسهم بما هم محدثين، كان منع السلطات للبحث النقدي وحظرها التدوين، وظهور الوضاعين من مندسي أهل الكتاب عوامل ساهمت على وضع مرجعيات غير حقيقة وغير مناسبة، ومن هنا يرى العلامة عنصراً سلبياً في ظاهرة “اقبال عموم المسلمين على الحديث والمحدثين باكثر ما تستلزمه الحاجة الحقيقية”([73])، وهذه النقطة هي اكثر الموضوع حساسية في قراءة موقف العلامة من ظاهرة الحديث، فالعلامة فيلسوف عقلاني من جهة وعرفاني شهودي من جهة اخرى لا يمكنه ان يقبل مرجعيات شاملة من هذا القبيل تقف على حساب العقل والشهود، وتعاظم الدور الحديثي المتقدّم هذا ادى في نهاية المطاف ـ كما يراه العلامة ـ إلى تجاهل قاعدة العرض على القرآن الكريم، ومن ثم الاعتماد على حديث واحد في أية دعوى والقبول بأي موضوع “وان كان خرافياً بدلالة خبر واحد ويحسب في زمرة الحقائق”([74]).

ونتيجة لهذا الوضع التراجيدي المتفرّع عن ظاهرة الحديث في تصوّر العلامة يرى رحمه الله أن الحديث “بث حالةً من الجمود والركود في سائر العلوم الاسلامية، وكنتيجة لركود العلوم ـ بتأثير علم الحديث ـ اختفت حرية البحث النقدي المنفتح، وافتقدت العلوم فرصتها في النمو الحقيقي…”([75]).

فعلم الحديث تسبّب عن ضمور في حرية البحث والتحقيق وهي حرية تعني عند العلامة البحث التعقلي التنظيري الفلسفي، واطلاق العنان لمشاهدات ومكاشفات القلب الصافي، وعلم الحديث نفسه ساهم أيضاً في ركود العلوم فيما بعد، وبالتالي أحلّ مرجعيات فكرية في الفكر الاسلامي لم تكن ـ كما تقدم ـ لتستحق هذا الحجم المرجعوي الذي اكتسبته.

ومن مجمل هذا الموقف العام للعلامة الطباطبائي يتضح لدينا موقعية العقل والعقلانية من جهة، كما تبدو امامنا صورة واضحة عن مكانة النص الواقعي والظاهري، وبالتالي فالعلامة اراد صياغة علم الكلام (بل وربما مجمل الفكر الديني) صياغة فلسفية واقعية، ولم يكن ليرضى ببناء الكلام والاعتقاديات على اسس علم الحديث الذي كان له موقف متحفظ جداً إزاءه، وبالرغم من ان العلامة في بعض نصوصه كان يحاول مطابقة كلامه على الظاهرة الاسلامية العامة الأمر الذي يثير تساؤلاً عن مدى امتلاكه مواقف من هذا القبيل داخل الدائرة الشيعية، إلاّ أن نسق بَنيَنَة العلامة لأفكاره في هذا الموضوع لا تدع مجالاً جدياً للشك في أنه كان يؤصّل لمنهجية حقيقية شاملة سيما لعلم الكلام والبناء الاعتقادي، وهي منهجية وان لم تلغ دور النص ـ وهو ما لم يكن يريده العلامة إطلاقاً بل اعتبره نوعاً من التفريط([76]) ـ ولكنها كانت تهدف إلى بلورة سلم رتبي للمصادر المعرفية يتربع فيه العقل على العرش الفكري حينما لا يكون بالامكان تلمس الشهود الباطني من كل الناس.

ومن يقرأ العلامة في نظرته للتاريخ الاسلامي يجد ـ كمجمل الموقف الشيعي ـ تشاؤماً كبيراً من هذا التاريخ بحيث لايكاد الانسان يتردد في إضفاء العلامة طابعاً سلبياً قاتماً عليه، لكنه حينما يأتي إلى التاريخ الشيعي لا يتركه سليماً من نظرة التشاؤم هذه نتيجة التأثر بمدرسة الخلافة، بيد انه يرى فيه النور الذي استمر مرّ الايام دون ان ينسى الاعتزال الذي يراه استثناء في مسيرة الظلام الطويلة([77])، ومن هنا جاء نقد العلامة للمسار التاريخي العلمي الاسلامي نقداً يعتمد على اساسين، أحدهما البعد الطائفي الذي لم يغب عنه وثانيهما مرجعية العقل وحريته، والبعد الاول والثاني جعلاه يرى الشيعة من منظار مختلف لكن لا كلياً بل بعض الشيء، اما الاعتزال فهو حصيلة موقفه من البعد الثاني فقط.

ووفقاً لذلك نجد العلامة الذي هو عارف عرفاناً شيعياً رجلاً من الطراز الاول للعقليين المدرسيين الذي ربتهم مدارس الفلسفة والكلام الشيعي سيما مدرسة الحكمة المتعالية التي أسسها صدر المتألهين الشيرازي، وهذا معناه ان الفكر الشيعي وفق هذه المقارنة لم يكن هرمسياً وان كان العرفان ماداً وشائجه فيه([78])، كما لم يكن نصياً يسلب العقل حقه في التفكير وان جعل الكتاب والسنة ـ كما بقية المسلمين ـ اساساً من أسس الفكر الديني وملهماً من مصادر المعرفة الملهمة (وإن كنا نوافق على اشكاليات حادّة في العقل الديني تتصل بموضوعة النص بالذات، لكن وجود اشكاليات لا يعني صبغ العقل كلّه بصبغةٍٍ واحدةٍ)، فهذه القدرة الدمجية الموجودة عند العلامة (وقد كانت موجودة قبله) تعطي انباءاً واضحاً عن اللاهرمسية الشيعية اذ اردنا قراءة مجمل تاريخ الفكر الشيعي لنتمكن من أخذ العلامة كما الشهيدين الصدر (وان بدرجة اضعف نظراً لعدم وجود مشرب عرفاني واضح له) والمطهري نماذج اساسية للفكر الشيعي في النصف الثاني من القرن العشرين.

والشيء الغريب الذي يلحظ لدى مقارنة كلام الدكتور الجابري والعلامة الطباطبائي هو ان كل واحد منهما اتهم مدرسة الآخر (الشيعة ـ السنة) بنفس التهمة، ففيما اصر الجابري على نصية الاثنا عشرية وابتعادها عن النظر الفلسفي كان العلامة يرى في مدارس المسلمين ـ عدا المعتزلة ـ نفس الظاهرة وان بِلُغَتِهِ الخاصّة.

* * *

الهوامش:
________________________________الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، سلسلة محاضرات في الدين والاجتماع، رقم2، إحياء الفكر الديني وقيادة الجيل الشاب، ترجمة جعفر صادق خليلي، نشر مؤسسة البعثة، إيران، ص 45.
[2] – أنظر كتاب الشمس الساطعة، العلامة السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني، دار المحجة البيضاء، بيروت، الطبعة الأولى، 1997م، وهو كتاب مخصص لدراسة شخصية وأفكار العلامة الطباطبائي ومنها العرفانية بل من أهمها، ويمكن مراجعة الاصل الفارسي في كتاب “مهر تابان”، انتشارات علامه طباطبائي، الطبعة الثانية، 1417هـ، وانظر أيضاً الشيخ عبد الله الجوادي الآملي في “العلامة الطباطبائي … السيرة الفلسفية”، ضمن ملاحق كتاب رسالة التشيع في العالم المعاصر، ترجمة جواد علي كسار، نشر مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، إيران، الطبعة الأولى، 1418هـ ق.
[3] – أنظر شوارق الإلهام (مع حواشيه) للمولى عبد الرزاق اللاهيجي الفياض: 5، الطبعة الحجرية.
[4] – انظر القاضي عضد الدين الإيجي في المواقف في علم الكلام: 7، وانظر أيضاً نحوه في شوارق الإلهام(مع حواشيه): 5 ـ 9.
[5] – عبد الرحمن ابن خلدون المغربي، مقدمة ابن خلدون، دار الجيل، بيروت، ص507.
[6] – شرح المقاصد1: 165.
[7] – التعريفات: 80.
[8] – شوارق الإلهام: 5.
[9] – گوهر مراد: 42.
[10] – عبد الكريم سروش، قبض وبسط تئوريك شريعت، نشر مؤسسة فرهنكي صراط، الطبعة الرابعة، 1995م، ص 65 ـ 66 ، وهو ما يفهم أيضاً من بيان بعضهم لوظائف علم الكلام وغاياته، انظر على سبيل المثال، علي الرباني الگلبيگاني: ما هو علم الكلام، نشر مركز انتشارات دفتر تبليغات، قم، الطبعة الاولى، 1418 هـ.ق، ص38 ـ 40.
[11] – “في أصول الحوار وتجديد علم الكلام”، الدكتور طه عبدالرحمن، نشر المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، الطبعة الثانية، 2000م، ص 61 ـ 68، و”قبض وبسط تئوريك شريعت”، مصدر سابق: 76 ـ 77.
[12] – دروس في العقيدة الإسـلامية، الشـيخ محمـد تقي مصـباح اليزدي، نشر منظمة الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، 1988م، ج1: 6 ـ 7.
[13] – رسالة التشيع في العالم المعاصر، السيد محمد حسين الطباطبائي، مصـدر سابق: 114 ـ 115.
[14] – م، ن: 115.
[15] – أنظر فرائد الأصول، للشيخ مرتضى الانصاري (م1281 هـ)، ج1: 272 ـ 289.
[16] – أنظر الأرض والتربة الحسينية: 48 ـ 56.
[17] – فوائد الأصول، تقرير درس الميرزا النائيني، بقلم المحقق محمد علي الكاظمي، مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين، إيران، 1404هـ، ج3: 324.
[18] – مصباح الأصول، بقلم محمد الواعظ الحسيني البهسودي، تقرير درس السيد الخوئي، نشر مكتبة الداوري، قم، إيران 1408 هـ، ج2: 235 ـ 239.
[19] – انظر، الميزان10: 351، وراجع الموارد المتكررة في الميزان والتي تشير الى هذا المطلب، منها: 1: 296، و6: 57 و8: 62 و 66 و 141 و 261، و9: 211 و 212، و10: 349، و13: 353، و14: 25 و 133 و 205 و 207، و17: 174 و…
[20] – انظر موقف العلامة المضعّف فيما يخص روايات أسباب النزول في كتابه “القرآن في الإسلام”، ترجمة السيد أحمد الحسيني، دار الإسلام، الطبعة الأولى، 1999م، ص126 ـ 129.
[21] – يمكن مراجعة قسم البحوث الروائية من تفسير الميزان للعلامة، وهو كثير جداً في الميزان.
[22] – الاتجاه الفلسفي للعلامة الطباطبائي، حوار مع الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، مدرجٌ في ملاحق كتاب رسالة التشيع في العالم المعاصر، ترجمة جواد علي كسار، ص399 ـ 400، كما وانظر في ملاحق نفس الكتاب “العلامة الطباطبائي… السيرة الذاتية”، دراسة للشيخ عبدالله الجوادي الآملي، ص438 ـ 439.
[23] – انظر أسس الفلسفة والمذهب الواقعي، المقالة السادسة، وانظر حاشية الطباطبائي على الكفاية، الطبعة الحجرية، نماذج من هذا النمط عند العلامة ج1: 135 و ج2: 178 ـ 179 و 193.
[24] – انظر كنموذج تعليمي المنطق، الشيخ محمد رضا المظفر، مؤسسه مطبوعاتي اسماعيليان، إيران، الطبعة الثالثة، 1968م، ص351.
[25] – انتماء العلامة الطباطبائي إلى مدرسة الملاصدرا الشيرازي من الأمور الواضحة التي يدركها كل من يطلع على فكره وفلسفته، ولمزيد من التأكيد يراجع الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي في “الاتجاه الفلسفي للعلامة الطباطبائي”، مصدر سابق: 399.
[26] – راجع بصدد الموقف الأخباري كنموذج كتاب الحدائق الناضرة، للشيخ يوسف البحراني، ج1: 35 ـ 40 و ج9: 361 ـ 378، وانظر الموقف الاصولي واتجاهاته في كتاب بحوث في علم الاصول، للسيد محمود الهاشمي، تقرير درس السيد محمد باقر الصدر، ج4: 305 ـ 316، وانظر الشيخ محمّد رضا المظفر في أصول الفقه2: 99 ـ 112، نشر مكتب الإعلام الإسلامي للحوزة العلمية، قم، الطبعة الثانية، 1415هـ.
[27] – رسالة التشيع في العالم المعاصر، مصدر سابق: 115، وانظر “الشيعة، نص الحوار مع المستشرق كوربان”، ترجمة جواد علي، مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، الطبعة الأولى، 1416هـ ق، 90 ـ 91.
[28] – ورد مضمون هذا الحديث في سنن أبي داوود السجستاني الأزدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج4: 98، ح4253.
[29] – رسالة التشيع في العالم المعاصر، مصدر سابق: 116.
[30] – م، ن.
[31] – مباحث الأصول، السيد كاظم الحائري، تقرير درس الشهيد محمد باقر الصدر: ج2 ص93 ـ 97 و131 ـ 134.
[32] – رسالة التشيع في العالم المعاصر، مصـدر سابق: 116، وانظر أيضاً كتاب الشيعة: 82 ـ 83.
[33] – للحجية معاني ثلاثة هي:أ ـ الحجية المنطقية، وهي عبارة عن الضمان الذي يمنح اليقينَ الحقانيةَ والصوابية، وهو ما يجري البحث عنه في علم المعرفة.ب ـ الحجية التكوينية، وهي التحريك الذي يبعثه اليقين في نفس صاحبه، كتحريك اليقين بوجود الاسد الشخصَ الذي يحمل هذا اليقين نحو الفرار.ج ـ الحجية الأصولية، (نسبة إلى علم أصول الفقه) ويقصد بها ما يمثل عذراً للعبد أمام مولاه، وإلزاماً ـ وبحسب الاصطلاح ـ تنجيزاً لصالح المولى قبال العبد في عالم الآمر والمأمور وفي دوائر التشريع والإلزام.أنظر بهذا الصدد كتاب بحوث في علم الأصول، مصدر سابق، ج4: 27.
[34] – الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة اسماعيليان، قم، ج8: 62.
[35] – الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج16: 185.
[36] – الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج17: 13.
[37] – م، ن.
[38] – م، ن: 116 ـ 117.
[39] – م، ن: 117.
[40] – “في أصول الحوار وتجديد علم الكلام”، الدكتور طه عبدالرحمن، نشر المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، الطبعة الثانية، 2000م، ص 61 ـ 68، و”قبض وبسط تئوريك شريعت”، مصدر سابق: 76 ـ 77.
[41] – هذه الفكرة تجتاح أذهان الكثير من الباحثين العرب المعاصرين، وقبالها هناك من يرى أن القضية متأثرة بالموقف الغربي كما ينقل عن “دانتي” من أن نهاية فلسفة المسلمين كانت بموت ابن رشد، ذلك أن الغرب لم يعرف إلا ابن رشد وأمثاله لا من بعده ولا من بعُد جغرافياً عن الغرب، وعلى أية حال فيمكن لمزيد من الإطلاع على هذا الموضوع ـ سيما الموقف الناقد ـ مراجعة كتاب “ما بعد الرشدية، ملاصدرا رائد الحكمة المتعالية”، للباحث التونسي إدريس هاني، نشر مركز الغدير للدراسات الإسلامية، إيران، الطبعة الأولى، 2000م، سيما المقدمة: 7 ـ 14.
[42] – مجلة الفكر الإسلامي، العدد العاشر، 1416هـ، مقال: “واقع الدرس الفلسفي في الحوزة العلمية” الشيخ عبدالجبار الرفاعي، ص126 ـ 131.
[43] – انظر بصدد الدور التطويري الذي لعبه العلامة الطباطبائي في علم الفلسفة الشيخ عبدالله الجوادي الآملي في “العلامة الطباطبائي… السيرة الفلسفية”، مصدر سابق: 448 ـ 465.
[44] – رسالة التشيع في العالم المعاصر، مصدر سابق: 117.
[45] – م، ن.
[46] – م، ن.
[47] – أنظر مجلّة أصداء، إيران، العدد 7 و 8، مقالة “التاريخ العلمي الديني”، حيدر حب الله، ص 128 ـ 152.
[48] – شرح المنظومة، الشهيد مرتضى مطهري، ترجمة عبدالجبار الرفاعي، مؤسسة البعثة، إيران، الطبعة الأولى، 1413هـ ق، ص67، وانظر المصدر الفارسي في مجموعه آثار9: 63، استاد شهيد مطهري، شرح مبسوط منظومه1، نشر انتشارات صدرا، إيران، الطبعة الأولى، 1995م.
[49] – رسالة التشيع في العالم المعاصر، مصدر سابق: 118.
[50] – راجع بحوث في علم الأصول، مصدر سابق، ج4: 321 ـ 325، وكفاية الاصول، مصدر سابق، ص 336، وغيرهما من الكتاب الأصولية المعروفة.
[51] – من أبرز الذين طرحوا ونظّروا لولاية الفقيه ما قبل الإمام الخميني هو المحقق أحمد النراقي في كتابه عوائد الإيام، نشر مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، 1417هـ، العائدة 54، ص 529 ـ 582.
[52] – أنظر كنماذج كتاب حكومت ديني، الشيخ أحمد واعظي، نشر مرصاد، الطبعة الثانية، 1999م، ص 190 ـ 196، ومجلة كتاب نقد، العدد 2 و 3، حوار مع الدكتور عبد العزيز ساشادينا، ص28 ـ 60، ومجلة قبسات، السنة الثانية، العدد 5 و 6، 1998م، بيشينه تاريخي نظريه ولايت فقيه، أحمد جهانبزركي، وغيرها من الموارد.
[53] – ثمّة بحث في علم أصول الفقه تعرّض له الشهيد الصدر في بعض كتبه حول لعب الاجماع دوراً في فهم النص يقول الشهيد: “نعم، في هذه الحالة (أي ما إذا كان المجمعين مدرك) قد يشكّل استناد المجمعين إلى المدرك المعيّن قوّةً فيه، ويكمل ما يبدو من نقصه، ومثال ذلك ان يثبت فهم معنى معين للرواية من قبل كل الفقهاء المتقدّمين القريبين من عصر تلك الرواية والمتأخمين لها، فإن ذلك قد يقضي على التشكيك المعاصر في ظهورها في ذلك نظراً لقرب أولئك من عصر النص واحاطتهم بكثير من الظروف المحجوبة عنا” انظر دروس في علم الاصول، الحلقة الثالثة، القسم الأول ص217، الطبعة الاول 1978، دار الكتاب بيروت والقاهرة، وانظر أيضاً، بحوث في علم الأصول: 4: 316.
[54] – “قضايا في نقد العقل الديني، كيف نفهم الإسلام اليوم”، الدكتور محمد اركون، ترجمة وتعليق هاشم صالح، الطبعة الأولى، 1998م، دار الطليعة، ص229 ـ 271.
[55] – من قبيل القراءة الخارجية للدين، وموضوع المعرفة الأولية والمعرفة الثانوية، وأمثال هذه الأسس الفكرية التي انطلق منها الدكتور سروش في محاكمته للافكار وفي بَنيَنته لفكره الخاص، كما امتلأت به دراساته سيما نظريتي تكامل المعرفة الدينية والتعددية الدينية.
[56] – راجع بحوث في علم الأصول، مصدر سابق، ج4: 305 ـ 316، ودروس في علم الأصول، الحلقة الثانية، 171 ـ 175.
[57] – قسّم علماء أصول الفقه الإجماع إلى قسمين، إجماع تعبدي وأطلقوا عليه تسمية الإجماع الأعمى، ويقصدون منه ذلك الاجماع الذي لم يبدو لنا فيه ـ ولو احتمالاً ـ اعتماد المجمعين على دليل من نقل أو عقل، وقالوا إن هذا الاجماع هو القيمة والحجة، والآخر إجماع مدركي تبين لنا فيه ـ ولو احتمالاً ـ اعتماد المجمعين فيه على دليل كذلك، وهذا الاجماع لا قيمة له، لأنه ما دام ثمة مدرك ومستند رجعوا إليه في حكمهم فإن علينا النظر فيه نفسه وممارسة الاجتهاد فيه مثلهم، ولعلنا نوافقهم أو لا نوافقهم.
[58] – تعالج رسالة الولاية موضوع السلوك العرفاني من زاوية أولية، وتقرأ هذا المنهج قراءة جذرية تأسيسية، وهكذا تعالج دراسة “العرفان الإسلامي” المدرجة في مقالة الإسلام والأديان الأخرى للعلامة الطباطبائي هذا الموضوع، انظر كتاب “مقالات تأسيسية في الفكر الإسلامي” ترجمة جواد علي كسّار، مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، إيران، الطبعة الثانية، 1418هـ ق، ص61 ـ 72، أما رسالة لب اللباب فهي تمثل شرحاً لمسار السلوك العرفاني ومراحله بلغة مختصرة فيها نوع من التبسيط، أنظر “رساله لب اللباب در سير وسلوك أولي الألباب” تقريراً لدروس العلامة الطباطبائي بقلم العلامة السيد محمد حسين حسيني طهراني، الطبعة السابعة، 1417هـ ق، انتشارات علامة طباطبائي، إيران.
[59] – الدكتور محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، المركز الثقافي العربي، ص 327 و 331 ـ 332، وقد ركز الجابري بحثه حول الشيعة والهرمسية والعرفان في مواضع ثلاثة مؤلفاته هي الفصل العاشر من كتاب تكوين العقل العربي المعنون بعنوان: تنصيب العقل في الإسلام، والفصل الثامن من العقل السياسي العربي المعنون بعنوان ميثولوجيا الإمامة، والمصدر الآنف الذكر في كتاب بنية العقل العربي تحت عنوان النبوة والولاية العرفان الشيعي والزمن الدائري.
[60] – م، ن: 317.
[61] – السيد محمد حسين الطباطبائي، الشيعة:162، ولا أدري إذا ما كان هذا العنوان من صنع محققي أو مترجمي الكتاب أو أنه مما خطه قلم العلامة نفسه.
[62] – يعالج هذا الكتاب الموضوعات الفلسفية التي استنبطها العلامة الطباطبائي من كلمات الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وهو من الكتب الهامّة على هذا الصعيد.
[63] – م، ن: 164 ـ 189.
[64] – م، ن: 190 ـ 203.
[65] – مصدر سابق: 163.
[66] – ولهذا الأمر أمثلة كثيرة جداً، من قبيل كلمة ” قهرمانة ” الواردة في أحد النصوص المنقولة عن الإمام علي (ع) وهو ” المرأة ريحانة لا قهرمانة “، إذ يرى بعض الناقدين المعنيين بالحديث الشريف أن كلمة قهرمانة لغةٌ تركية، واللغة التركية دخلت الثقافة العربية في القرن الثاني الهجري، فكيف صدر نصٌّ كهذا من الامام الأول (ع) والمتوفّى عام 40 هـ؟ أي في النصف الأول من القرن الأول الهجري.
[67] – م، ن: 163.
[68] – شهيد مرتضى مطهري، مجموعه آثار، انتشارات صدرا، إيران، الطبعة الخامسة، 1997م، ج5، نظري اجمالي به سير فلسفة در إسلام، سيما ص26 ـ 32.
[69] – الشيعة: 192 ـ 193.
[70] – م، ن: 76.
[71] – م، ن: 76.
[72] – م، ن: 75 ـ 76.
[73] – م، ن: 77.
[74] – م، ن: 78 ـ 79.
[75] – م، ن: 80.
[76] – م، ن: 79.
[77] – م، ن: 76.
[78] – نتكلم عن العرفان هنا بعيداً عن الجدل في علاقته وعلاقة التصوّف العملي والنظري بالتشيع، وهو موضوع انقسم فيه الباحثون إلى رأيين يرى أحدهما ترابطاً شديداً وعميقاً بينهما ـ أي التشيع والتصوف أو العرفان ـ ومنهم الدكتور الجابري، فيما يرى الآخر تباعداً بينهما كالسيد هاشم معروف الحسني في كتابه “بين التصوف والتشيع”، وهو الرأي الذي يميل إليه التيار الفقهائي عادةً. * * *

2 تعليق

  1. يقول كاظم نور:
    2014-11-01 02:43:47 الساعة 2014-11-01 02:43:47

    المقالة مفيدة جدا

  2. يقول علي العراقي:
    2019-01-15 19:47:05 الساعة 2019-01-15 19:47:05

    بحث رائع ولكن الاشكالية التي نعتقد ان لها دورا كبيرا في فهم المقال بشكل كامل ..هو اننا نفتقد نقل النص من نفس الطباطبائي او غيره .. فلعل فهم الشيخ حب الله حفظه الله يختلف عن المقصود من فهم العلامة نفسه، فلو ينقل الاقتباس من كلامه ليكون أكثر دقة ..وعدم فرض الفهم القهري على النص الذي يجهله القارىء ..وجزاكم الله خيرا ..

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 36721641       عدد زيارات اليوم : 23992