يذكر العديد من الفقهاء من ضمن آداب التجارة كراهة الربح على المؤمن إلا مع الضرورة، وبَيَّنَه بعضهم ـ كالسيّد الحكيم والسيد الخوئي وغيرهما ـ بالربح الزائد عن مقدار الحاجة، فيما وضع آخرون ـ مثل السيد الخميني ـ قيوداً أخرى فقالوا بأنّ الربح على المؤمن مكروه إلا مع الضرورة أو كان الشراء للتجارة أو كان شراؤه للمتاع أكثر من مائة درهم، ففي هذه الحالات تسقط الكراهة.
والذي يترجّح بالنظر عدم كراهة الربح على المؤمن ولا على غيره مطلقاً، سواء كانت هناك ضرورة أو حاجة أم لا، وسواء كان شراء ذلك المؤمن منك لكي يتاجر بما يشتري أم لا، وسواء كانت المعاملة تصل لحدّ المائة درهم أم لا، غاية الأمر أنّ القواعد الشرعيّة والأخلاقيّة العامّة تحثّ على الرفق بين المؤمنين والمسلمين، الأمر الذي يفرض توجيهاً عامّاً نحو معقوليّة الربح بينهم وعدم كونه فاحشاً، ومراعاة بعضهم حال بعضهم الآخر، ورحمة بعضهم بعضاً، فليس هناك تحريم ولا كراهة هنا بعنوانه، وإنّما المحكّم هو القواعد الكليّة الإيمانيّة والأخلاقيّة في معاملة الناس، لاسيما المؤمن والصالح منهم، وهي تختلف في استدعاءاتها تبعاً للظروف والحالات.
وجميع الروايات الواردة في الموضوع، وهي حوالي خمس روايات، على النقاش في اندماج بعضها في بعض بما قد يرجع لما هو أقلّ من هذا العدد، على طريقة أمثال السيّد البروجردي في «دمج الروايات».. إنّ جميع هذه الروايات ضعيف الإسناد على التحقيق، وظاهر بعضها أنّ ربح المؤمن على المؤمن ربا بما قد يُفهم منه بالفهم الأوّلي التحريم، فيما تنفي روايات أخرى ذلك، وبعضُها ـ وهو خبر علي بن سالم عن أبيه ـ يوضح أنّ هذا الأمر يكون في عصر الظهور لا قبله، فقبله غير مشمول لمفهوم ربويّة ربح المؤمن على المؤمن. وأمّا القيود التي ذكرها أمثال السيّد الخميني، فلم ترد سوى في رواية سليمان بن صالح وأبي شبل، وهي رواية ضعيفة السند، ولعلّهم اعتمدوها ـ كسائر روايات الباب ـ نتيجة عملهم بقاعدة التسامح في أدلّة السنن، وهي قاعدة غير ثابتة. بل لعلّ النصوص هنا، لو تمّت، لا تريد أكثر من تنزيل القاعدة الأخلاقيّة العامة، لا تأسيس حكم شرعي جديد بعنوانه فلاحظ، فإنّ هذا كثير في ألسنةِ النصوص، فهي لا تريد تكثير الأحكام كما نتصوّر، بل تستهدف تنزيلها على مصاديقها؛ لأنّ من أدوار النبيّ والإمام ومقاصدهما تنزيل الكليّات على الجزئيّات أحياناً، وهذا غير تأسيس أو تبيين أحكامٍ كليّة في الجزئي بعنوانه.
حيدر حبّ الله
الأربعاء 12 ـ 1 ـ 2022م