المعروف بين كثير من الفقهاء أنّ إيصال الغبار الغليظ إلى الجوف من المفطرات الموجبة لبطلان الصوم، وألحق كثيرون به الغبار غير الغليظ، كما ألحقوا به الدخان. وبعضهم جعل التدخين من المفطرات بصرف النظر عن موضوع الغبار الغليظ. وفصّل بعضهم فقال بوجوب القضاء في الغبار الغليظ دون الكفارة. وأهل السنّة لديهم خلاف في مثل استنشاق البخور والروائح والدخان وأغلبه بناءً على وجوه اعتباريّة.
لكن خالف في هذا الحكم جماعةٌ من المتقدّمين والمتأخّرين، ونذكر في العصر الحديث منهم:
أ ـ بعض الفقهاء الذين لم يفتوا بالمفطريّة وإنّما احتاطوا وجوباً، ومن هؤلاء على مستوى الغبار الغليظ الذي هو الأصل هنا: السيّد أبو الحسن الإصفهاني (في تعليقته على العروة)، والسيد أحمد الخوانساري، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد محمود الهاشمي، والسيد محمّد الروحاني، والشيخ حسين علي المنتظري، والشيخ الوحيد الخراساني، والشيخ بيات الزنجاني، والشيخ عبد الله جوادي الآملي، والشيخ جعفر السبحاني، والميرزا جواد التبريزي، وغيرهم. واللافت أنّ أغلب الفقهاء المعاصرين أو الذين توفّوا قبل فترات وجيزة يرون أيضاً الاحتياط الوجوبي في ترك التدخين للصائم.
ب ـ وبعضٌ آخر ممّن أفتى بعدم المفطريّة، ومن هؤلاء: ما يظهر من الشيخ محمّد جواد مغنيّة، وذهب إليه صريحاً السيّد محمّد حسين فضل الله، والسيد موسى الشبيري الزنجاني، كما رفض القول بالمفطرية السيد تقي القمي في بحوثه الاستدلاليّة. واعتبر السيد محمّد باقر الصدر أنّ مفطريّة الغبار الغليظ تعني أنّ هذا الغبار عندما دخل الحلق اشتمل على أجزاء ترابيّة ظاهرة للعيان ولو كانت صغيرة، وأمّا في غير هذه الحال فليس بمفطر، وكأنّه يُرجع هذا المفطر إلى مفطريّة الأكل والشرب لا أنّه مفطر جديد، وبهذا يكون منكراً لمفطريّته بعنوانه. وكان ذهب إلى هذا الرأي الشيخ محمد رضا آل ياسين، لكنّه احتاط وجوباً في غير هذه الحال. وتابع آلَ ياسين في هذا تماماً السيدُ علي السيستاني مخرجاً صورة الغبار غير الغليظ ومحتاطاً وجوباً في تدخين التنباك المتعارف. ويظهر من السيد محمّد سعيد الحكيم والشيخ محمّد إسحاق الفياض والسيّد محمّد تقي المدرّسي والشيخ ناصر مكارم الشيرازي والسيد كمال الحيدري.. يظهر منهم جميعاً موافقة السيد باقر الصدر في ذلك.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم مفطريّة الغبار ولا الدخان ولا البخار ولا الرائحة ولا البخور ولا غير ذلك، الغليظ من هذا كلّه وغير الغليظ، ما لم يتجمّع حاصله في الفم مثلاً فيكون تناوله مصداقاً للأكل والشرب المفطرَين للصائم، بل إنّ الرواية الآحاديّة الوحيدة هنا والتي اعتمدوا عليها (خبر سليمان المروزي) غير ثابتة سنداً على التحقيق. وأمّا بعض المحاولات التي تبني مفطريّة التدخين وأمثاله على مثل العرف المتشرّعي، أو كونه من الطعام أو الشراب، أو لكونه يقوم مقام القوت، أو بناء العرف المتشرّعي على ممنوعيّة إدخال شيء إلى الجوف مطلقاً للصائم، أو غير ذلك.. فكلّه غير مقنعٍ، بل قابل للنقاش من جهات، ولا نطيل.
حيدر حبّ الله
الجمعة 10 ـ 12 ـ 2021م