بعد اشتهار عدم كون الكذب على الله تعالى وعلى رسوله وأهل بيته عليهم السلام، فضلاً عن مطلق الكذب.. بعد اشتهار عدم كونه من المفطرات في فقه الجمهور، انقسم الرأي بين فقهاء الإماميّة، فبعضهم قال بكونه مفطراً، وادُّعي عليه الإجماع، وبعضهم قال بعدم كونه كذلك، بل المنسوب إلى مشهور المتأخّرين عدم كونه مفطراً. وكثير من الذين قالوا بكونه مفطراً عمّموه للكذب على الله ورسوله والأئمّة والسيدة الزهراء، بل وجميع الأنبياء والأوصياء، بلا فرق عند كثيرين بين أن يكون متعلّقاً بأمور الدين أو الدنيا، أو بنحو الإخبار أو الفتوى، باللغة العربيّة وبغيرها، بل وبلا فرق بين أن يكون بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو الكناية أو غيرها، وبلا فرق بين أن يكون الكذب مجعولاً له أو جعله غيره وهو أخبر به مسنداً إليه لا على وجه نقل القول. بل عمّم بعضهم للتفوّه بما هو كذبٌ ولو كان المتكلّم لوحده. واستشكل السيّد محمّد محمّد صادق الصدر في موقف منسوبٍ له في قراءة القرآن في شهر رمضان لمن لا يحسنها؛ انطلاقاً من إشكاليّة الكذب هذه.
وفي العصر الحديث، ذهب الكثير من الفقهاء للاحتياط الوجوبي هنا دون الفتوى، ومن هؤلاء: السيّد أبو الحسن الإصفهاني، والسيد محسن الحكيم، والسيد أحمد الخوانساري، والشيخ محمد رضا آل ياسين، والسيد عبد الهادي الشيرازي، والشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (وإن كانت عبارته أقرب للاحتياط الاستحبابي)، والسيّد محمّد باقر الصدر في تعليقته على المنهاج، والشيخ محمّد أمين زين الدين، والسيّد علي السيستاني، والسيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي، وغيرهم.
وأفتى بعدم المفطرية جماعةٌ، منهم: السيد محمّد صادق الروحاني، والشيخ محمّد آصف محسني، والسيّد محمّد حسين فضل الله، وغيرهم. وتردّد في المفطريّة السيد محمّد تقي المدرّسي محتاطاً استحباباً بالقضاء.
والذي توصّلتُ إليه ـ والله العالم ـ هو عدم ثبوت مفطرية الكذب مطلقاً، رغم أنّه من الذنوب، بل الكذب على الله ورسله وأنبيائه وأوصيائه والصالحين في أمور الدين من أعظم المعاصي، كيف والصائم في حال عبادة؛ لأنّ الصوم واجبٌ عبادي، فكيف يملك عبدٌ يمارس فعلاً عبادياً طوال النهار.. كيف يملك جرأةَ ارتكاب الحرام العظيم حال العبادة؟!
هذا، ومقتضى الاحتياط الاستحبابي هو القضاء.
وأمّا النطق بما هو كذب مع عدم وجود أحد أو سماعه، فلا دليل مقنعاً على حرمته في نفسه، فضلاً عن كونه مفطراً لو قلنا بالمفطريّة.
حيدر حبّ الله
الأحد 12 ـ 12 ـ 2021م