وطء البهائم (بل مطلق ممارسة الجنس مع الحيوانات) من الظواهر التي تعتبر ابتلائيّةً في المجتمعات الزراعيّة وفي القرى والأرياف، بل وغيرها، ولها عمرٌ طويل يمتد لآلاف السنين في حياة البشر حسب بعض الدراسات التاريخيّة ووفقاً لمعطيات حفرية وآثار تمّ العثور عليها، بلا فرق بين الشعوب المتقدّمة أو غيرها وفق التصنيفات السائدة للعالم القديم والحديث. بل لقد درس العلماء هذه الظاهرة التي تسمّى اليوم بـ (البهيميّة)، من زوايا متعدّدة، منها الزاوية النفسيّة وتأثير ممارسة الجنس مع الحيوانات على كلّ من الإنسان والحيوان، ومنها الزاوية القانونيّة حيث حرّمت العديد من الأديان والقوانين الوضعيّة ذلك انطلاقاً من اعتبارات متنوّعة، ولكنّ بعض التيّارات الاجتماعيّة والسياسية في بعض البلدان تسعى لعدم حظر البهيميّة إلا في حالات إلحاق الضرر بالحيوان ونحو ذلك. وأحد المنطلقات الأساسيّة لديهم هو الرفق بالحيوان، لا سيما على قاعدة أنّ الحيوان لا يقدر على أن يُبدي موافقته أو معارضته لممارسة الإنسان الجنس معه.
وإلى جانب ذلك كلّه، ثمّة حالة مرضيّة وهي الزوفيليا (البهيميّة)، والتي تصيب الإنسان المضطرب لممارسة الجنس مع الحيوانات، إلى الساديّة التي تستخدم العنف في ممارسة الجنس مع الحيوان، مما درسه علماء النفس بالتفصيل.
وعندما نأتي للشريعة الإسلاميّة، يعتبر من الواضحات فيها حرمة وطء الحيوانات، لكنّ الفقه الإسلامي تعرّض لموضوع أبعد من ذلك أيضاً، حين تكلّم عن حكم الحيوان الموطوء من حيث حليّة أكل لحمه أو لا، وغير ذلك.
والمعروف بين الفقهاء ـ بل ادّعي عليه نفي الخلاف ـ أنّ الحيوان المحلّل الأكل بالأصل يحرم لحمه لو وطأه إنسانٌ، وأضاف كثيرون أنّه يحرم نَسْلُه ولبنُه. ولا فرق عندهم في الحيوان الموطوء بين أن يكون ذكراً أو أنثى، وسواء حصل الوطء في القبل أو الدبر، كما لا فرق بين كون هذا الحيوان مما يُطلب لحمه كالغنم أو ظهره كالحصان والحمار، ولا فرق في الواطئ بين كونه عاقلاً أو مجنوناً، عالماً أو جاهلاً، مختاراً أو مكرهاً، بالغاً أو صغيراً، حرّاً أو عبداً، أنزل أو لم يُنزل.
نعم، قيّد كثيرون الحكم بذوات الأربع، فلا يشمل الطيور، فيما عمّم آخرون. وتحفّظ بعضهم على حرمة النسل ولبن النسل فرأى عدم شمول الحكم لهما، واحتاط بعضهم وجوباً في اللبن والنسل.
كما ذكر الفقهاء أنّ الحيوان الموطوء لو كان يُقصد لحمه عادةً كالغنم وجب ذبحه، ثم إحراقه بعد موته، ويلزم الفاعل غرامة لمالكه إن لم يكن هو المالك، أمّا لو كان يُقصد ظهره كالحمار والحصان فيُنفى الحيوان إلى بلدٍ آخر، ويلزم بيعه لشخص غير المالك والفاعل.
هذا ما ذهبت إليه الإماميّة، ووافقها في حرمة اللحم غير واحدٍ من الحنابلة، ومحمّد بن الحسن وأبو يوسف من الأحناف، والشافعيّة في وجه، فيما ذهب إلى حلّية لحم هذا الحيوان أبو حنيفة والمالكيّة والشافعيّة دون كراهة، ونسب لأحمد القول بالكراهة.
والذي توصّلتُ إليه أنّه لو وطأ إنسانٌ حيواناً، فالأحوط وجوباً حرمة لحم و.. هذا الحيوان، والقدر المتيقّن هنا هو البهائم التي تكون مثل الشاة والبقرة والإبل والحمار والحصان ـ دون غيرها من الحيوانات البحرية والبريّة والجويّة ـ بلا فرق فيها بين الذكر والأنثى، وما يُتخذ للركوب وللأكل، وبلا فرق أيضاً بين كون الوطء في القبل أو الدبر، ولا بين الإنزال وعدمه. أمّا نسل هذا الحيوان ولبنه فالظاهر حليّتهما.
والمقدار المتيقّن هنا لمورد الاحتياط الوجوبي هي حالة كون الواطء رجلاً بالغاً، بلا فرق بين أن يكون حرّاً أو عبداً. كما أنّ وطء الحيوان للإنسان ـ ذكراً أو أنثى ـ لا يرتّب أيّ أثر شرعي على الحيوان. كما أنّ الجاهل والمجنون والمكرَه لا يترتب على وطئهم للحيوان أيّ أثر.
هذا على مستوى حرمة هذا الحيوان، وقد قال الفقهاء بلزوم ذبح هذا الحيوان وإحراقه أو بيعه خارج البلد، ولكنّ ذلك كلّه لم يثبت، بل اللازم هو قيام القاضي الشرعي باتخاذ إجراءات صالحة وعادلة ـ حسب الزمان والمكان والظرف والحال ـ يمكنها أن تردع الناس عن القيام بهذا الفعل.
وقد بحثتُ هذا الموضوع في كتابي المتواضع (فقه الأطعمة والأشربة 2: 266 ـ 280، الطبعة الأولى، 2020م)، فراجع.
حيدر حبّ الله
الخميس 20 ـ 10 ـ 2022م