اتخذ مفهوم الجدال المصنَّف من تروك الإحرام في الحجّ، حيّزاً من النقاش في التراث الفقهي الإسلامي، ففيما ذهب مشهور فقهاء أهل السنّة، إلى أنّ المراد بالجدال الوارد في الآية الكريمة (البقرة: 197) معناه اللغوي، وهو النزاع والمخاصمة، رأى أكثر فقهاء الإماميّة أنّ المراد به قول: «لا والله، وبلى والله»، فكأنّ الجدال عندهم اتخذ معنى شرعيّاً جديداً، خرج به عن معناه اللغوي، فبعد أن كان يعني النزاع والخصومة لغةً، صار يعني شرعاً هاتين الكلمتين، سواء كان هناك نزاع وخصومة أم لا.
ومال بعض فقهاء الإماميّة إلى أنّ المراد بهاتين الكلمتين الإشارة لحرمة الجدال الشديد الذي يبلغ حدّ الحَلف، دون مطلق الجدال، فيما ذهب آخرون إلى حرمة الخصومة المرفَقَة باليمين خاصّة، دون أيّ خصومة. وربما يكون هؤلاء قد لمسوا وجود نوع من التناقض بين الدلالة اللغويّة القرآنية وبين النصوص الحديثيّة التي فسّرت الجدال بهذا المعنى الخاصّ غير الواضح لغةً، فأرادوا التوفيق بينهما، وقد رأينا هذا التوجّه الجديد قد ظهر بجديّة أكبر منذ بدايات القرن الثاني عشر الهجري وإلى يومنا هذا.
وتعتبر هذه المسألة ـ في تقديري ـ واحدة من البحوث الفقهيّة المرتبطة بتعيين شبكة العلاقة بين النصّ القرآني ونصّ السنّة الشريفة، وطبيعة السلطة القائمة بينهما.
والذي أراه هي حرمة الخصومة والجدال في الحجّ مطلقاً، وقع فيه حلفٌ أو لا، مع الاحتياط في مطلق الحَلف ولو من دون خصومة، فإنّ هذه الفريضة مطلوبٌ فيها حالة من السلام والوفاق والسكينة، فلا يجوز التخاصم والتشاجر والتجاذب والعنف اللفظي بين الحجيج، مهما كان الموضوع المختلَف عليه. أمّا الحوار الهادئ فغير مشمول للمفهوم. وبناء عليه لا حاجة للنقاش الموجود بين بعض الفقهاء حول اشتراط اللغة العربية في كلمة «لا والله، وبلى والله»، أو النقاش حول أنّه هل كلمة «لا» و «بلى» شرط أم يكفي الحلف بالله ولو من دونهما؟ أو التمييز بين كون الحلف صادقاً أو كاذباً، أو أنّ الحكم يشمل قولَ هاتين الكلمتين حتى لو لم يكن هناك أحدٌ تقال له هاتان الكلمتان أو لا؟ أو حرمة الكلمتين معاً أو حتى الاكتفاء بواحدة فتكون حراماً أيضاً، وغير ذلك.
ولمزيد مراجعة وتوسّع، راجع بحث «فقه الجدال في الحجّ، دراسة فقهيّة استدلاليّة حول مفهوم الجدال وأحكامه»، والمنشور ضمن كتابي المتواضع (بحوث في فقه الحجّ: 57 ـ 92، الطبعة الأولى، 2010م).
حيدر حبّ الله
السبت 18 ـ 9 ـ 2021م