المعروف بين الفقهاء هو أنّه يجوز الإتيان بالنوافل عن جلوس ولو في حال الاختيار، فضلاً عن صورة الحرج أو الاضطرار، والمعروف بينهم أنّ عدد الركعات لا يتغيّر، فالثمانية تبقى ثمانية، نعم الأفضل له أن يجعل كلّ ركعة عن قيام ركعتين من جلوس، بمعنى أنّ كلّ ركعتين من النافلة قياماً تصبح أربعة (ركعتين ركعتين) من جلوس، وليس ذلك بواجب ولا هو بالشرط في صحّة إتيانه بالنوافل وترتّب الثواب عليها، فإذا أراد أن يصلّي نافلة الظهر مثلاً، وهي ثمان ركعات، فإنّ الأفضل له أن يصلّي ست عشرة ركعة من جلوس.
وهذا ما يذهب إليه أغلب المتأخّرين المقاربين لعصرنا أو المعاصرين، مثل: السيد محسن الحكيم، والسيد محمد باقر الصدر، والسيد الخوئي، والشيخ التبريزي، والسيد أبي الحسن الإصفهاني، والسيد محمد صادق الروحاني، والسيد محمد حسين فضل الله، والسيد محمود الهاشمي، والسيد الخميني، والشيخ المنتظري، والسيد الكلبايكاني، والشيخ يوسف الصانعي، والشيخ محمد أمين زين الدين، والشيخ محمد إسحاق الفياض، والشيخ فاضل اللنكراني، والسيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ بهجت، والشيخ الصافي الكلبايكاني، والشيخ الوحيد الخراساني، وغيرهم.
لكنّ بعض الفقهاء ـ مثل السيد علي السيستاني ـ اعتبر أنّ تكرارها يؤتى بالزائد فيه برجاء المطلوبيّة، والظاهر عدم ثبوت التضعيف عنده، بمعنى أنّ الركعتين عن قيام لا تصبحان عنده أربع ركعات (ركعتين ركعتين) من جلوس، لا بنحو اللزوم ولا حتى بنحو الأفضليّة، بل يؤتى بالركعتين من قيام ركعتين من جلوس، وإذا أراد أن يضاعفها (يجعلها على الضعف) فيأتي بالزائد برجاء المطلوبيّة، أي أنّه يأتي بالركعتين الإضافيّتين برجاء المطلوبيّة، فلو أراد نافلة الظهر فإنّ الركعات الجلوسيّة الثمانية الأولى يمكنها أن تعادل النافلة القياميّة، فيؤتى بالركعات الجلوسيّة الثمانيّة الثانية برجاء المطلوبيّة. كما أنّ الشيخ المحقّق العراقي شكّك في تعليقته على العروة في أولويّة مضاعفة عدد الركعات لو أُتي بالنوافل من جلوس.
نعم، احتاط الشيخ ناصر مكارم الشيرازي بجعل الركعة قياماً ركعتين جلوساً، واعتبر أنّ أدلّة المضاعفة قويّة، على العكس تماماً ـ فيما يبدو ـ من نظر السيد السيستاني.
والذي توصّلتُ إليه ـ بعد مراجعة الروايات وكلمات الفقهاء وتحقيق أسانيد هذه النصوص ـ هو أنّ التضعيف (جعل الركعة القياميّة ركعتين من جلوس، أو فقل جعل كلّ ركعتين أربعاً مكوّنة من تكرار ركعتين)، على تقدير ثبوت مشروعيّة الإتيان بالنوافل عن جلوس اختياراً.. هذا التضعيف لم يثبت بدليلٍ معتبر سنداً أو موثوق صدوراً، لا وجوبه ولا رجحانه، بل الثابت كون الركعات الجلوسيّة مطابقة في العدد للركعات القياميّة.
وأظنّ أنّ منشأ الخلاف بين مثل السيد السيستاني وغيره هو في النظريّات الرجاليّة المفضية إلى تصحيح أو تضعيف الروايات القليلة الواردة في موضوع التضعيف، فالراجح بنظري ما ذهب إليه السيد علي السيستاني، فإنّ ذلك على مبنى الاطمئنان بالصدور أوضح وأجلى أيضاً.
حيدر حبّ الله
الأربعاء 8 ـ 6 ـ 2022م