تحدّث الفقه الإسلامي عن وسائل إثبات الجُرم، وفي مجال الزنا، تحدّثوا عن مدى ضرورة أن يكون إثبات هذا الجرم عبر رؤية بصريّة حسيّة مباشرة من قبل الشهود لعمليّة الدخول أو الإدخال. ورغم وجود بعض التشوّش في عمليّة فهم مقصود بعض الفقهاء، وعدم تعرّض بعض آخر منهم لهذا الموضوع أصلاً، لكنّ المتابع للتراث الفقهي يرى وجود ثلاثة آراء أساسيّة هنا:
الرأي الأوّل: ويذهب إلى اشتراط الرؤية البصريّة المباشرة لنفس الإدخال والإخراج أو للإدخال فقط أو للدخول، وهو المنسوب للمشهور، بل وللإجماع، بل قيل بأنّه أيضاً محلّ اتفاق المذاهب الفقهيّة السنيّة الأربعة.
الرأي الثاني: ويذهب إلى أنّ النقطة الجوهرية في مسألة الشهادة على الزنا ومصداقيّتها القضائية هو العلم الجزمي الذي يحصل للشاهد بفعل اطلاعه على ما يشهد عليه ولو من غير طريق الاطلاع البصري المباشر على عمليّة الإدخال نفسها، فهذا الوضوح الذي يملكه الشاهد نتيجة ذلك هو الذي يمنح القيمة لشهادته هذه. غير أن هذا الوضوح لابد أن لا يكون ناشئاً من عمليات تحليل أو محاسبات ذهنية صرفة، بل لابد أن ينبثق عن هذا الاطلاع الحضوري الحسّي لدى الشاهد، ومن ثمّ فالبصريّة ليست بالضرورة متعلّقة برؤية الإدخال نفسه، بل برؤية المشهد رؤيةً تعطي اليقين بوقوع الإدخال من خلال ملازماته وما يتصل به، بل يمكن حصول اليقين الحسّي من غير طريق البصر كاللمس.
وهذا الرأي هو ما ذهب إليه السيّد الخوئي وتابعه بعض تلامذته، ومن المبرّرات التي طرحها الخوئي هنا هو فقدان المعقوليّة التاريخيّة للرأي الذي ذهب إليه المشهور.
الرأي الثالث: وهو الذي يرى التفصيل بين الحدود؛ فحدّ الجلد لا تُشترط فيه المعاينة فيما حدّ الرجم يشترط فيه ذلك، وهو المنسوب إلى الشيخ الطوسي، بل يظهر من العلامة المجلسي الميل إليه.
والذي توصّلتُ إليه هو صحّة الرأي الثاني هنا مطلقاً.
ولمزيد توسّع، راجع بحث «الشهادة على الزنا بين المعاينة واليقين»، والذي نشر عام 2001م في مجلّة فقه أهل البيت، ونشر بعدها في كتابي المتواضع (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 1: 257 ـ 301، الطبعة الأولى، 2011م).
حيدر حبّ الله
الأربعاء 29 ـ 9 ـ 2021م