أفتى العديد من الفقهاء بكراهة عمل الصيرفة، إمّا من باب الاعتقاد بثبوت ذلك بصرف النظر عن قاعدة التسامح في أدلّة السنن، أو لاعتقادهم بقاعدة التسامح.
والمراد الأصلي من بيع الصرف وعمل الصيرفة في النصوص، والذي له أحكام خاصّة يتعرّض لها الفقهاء تحت عنوان “بيع الصرف”: هو بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضّة وبيع كلّ واحد منهما بالآخر، سواء كانا مسكوكين أم لا. لكنّ بعض الفقهاء ـ دون بعضٍ آخر ـ عمّموا بيع الصرف وعمل الصرافة لمطلق المعاملات النقديّة ولو بالعملات العصريّة المعدنيّة والورقيّة، وبهذا فإنّ الحكم بكراهة عمل الصرّاف قد يشمل عندهم الشكل القديم للصيرفة والشكل الجديد لها.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم ثبوت حرمة ولا كراهة بيع الصرف ولا عمل الصيرفة، ولا أن يكون الإنسان صرّافاً، غايته أنّ هذا النوع من الأعمال يجعل الإنسان عُرضة للوقوع في الحرام تجاريّاً، وبخاصّة من ناحية الربا، لهذا ينبغي الحيطة والحذر الشديد فيه. ومن لم يكن أهلاً لتجارةٍ ولا يأمن على نفسه محرّماتها فعليه الحذر والاحتياط، وعدم الخوض قبل تحصين النفس بالعلم والعمل (.. وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون) (الزخرف: 32).
والدليل عندهم على كراهة اتخاذ بيع الصرف هو رواية إسحاق بن عمّار الضعيفة سنداً، وقد يفهم من رواية طلحة بن زيد الضعيفة سنداً على التحقيق، وكذا جزئيّاً خبر إبراهيم بن عبد الحميد الوارد في الصائغ، وهو ضعيف سنداً أيضاً بالدهقان، وفي المقابل هناك رواية معارِضة ظاهرها أنّها ترفض مرجوحيّة الصيرفة، بل قد تضمّنت أنّ أصحاب الكهف كانوا صيارفة، لكنّ راويها سدير الصيرفي، وهو فضلاً عن كونه لم تثبت وثاقته، فإنّ توصيفه بالصيرفي يعطي إيحاءً بأنّ الرواية لمصلحته، ولو لاحتمال أنّ عمله الصيرفة أو عمل أسرته أو بعض آبائه، الأمر الذي يُضعف جداً من الوثوق بها في هذه الحال، فنحن ـ إذاً ـ أمام روايات قليلة وكلّها ضعيفة ومتعارضة.
هذا، وفي صحيحة ابن فضّال، التي يظهر من تعابيرها ما يشبه تأسيس قاعدة، جاء عن الإمام الرضا× عندما سُئل عن بعض الأعمال (معالجة الرقيق أو الدقيق على اختلاف النسخ في الكتب الحديثيّة، ولعلّ “الدقيق” أقرب كما رجّحه جماعة)، جاء أنّه قال: «كلّ شيءٍ مما يُباع إذا اتقى الله عزّ وجل فيه العبد فلا بأس».
حيدر حبّ الله
السبت 25 ـ 12 ـ 2021م