تناول الفقه الإسلامي ـ بعد اشتهار القول بحرمة الاحتكار فيه ـ موضوعاً مهمّاً، وهو ما هي الأشياء التي يحرم احتكارها وما الذي لا يحرم احتكاره؟ وقد تعدّدت الأقوال فيما يختصّ بمتعلّق الاحتكار أو ما يجري فيه الاحتكار، وأبرزها الآتي:
القول الأوّل: ما يظهر من بعض فقهاء الإماميّة، من اختصاص الاحتكار المحرّم بالغلات الأربع: الحنطة والشعير والتمر والزبيب فقط.
القول الثاني: ما يظهر من غير واحد من فقهاء الإماميّة أيضاً، من اختصاصه بالحنطة والشعير والتمر والزبيب مع إضافة السمن.
القول الثالث: ما يبدو من غير واحدٍ أيضاً من فقهاء الإماميّة، من الاختصاص بستة أشياء، وهي الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت.
القول الرابع: ما يظهر من بعض الفقهاء، من اختصاصه بالستة المتقدّمة عينها مع تبديل الزيت بالملح.
القول الخامس: ما يظهر أيضاً من بعض فقهاء الإماميّة، من جريانه في سبعة أشياء، وهي الغلات الأربع عينها مع الزيت والسمن والملح.
القول السادس: ما ذهب إليه جماعة من فقهاء الشيعة والسنّة، من شمول الحكم لمطلق الطعام والقوت، كما رآه أبو حنيفة ومحمد والشافعية والحنابلة.
القول السابع: ما نُسب إلى محمّد بن الحسن من الحنفيّة، من جريانه في القوت والثياب.
القول الثامن: ما ذهب إليه المالكيّة، وأبو يوسف من الأحناف، وبعضٌ قليل من متأخّري الإماميّة، من جريان الاحتكار في كلّ ما يحتاجه الناس ويتأذّون من احتكاره.
والذي توصّلتُ إليه ـ والعلم عند الله ـ هو صحّة القول الثامن، وهو أنّ مجال الاحتكار المحرَّم وموارده هو كلّ أمرٍ من طعام أو ثيابٍ أو غيرهما ـ كالطاقة على أنواعها ووسائل النقل وغير ذلك ـ ممّا يكون في احتكاره ضرر على الناس أو سلبٌ لحقّهم في الحاجيات الضروريّة بحسب زمانهم وعيشهم بحيث يتأذى المجتمع من ذلك. وأمّا تخصيص الاحتكار بأطعمة خاصّة كالغلات الأربع وأمثالها فلم يثبت. وأما إذا لم يلزم من الاحتكار شيء من ذلك فهو جائز حتى لو كان الاحتكار في الغلات الأربع.
بل قناعتي أنّ تحريم الاحتكار ليس حكماً شرعيّاً مستقلاً قائماً بنفسه، بل هو مجرّد تنزيل أو تجلٍّ للحكم الكلّي بتحريم إضرار الناس ـ بالمفهوم العام للإضرار ـ وإلحاق الأذيّة بأنواعها بهم، بعد تطبيق هذه المفاهيم على الإنسان الصغير (الفرد)، والإنسان الكبير (المجتمع)، معاً.
وقد بحثتُ هذا الموضوع في دراستي حول الاحتكار، والمنشورة في كتابي المتواضع: (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 3: 7 ـ 142، الطبعة الأولى، 2011م)، فراجع.
حيدر حبّ الله
السبت 5 ـ 2 ـ 2022م