المشهور بين الفقهاء أنّ من ملحقات النوم الذي يعدّ من نواقض الوضوء كلّ ما غلب على العقل، ويمثلون له بالإغماء والسُّكر والجنون ونحو ذلك، فلو أغمي على المتوضئ ثم أفاق لزمه الوضوء للصلاة مجدّداً كما لو نام تماماً. وقد ادُّعيَ على هذا الحكم الشهرة، بل الإجماع، بل التسالم والضرورة وغير ذلك.
لكن يظهر من بعض العلماء المناقشة أو التوقّف في هذا الحكم، من أمثال الحرّ العاملي والمحدّث البحراني والعلامة المجلسي. ومّمن ناقش في هذا الحكم السيد محمّد سعيد الحكيم؛ ولهذا بنى الناقضيّة في رسالته العمليّة على الاحتياط الوجوبي، تماماً كما بناها على الاحتياط الوجوبي آخرون، مثل الشيخ محمّد رضا آل ياسين (بل قد توحي عبارته بكون الاحتياط استحبابيّاً عنده)، والشيخ محمّد أمين زين الدين، والشيخ محمّد إسحاق الفياض، والسيّد كاظم الحائري، والسيّد محمود الهاشمي، والسيد محمد صادق الروحاني، وغيرهم.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم ناقضيّة غير النوم للوضوء، مما يغلب على العقل بشكلٍ أو بآخر، مثل الإغماء والسكر والجنون وغير ذلك، وإن كان الوضوء هو مقتضى الاحتياط الاستحبابي. نعم إذا كان ما يغلب على العقل يوجب صدق عنوان النائم بالنظر العرفي ـ حتى لو لم يكن كذلك بالنظر العلمي الدقيق ـ مثل حالة التخدير العام (البنج العمومي)، فلا يبعد شمول الأدلّة له وثبوت ناقضيّته.
والكثير من العلماء المتأخّرين اعتبروا أنّ العمدة هنا في الدليل هو الإجماع فقط، ومن هؤلاء السيّد الخوئي نفسه؛ إذ لا توجد رواية دالّة بالمباشرة على شيء من ذلك، عدا خبر كتاب دعائم الإسلام الضعيف السند جداً. وقد استندوا لبعض الروايات بطريقة غير مباشرة، لكنّ المتأخّرين أجادوا في نقدها من جهات فلا نطيل ولا نكرّر، فيمكن مراجعة ما أفادوه فغالبه موفّق تامّ. وأمّا الرواية التعليليّة الدالّة على أنّ مرجعيّة ناقضيّة النوم تكمن في كون النائم يصدر منه ناقض الوضوء، مثل خروج الريح، وهذه العلّة متساوية مع سائر ما يغلب على العقل كالإغماء.. فإنّها رواية آحاديّة، بل لم تسلم سنداً، فلو نفعت فربما تنفع في إثارة احتمال المناطيّة بحدّ الاحتمال القوي، وفي مثل هذه الحال قد حقّقنا أنّ العلّة توجب تضيّق الحكم في النوم لكنّها لا تثبت الحكم في غير النوم، كما بحثناه في كتاب الاجتهاد المقاصدي والمناطي. وأمّا تنقيح المناط هنا فشروطه غير متوفّرة، وأمّا الإجماع فهو ـ لو سلّمنا وجوده بين المتقدّمين، ومجال المناقشة في إثباته واسع ـ محتمل المدركيّة جدّاً بالوجوه الأخرى التي قيلت هنا وتمّت مناقشتها من قبل المتأخّرين.. إلى غير ذلك من المداخلات والمناقشات التي لا نطيل بالحديث عنها.
حيدر حبّ الله
الأربعاء 2 ـ 2 ـ 2022م