يتعارف بين المسلمين قراءة سورة الفاتحة على الأموات، سواء عند زيارة قبورهم أم حال التعزية أم في غير ذلك، وسواء عند الدفن أم بعده. وقد ذكر السيّد اليزدي في (العروة الوثقى 2: 125) عند الحديث عن زيارة القبور ما نصّه: «ويستحبّ للزائر أن يضع يده على القبر وأن يكون مستقبلاً، وأن يقرأ إنّا أنزلناه سبع مرّات، ويستحبّ أيضاً قراءة الحمد والمعوذتين وآية الكرسي كلّ منها ثلاث مرّات».
والوارد في جملة من النصوص الترغيب في قراءة القرآن وإهداء ثواب هذه القراءة إلى الميّت، كما ورد ذكر قراءة سورة الفاتحة سبعين مرّة على المريض وما لها من آثار في الشفاء، وفي بعض كلمات الفقهاء المتأخّرين ما يشير إلى إمضائهم هذه العادة الجارية في خصوص قراءة الفاتحة على الأموات.
والذي توصّلتُ إليه، أنّه لم يثبت استحباب خاصّ لقراءة سورة الفاتحة بعنوانها على الأموات، فقراءة سورة الفاتحة وإهداء ثواب ذلك للأموات جائز، بل وردت فيه النصوص العامّة المرغّبة، بعنوان كونه قراءة قرآن، وإلا فقراءة الفاتحة بعنوان أنّ قراءتها بنفسها وخصوصها أمرٌ مستحبّ، لا بمطلق عنوان القرآنيّة، لا دليل عليه، فلا يصحّ، فمن أراد أن يقرأ الفاتحة للميت فعليه أن يقرأها بعنوان كونها قرآناً، لا بعنوان أنّ الفاتحة بخصوصها وبعنوانها يستحبّ قراءتها للأموات. ولعلّ تداول ذلك بين الناس كان منطلقاً من عظيم ثواب هذه السورة وخصوصيّاتها ومحتوياتها، فأريد قراءتها وإهداء هذا الثواب العظيم للميّت، كما ولعلّ يُسر حفظها من قبل غالبية الناس ساعد على شيوع ذلك أيضاً، وإلا فليس فيها استحباب خاصّ بها.
وليس هناك نصّ ثابت معتدّ به يفيد استحباباً خاصّاً لقراءة الفاتحة للأموات، نعم، ورد في خبر محمّد بن عجلان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سلّه سلاً رفيقاً، فإذا وضعته في لحده فليكن أولى الناس مما يلي رأسه، ليذكر اسم الله [عليه] ويصلّي على النبي صلى الله عليه وآله، ويتعوّذ من الشيطان، وليقرأ فاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي، وإن قدر أن يحسر عن خدّه ويلزقه بالأرض فعل، ويشهد ويذكر ما يعلم حتى ينتهي إلى صاحبه» (الكافي 3: 195؛ وتهذيب الأحكام 1: 317).
ولكنّ هذا الحديث ـ لو تجاوزنا مشكلته السنديّة، على أنّه خبر آحادي ـ خاصّ بحال الدفن ولا علاقة له بسائر الحالات، فهو من مندوبات دفن الميّت، لا من مندوبات ذكره أو زيارة قبره، وفرقٌ بينهما.
وثمّة حديث آخر نقله ابن قولويه في كتاب (كامل الزيارات: 533)، قال: «وجدت في بعض الكتب: محمّد بن سنان، عن المفضل (الفضيل)، قال: قال: من قرأ: (إنّا أنزلناه) عند قبر مؤمن سبع مرات بعث الله إليه ملكاً يعبد الله عند قبره، ويكتب له وللميت ثواب ما يعمل ذلك الملك، فإذا بعثه الله من قبره لم يمرّ على هول إلا صرفه الله عنه بذلك الملك الموكّل حتى يدخله الله به الجنّة، وتقرأ بعد الحمد (إنّا أنزلناه) سبعاً، والمعوذتين، وقل هو الله أحد، وآية الكرسي ثلاثاً ثلاثاً». وفي الهامش رقم 2، من الصفحة نفسها ذكر أنّ في إحدى النسخ جاء: «ويقرأ مع إنّا أنزلنا سورة الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي ثلاث مرّات كلّ سورة، وإنّا أنزلناه سبع مرات». ونفس هذا الحديث نقله السيد ابن طاووس في كتاب (مصباح الزائر: 512 ـ 513).
لكنّ هذا الحديث لا يُحرز أساساً كونه رواية عن نبي أو إمام؛ إذ لا ينسبه الراوي (الفضيل أو المفضّل) إلى إمام أو نبيّ، وفي مثله لا تجري حتى قاعدة التسامح، ولا نقول بها، إلا إذا قيل بأنّه لا يحتمل إلا أنّه رواية، وإثباته صعب جدّاً، بل لو كان رواية فهي ضعيفة السند لكونها وجادة وعدم معرفة الطريق إلى المصدر، فضلاً عن وجود محمّد بن سنان في السند.
حيدر حبّ الله
الاثنين 28 ـ 2 ـ 2022م