ذهب مشهور فقهاء الإماميّة إلى حرمة مسّ المحدث بالحدث الأصغر لكتابة القرآن الكريم ولو آية واحدة مكتوبة على أيّ شيء كان، فضلاً عن الآيات المدوّنة في المصاحف، ويشمل الحكم عندهم حتى المدّ والتشديد وأمثالهما مما هو من توابع الكلام. وخالف في ذلك ـ فيما نسب إليه ـ الشيخ الطوسي في بعض كتبه دون بعض، وكذلك ابن إدريس الحلّي وابن البراج الطرابلسي وابن الجنيد حيث يفهم منهم الكراهة.
وأمّا الفقه السنّي فالمعروف فيه حرمة المسّ، على تفصيل عند بعضٍ بين كون الآية داخل المصحف أو خارجه، بالتحريم في الأوّل دون الثاني. وخالف في الحكم داود الظاهري فأجاز المسّ مطلقاً.
أمّا مسّ اسم الجلالة وأسماء الله تعالى وصفاته وأسماء الأنبياء والأوصياء والملائكة والسيدة الزهراء و.. فأكثر الفقهاء لم يذكروه أساساً، وغالب المعاصرين اعتبروه احتياطيّاً وجوباً أو استحباباً، فراجع.
والذي توصّلتُ إليه ـ بنظري القاصر ـ هو أنّه لا يحرم على المحدث بالحدث الأصغر مسّ كتابة القرآن لا في المصحف ولا في غيره، بلا فرق بين اليد أو باطنها أو سائر أجزاء البدن بما في ذلك الشعر الطويل والقصير، وإن كان الاحتياط حسناً في تجنّب مسّ كتابة المصحف بالخصوص. والأوضح من ذلك جواز مسّ اسم الجلالة وأسماء الله وصفاته وأسماء الأنبياء والملائكة والأوصياء والأولياء والسيدة الزهراء وأمثالهم، عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام.
وعمدة الأدلّة في حرمة مسّ القرآن، بعد الشهرة والإجماع المعلوم كونهما مدركيَّين، هو قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة: 77 ـ 80)، ولا دلالة فيه، والمجال لا يتسع لمناقشة دلالته، إذ الآيات هنا خارجة عن سياق البحث الفقهي أساساً كما نبّه إليه غير واحدٍ من المفسّرين والفقهاء. وأمّا الروايات فالعمدة رواية آحاديّة واحدة ظنيّة وهي معتبرة أبي بصير، الظاهرة في عدم مسّ كتابة المصحف لا مطلق الآيات ولو خارج المصحف. ودعوى ارتكاز عدم الفرق غير واضح في ذلك الزمان وبخاصّة مع وجود هذا التفصيل في الثقافة المتشرّعية السنيّة، بل لعلّ نظر خبر أبي بصير إلى أنّ من شروط القراءة في المصحف عدم مسّ كتابة القرآن فيه، لا أنّ حرمة المسّ مطلقة، فتأمّل. ويؤيّد روايةَ أبي بصير مرسلةُ مجمع البيان وخبر الفقه الرضوي الضعيف سنداً لو سلّمنا أنّه رواية أصلاً. وأمّا مرسلة حريز فغير واضحة الدلالة؛ لقوّة احتمال كون نظرها لرفع مرجوحيّة قراءة القرآن من المصحف على غير وضوء، بل وكذا خبر إبراهيم بن عبد الحميد الواقع في سياق أمور غير إلزاميّة، فلا ينعقد له ظهور في الحرمة خلافاً لبعض الأصوليّين، بل ظاهره حرمة مسّ المصحف بغلافه لا الكتابة فقط!
فليس في المقام عدا رواية واحدة لو تمّت دلالتُها بشكل قوي، وخبر الواحد الظنّي ليس بحجّة. واحتمال رفع الوثوق بصدورها عبر عمل المشهور بها هو احتمال غير مكتمل الشروط؛ إذ ثمّة احتمال آخر في أن يكون مرجع عملهم بهذا الحكم هو الآية الكريمة وتفسيرهم لها، وإنّما أخذوا بالرواية تأييداً. بل قد ثبت تاريخيّاً أنّ بعض النقود ومنذ العصر الأموي كان منقوشاً عليه بعض الآيات، كسورة الإخلاص وبعض آيات سورة التوبة أو الفتح، مما يجعل الأمر شديد الابتلاء بين المسلمين، ما يدفعني لإثارة سؤال: كيف لم تكن الأسئلة حول هذا الموضوع كثيرة لو قلنا بحرمة مطلق مسّ آيات القرآن ولو خارج المصحف؟!
أمّا مسّ اسم الجلالة وأسماء الله تعالى وصفاته وأسماء الأنبياء والأوصياء والملائكة والسيدة الزهراء وغير ذلك، فليس فيه إجماع أو شهرة، كما لا توجد فيه أيّ رواية ولو ضعيفة الإسناد، بل هم تارةً استدلّوا بالأولويّة، فلو حرم مسّ كتابة القرآن حرم مس اسم الله بالأولويّة، وهو أمرٌ غير واضح أبداً، لاحتمال خصوصيّة المصحف الشريف، كما رأينا له أحكاماً خاصّة في مواضع أُخَر، وأخرى استدلوا بالآية الكريمة وقد تقدّمت. فلا دليل على التحريم هنا، بل إنّ مسألة النقود والعملات من الدراهم والدنانير تبدو هنا أوضح لكثرة وجود اسم الله والنبيّ و.. عليها عبر التاريخ، ومع ذلك لا أسئلة تتصل بهذا الموضوع!
حيدر حبّ الله
الاثنين 27 ـ 12 ـ 2021م