المشهور بين فقهاء المسلمين بمذاهبهم حرمة قطع صلاة الفريضة اختياراً من دون ضرورةٍ تفرض ذلك، فلو كان يصلّي صلاة الظهر مثلاً وأراد ـ بلا ضرورةٍ ـ أن يقطعها ليقوم بشيء معيّن مثلاً، ثمّ يرجع مرّةً أخرى ويبدأ الصلاة من جديد لم يجز له حتى لو كان في الوقت متسعٌ لذلك. أمّا النافلة فيجوز قطعها، وإن كانوا يرجّحون عدم قطع النافلة في الموارد التي يحرم فيها قطع الفريضة، بل مال بعضهم للاحتياط في النافلة أيضاً، بل مَنَعَ منه صريحاً بعض فقهاء أهل السنّة. هذا، وقد ادُّعي على حرمة قطع الفريضة الإجماعُ والاتفاق وأنّه من بديهيّات الدين.
ورخّص بعضُ الفقهاء في قطع الفريضة ولو من دون ضرورة إذا كان الغرض من ذلك راجحاً سواء كان أمراً دينيّاً أم دنيوياً، مثل الشيخ علي الجواهري (1340هـ)، والشيخ محمّد أمين زين الدين وغيرهما.
واحتاط وجوباً في أصل حرمة قطع الفريضة ـ ولم يُفتِ ـ جماعةٌ، منهم: السيد الخوئي، والسيد محمّد باقر الصدر في تعليقة المنهاج، والسيد محمّد الروحاني، والسيد علي السيستاني، والسيد محمّد سعيد الحكيم، والسيد محمّد صادق الروحاني، والسيّد محمّد حسين فضل الله، والسيّد محمّد محمّد صادق الصدر، والشيخ جواد التبريزي، والشيخ حسين علي المنتظري، والسيد محمود الهاشمي، وغيرهم.
وأفتى صريحاً بجواز قطع الفريضة اختياراً الشيخ محمّد إسحاق الفياض، محتاطاً استحباباً بعدم ذلك.
والذي يترجّح بالنظر ـ والعلم عند الله ـ هو جواز قطع مختلف الصلوات الواجبة والمندوبة، اليوميّة وغيرها، إلا إذا كانت صلاةً واجبةً لا يمكنه لو قطعها أن يأتي بها على وجهها ثانيةً لضيق الوقت مثلاً، فيحرم القطع في هذه الحال، وإن كان الاحتياط راجحاً جدّاً بعدم قطع الفرائض، بل يمكن دعوى المرجوحيّة الشديدة في التعوّد على قطع الصلاة. وينبغي للمؤمن أن لا تصبح الصلاة عنده هيّنةً لا يشعر إذا دخلها بأيّ هيبةٍ لها، وسوف نتحدّث لاحقاً ـ بحول الله تعالى ـ عن مسألة حضور القلب في الصلاة، والتي اشتهر بينهم استحبابها على أبعد تقدير.
هذا، والأدلّة الأساسيّة التي اعتمدوا عليها لتحريم قطع الفريضة هنا كلّها قابلة للنقاش، فالآية القرآنية (محمّد: 33)، غير ناظرة لموضوع بحثنا بقدر نظرها لإحباط الأعمال وإهدار قيمتها، أو لجعل العمل المأتي به باطلاً بحسب المحصّلة النهائيّة، بحيث لا يأتي له بفردٍ صحيح، ولا أقلّ من عدم حصول وثوق بظهورها في قضيّة إبطال الأعمال بالمفهوم الفقهي هنا، بل لو دلّت لزم تحريم إبطال الأعمال مطلقاً ولو غير العباديّة سواء منها المستحبّ والواجب! وأمّا النصوص التي استدلّ بها من السنّة الشريفة فأغلبها غير دالّ أصلاً، والدالُّ منها بدلالةٍ ما قليلٌ جدّاً ضعيف إسناداً. وأمّا الإجماع الذي يبدو ـ والله العالم ـ أنّه السبب في الاحتياطات الوجوبيّة في المسألة عند متأخّري المتأخّرين، فقد أجابوا عنه هم أنفسهم بوضوح مدركيّته، خاصّة بعد وجود الآية الكريمة التي استند الشيعة والسنّة منذ قديم الأيّام إليها.
حيدر حبّ الله
الأربعاء 15 ـ 12 ـ 2021م