يذهب الكثير من الفقهاء إلى أنّ سكوت البنت البكر في الزواج دليل على رضاها، لكنّهم انقسموا في تفسير وحدود هذه الفكرة، وذلك أنّهم لاحظوا وجود عدّة حالات:
1 ـ أن يقترن بسكوت البنت العلمُ أو الاطمئنان برضاها.
2 ـ أن تقوم قرائن توجب الظنّ برضاها مع سكوتها.
3 ـ أن يعلم ـ لسبب أو لآخر ـ بعدم رضاها واقعاً لكنّها سكتت.
4 ـ أن تقوم القرائن الموجبة للظنّ بعدم رضاها رغم سكوتها.
5 ـ أن لا تكون هناك أيّ قرينة أو مؤشر على رضاها وعدم رضاها، فليس هناك إلا السكوت نفسه.
6 ـ أن تتعارض الأمارات والقرائن التي تفيد رضاها والتي تفيد عدم الرضا.
وهنا انقسم الفقهاء، وأبرز الآراء اثنان:
الرأي الأوّل: إنّ السكوت حجّة تعبّداً، فيكتفى به في تزويج البنت في جميع الحالات المتقدّمة عدا الحالة الثالثة، إذ لا معنى لحجيّة السكوت مع قيام اليقين على عدم الرضا. وهذا الرأي ذهب إليه العديد من الفقهاء.
الرأي الثاني: إنّ السكوت الحجّة ليس سوى ذلك السكوت الذي يعتمده العرف والعقلاء في الكشف عن الرضا، وهذا يشمل الحالة الأولى والثانية معاً، لا غير. وهذا ما ذهب إليه السيّد كاظم اليزدي وتابعه الكثير من الفقهاء بعده إلى يومنا هذا، بحيث حملوا النصوص على أنّ السكوت كاشف عن الرضا انطلاقاً من حياء البنت بالكلام.
هذا، وتوجد تفاصيل في كلامهم لا يسع المقام توضيحها، لكن ما أفدناه هو توضيح إجمالي أوّلي.
والذي يترجّح بالنظر هو أنّ السكوت إذا صاحبته قرائن تفيد العلم أو الوثوق، أو كان بنفسه موجباً لحصول الوثوق بالرضا القلبي ولو لم تقم قرائن جانبيّة، كان حجّةً في إفادة رضا البنت والذي هو شرطٌ في تصحيح زيجتها، وإلا فلا عبرة بالسكوت، فالسكوت يتضمّن ظهوراً حاليّاً عرفيّاً في إفادة الرضا. وبهذا يتبين أنّ الحالة الأولى والثانية (إذا فهمنا من الظنّ القويّ الوثوقَ)، وكذا الحالة الثالثة لو كان السكوت بنفسه فيها موجباً للوثوق بالرضا الباطني، يمكن الأخذ بحجية السكوت. أمّا في غير هذه الحالات، فإنّ السكوت ليس بحجّة، إذ يمكن أن يكون السكوت مسبَّباً عن الخوف من الإفصاح أو عن الحياء أو عن غير ذلك.
وعليه، فلا يُعلم أنّ النصوص هنا بصدد التشريع التأسيسي لحجيّة تعبّديّة أو تأسيس حجيّة إضافيّة، بل لعلّها بصدد بيان أنّ السكوت هو في العادة نوعٌ من التعبير عن الرضا، بحيث يستكشف منه الرضا؛ إذ لو لم ترضَ لتكلّمت. وتبيانُ البنت البكر لرضاها فيه نوعُ حرجٍ في الأعراف فيكون سكوتها كاشفاً عقلائيّاً عن الرضا، وبهذا لو قامت المعطيات التي تفقدنا الوثوق بكاشفيّة السكوت عن الرضا الواقعي القلبي سقطت حجيّة هذا الطريق. ومعه فإحراز انعقاد إطلاق في النصوص غير واضح مع قوّة احتماليّة القرينيّة السياقيّة هذه.
وبهذا يظهر أنّ قيام السكوت مقام الإذن اللفظي يحتاج لفرض أنّ السكوت له كاشفيّة عرفيّة، فلو تغيّرت الأعراف وفقد السكوتُ هذه الكاشفية أو طرأت معطيات سياقية تُفقد السكوتَ قوّةَ الكشف ـ تماماً كما لو طرأت معطيات تفقد الإذن الصريح قوّة الكشف عن الرضا الباطني ـ لم يعد ذا قيمة. فالمهم في حجيّة السكوت هو كاشفيته الوثوقيّة عن الرضا، بذاته أو بمعونة القرائن المحيطة، فلو تزعزت هذه الكاشفيّة سقطت حجيّته.
حيدر حبّ الله
الاثنين 3 ـ 10 ـ 2022م