المعروف بين فقهاء الإماميّة هو الفتوى بنجاسة البول والغائط من كلّ حيوان له نفس سائلة ويكون في الوقت نفسه محرّم الأكل، وكذلك نجاسة المنيّ من كلّ حيوان له نفس سائلة سواء كان حلال الأكل أم حرامه.
وقد اختلفت المذاهب الأربعة في نجاسة المنيّ وعدمها، بعد إثباتها مبدأ نجاسة الغائط والبول، فقال فريق بنجاسة المنيّ وقال آخرون بالطهارة، وثمّة تفصيلات في هذا المورد، ويبدو لي أنّ بعضاً من الأدلّة المختلف فيها عند المذاهب الأربعة ـ وليس كلّها ـ قد لا ترجع لطهارة المنيّ، وإنّما لكيفيّة تطهيره، فتصوّر بعضٌ أنّ اختلاف كيفيّة التطهير عن سائر النجاسات، وفقاً لما جاء في الروايات والأحاديث، تعطي عدم النجاسة، ولا نريد الإطالة.
والذي توصّلتُ إليه هو نجاسة الغائط والمنيّ من الإنسان مطلقاً، أمّا سائر الحيوانات ـ عدا الكلب والخنزير ـ فالأمر فيها محلّ تأمّل شديد، بصرف النظر عن حكم أكل أو شرب هاتين المادّتين من الحيوانات:
فأدلّة نجاسة المنيّ إن لم نقل بأنّ ظاهرها الحديث عن منيّ الإنسان خاصّة، فلا أقلّ من أنّه من الصعب العثور على إطلاق معتبر فيها يشمل غير الإنسان، وإن حاول بعضٌ تكلّفَ ذلك من بعض الروايات مثل خبر محمّد بن مسلم.
أمّا الغائط والمدفوع، فرغم إقرار بعضٍ بعدم وجود دليل لفظي معتبر على نجاسته في غير الإنسان، وأنّ الروايات كلّها تقريباً تتكلّم عن البول دون الغائط، وأنّ الدليل الأساس هو الإجماع وأمثال ذلك، لكنّ بعض الفقهاء حاول الاستناد لبعض الأدلّة القابلة للنقاش، فتارةً جَمَعَ نصوصاً تفيد نجاسة غائط الإنسان ـ وهو مفروغ منه ونوافق عليه ـ وأخرى نصوصاً تدلّ على نجاسة العذرة، مع أنّ العذرة كلمةٌ يتيقّن من دلالتها في اللغة العربيّة على غائط الإنسان، ولا يوجد ما يؤكّد في العربيّة شمولها لغيره إلا بقرينة، وهي غير موجودة في هذه الروايات عدا رواية آحاديّة واحدة، ثمّة نقاش أيضاً في مساحة دلالتها. وثالثة استند إلى الارتكاز المتشرّعي الذي لا يرى فرقاً بين البول والغائط في الحكم، لكنّه في تقديري ارتكازٌ غير معلوم في عصر النصّ، بل يحتاج لإثبات أنّه ليس وليدَ الفتاوى نفسها. ورابعة بعدم القول بالفصل بين مدفوع الإنسان ومدفوع الحيوان، وهو رجوع لمثل فكرة الإجماع المحتمل المدركيّة جداً هنا.. إلى غير ذلك من المناقشات التي ينجم عنها عدم بقاء دليل عدا شيء بسيط جداً من الروايات ضعيفة الإسناد والتي فيها نوع دلالة.
من هنا يترجّح بنظري القاصر ـ والله العالم بأحكامه ـ طهارة منيّ غير الإنسان، وأمّا نجاسة مدفوع غير الإنسان فمبنيّةٌ عندي على الاحتياط اللازم. وهذا كلّه بغضّ النظر عن النظريّة التي تقول بأنّ باب النجاسات والطهارات كلّه ليس راجعاً للتعبّد والاعتبار، وإنّما هو عين الاستقذار الخارجي العرفي، والشارع لم يؤسّس شيئاً، بل شرح موارد الاستقذار الخارجي وكيفيّة رفعه بحسب المتوفّر لهم آنذاك، وهو ما يذهب إليه الشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي (2006م)، في دراسة نُشرت له مترجمةً إلى العربيّة في العدد 30 ـ 31 من مجلّة الاجتهاد والتجديد، لعام 2014م. وأشرتُ لخلاصتها في كتابي المتواضع (إضاءات 4: 312 ـ 316، الطبعة الأولى، 2014م). وأقترح على الباحثين قراءة هذه الدراسة وتعميقها والتأمّل فيها وتقويمها سلباً أو إيجاباً، فإنّها إذا صحّت ستكون فتحاً يغيّر الكثير من فقه باب الطهارة والنجاسة. وشخصيّاً ما زلت في طور التأمّل والمراجعة فيها؛ لأنّ الموقف منها يستدعي دراسةً موسّعة لمختلف النصوص الحديثيّة والفقهيّة الواردة في أبواب الطهارات والنجاسات، بل وغيرها أيضاً، نسأل الله التوفيق والهداية لما اختُلف فيه من الحقّ بإذنه.
حيدر حبّ الله
الأربعاء 1 ـ 12 ـ 2021م