المشهور بين الفقهاء ـ على ما قيل ـ وجوب توجيه المحتضر للقبلة وجوباً كفائيّاً، بحيث يكون باطن قدميه للقبلة بحيث لو جلس كان وجهه إليها، وذكر بعض هؤلاء أنّ هذا الأمر واجب على المحتضر نفسه لو أمكنه ذلك.
لكن ذهب بعض الفقهاء إلى عدم الوجوب وقالوا بالاستحباب، وهو المنسوب أيضاً للشيخ الطوسي والسيّد المرتضى والمحقّق الأردبيلي وغيرهم. بل ظاهر بعض العبارات أنّ القول بالاستحباب هو المشهور بين المتقدّمين، لا القول بالوجوب، وهذا ما قد يُفهم من كلمات مثل العلامة الحلّي والمحقّق الحلّي في بعض كتبهما.
وعند المتأخّرين والمعاصرين، ثمّة تراجع كبير عن هذا الرأي في البحوث العلميّة، فقد ذهب العديد منهم إلى بناء المسألة على الاحتياط الوجوبي دون الفتوى، ومن هؤلاء: السيّد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد محمد باقر الصدر، والشيخ محمّد علي الأراكي، والسيد محمّد الروحاني، والشيخ محمد تقي بهجت، والسيد محمّد محمّد صادق الصدر، والسيد كاظم الحائري، والشيخ حسين علي المنتظري، والسيد تقي القمي، والسيد محمود الهاشمي، والسيد محمد حسين فضل الله، والشيخ محمد إسحاق الفيّاض، والشيخ الوحيد الخراساني، والسيد عليّ السيستاني، وغيرهم.
بل قال بعض العلماء بأنّ هذا الأمر مستحبّ، وأنّه يجب بعد الموت توجيهه إلى القبلة لا حال الاحتضار، وممّن قال بهذا القول السيد محمّد سعيد الحكيم والسيد موسى الشبيري الزنجاني، وغيرهما.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم وجوب توجيه المحتضر إلى القبلة مطلقاً، وكذا عدم وجوب توجيه الميّت إليها، بصرف النظر عن موضوع التوجيه إليها في القبر، والذي عندي فيه نقاش أيضاً، أذكره لاحقاً إن شاء الله، وإن كان هو مقتضى الاحتياط الاستحبابي.
والروايات في ذلك عمدتها لا دلالة فيه، وبعضها نوعيّة السؤال فيه غير محدّدة، فلعلّ السؤال عن كيفيّة توجيه الميت والذي هو مستحبّ، في مقابل ما اشتهر بين أهل السنّة من طريقة مختلفة عن الطريقة الشيعيّة في التوجيه، فكانت أجوبة الأئمّة أنّ الطريقة هي كذا وكذا، فلا يُعلم أنّ السؤال عن أصل الاستقبال به، حتى يُتمسّك بصيغة الأمر في الدلالة على الوجوب، فراجع الروايات. هذا فضلاً عن مشاكل سنديّة في أغلب الروايات القائمة، على قلّتها من حيث العدد. والشهرة أو الإجماع ـ لو ثَبَتَا ـ معلوما المدركيّة. والسيرة العمليّة لا تفرض الوجوب، بل لعلّ الاستحباب هو الثابت؛ ولهذا اعتادوا على فعله، كما هي عادتهم في مثل هذه الموارد على الالتزام بالعديد من المستحبّات. وأهل السنّة عمدة أدلّتهم أمورٌ ترجع لبعض الصحابة والتابعين لا غير، إلى غير ذلك من الملاحظات والمناقشات الممكنة، فلا نطيل.
حيدر حبّ الله
الخميس 20 ـ 1 ـ 2022م