تحدّثنا سابقاً عن التعليل النصّي وأهميّته، وانطلاقاً مما توصّلتُ إليه في هذا الموضوع، فقد قدمتُ اقتراحاً حول تدوين موسوعة إسلاميّة جديدة في علل الشرائع، وهو اقتراح رجوتُ ـ وما أزال ـ أن يلقى آذاناً صاغية.
إنّ كتباً سابقة دُوّنت في علل الشرائع، وقد تحدّثت حول هذه الكتب في الجزء الأوّل من كتابي (الاجتهاد المقاصدي والمناطي)، وكان من أبرز هذه الكتب إلى اليوم كتاب «علل الشرائع» للشيخ الصدوق (381هـ)، وقد تكلّمتُ عنه بالتفصيل من هذه الزاوية وشرحتُ بعض عناصر قوّته وضعفه.
غير أنّ هذه الكتب ـ ومنها كتاب الصدوق ـ لا تستوعب جميع نصوص العلل، فالكثير جداً من نصوص العلل لا وجود لها في هذه الكتب.
ومع الأسف يبدو أنّه لم يتمّ العمل منذ قرون على التوسّع في التدوين العللي النصّي؛ لهذا أقترح ـ للكشف الحقيقي عن هذه الثروة التعليليّة النصيّة التي تشكّل الجزء الآخر “المهمل” من وعينا للتشريعات، كما فصّلناه ـ الاشتغال على تدوين موسوعة «علل الشرائع» جديدة.
وهي تقوم على:
1 ـ جمع كلّ ما يتوقّع أو يترقّب دلالته ـ صراحة أو ظهوراً أو إشعاراً أو احتمالاً ـ على بيان علّة الحكم الأعم من العلل الثبوتيّة الملاكيّة، والعلل الإثباتيّة المناطيّة، بل حتى نصوص الفوائد والمضار ولو بغير صيغة التعليل.
2 ـ اعتماد مساحة واسعة في الرصد، وهو القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وأقترح أن تستوعب أيضاً النصوص التعليليّة التي طرحها أصحاب النبيّ وأصحاب الأئمّة؛ لما فيها من دور مساعد، نعم تعليلات العلماء فيما بعد تقلّ الحاجة إليها، وقد تصلح مشروعاً مستقلاً.
3 ـ اعتبار السنّة الشريفة إسلاميّةً، بمعنى اعتماد جميع الكتب الحديثيّة للمسلمين بمذاهبهم، من الشيعة بطوائفهم، والسنّة كذلك، والإباضيّة، وهكذا.
أعتقد بأنّ هذا العمل يمكنه ـ إذا تمّ توفيره مبوَّباً ومنظّماً ـ أن يوفّر مادّةً مهمّة توضع بين يدي الفقهاء والباحثين في مجال الدراسات الشرعيّة، عساها تخدم حركة الاجتهاد الإسلامي إن شاء الله تعالى.
نأمل أن تعمد الجهات أو المؤسّسات الإسلاميّة العلميّة للانطلاق بمشروعٍ إسلامي من هذا النوع يساعد في تكوين وعيٍ أفضل للتشريعات الدينيّة من خلال فهم حركة التعليل التي قدّمها القرآن الكريم والسنّة الشريفة معاً، والله من وراء القصد.
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 27 ـ 9 ـ 2022م