المتداول بين الكثير من فقهاء الإماميّة ـ وربما يستوحى أنّه إجماعيٌّ من عبارات بعضهم كالشيخ الطوسي والمحقّق الحلّي ـ حرمة دخول غير المسلم للمساجد مطلقاً، ولو بنحو المرور والاجتياز، سواء أذن له المسلمون أم لم يأذنوا، بل لعلّ مقتضاه أنّه لا يجوز للمسلمين الإذن لهم في الدخول. وقد بني السيّد علي السيستاني هذا الحكم على الاحتياط الوجوبي. بل احتاط بعض الفقهاء وجوباً ـ مثل السيد الخميني ـ من دخولهم المشاهد ومقامات أهل البيت أيضاً، ولو لم يلزم الهتك من دخولهم. وهو، أعني تعميم الحكم للمشاهد، ما كان وافق عليه الشيخ ضياء الدين العراقي (1361هـ) مستنداً فيه إلى تنقيح المناط.
لكن على خطّ آخر، استشكل بعضُ الفقهاء في ثبوت هذا الحكم لو لم يلزم الهتك أو التنجيس، واعتبروا أنّ إقامة دليلٍ تامّ على هذا الحكم مشكل، ومنهم: السيد الخوئي والشيخ الوحيد الخراساني. بل أفتى بالجواز صريحاً في غير المسجد الحرام السيدُ محمود الهاشمي ما لم يلزم التنجيس أو الهتك. كما أفتى السيد علي الخامنئي بجواز دخولهم غير المسجدين: الحرام والنبويّ، ما لم يلزم الهتك أو التنجيس أو مكث الجنب في المسجد. بل يظهر من السيد محمّد محمّد صادق الصدر أنّ تحريم دخول المشركين ومطلق غير المسلم للحرم المكّي مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي، فيما يُبنى التحريم في الحرم المدني عنده على الاحتياط الاستحبابي.
أمّا فقهاء أهل السنّة، فالمعروف عن جمهور المالكيّة هو التحريم، فيما يظهر من الكثير من الشافعيّة التجويز مع الإذن، مع استثناء الحرم المكّي. أمّا الأحناف فيظهر ميلهم للترخيص في دخول المساجد مطلقاً، بل نُسب إليهم الترخيص في دخول المسجد الحرام لليهود والنصارى أيضاً. وبعض فتاوى أهل السنّة المعاصرين التي تجيز دخول غير المسلم للمساجد، تمنع عن أن يشارك غير المسلم في بناء مسجد.
وبمراجعة أدلّة الفقهاء هنا يظهر أنّ عمدتها تارةً هتك حرمة المسجد، وأخرى كون الكافر نجساً، ولا يجوز دخول أو إدخال النجاسة للمساجد، وثالثة كون الكافر جنباً لا يغتسل، ورابعة بأنّ في منعه إذلالاً له، وخامسة بتنقيح مناط الحكم في المسجد الحرام وأنّه لا يختصّ بذلك المسجد (حتى أنّ القرطبي (671هـ) في تفسيره اعتبر أنّ تخصيص الحكم بالمسجد الحرام جمود على الظاهر)، ونحو ذلك من الأدلّة.
والذي توصّلتُ إليه هو جواز دخول غير المسلم لجميع المساجد والمشاهد ودور العبادة مطلقاً ـ عدا دخول خصوص المشركين للمسجد الحرام خاصّة ـ ما لم يلزم من ذلك هتك لحرمة المسجد أو توهين أو تنجيس، فيجوز دخول المشرك وغيره لغير المسجد الحرام، كما يجوز دخول أهل الكتاب حتى للمسجد الحرام، ولا فرق في ذلك كلّه بين المسجد النبوي وغيره، وبين المساجد والمشاهد، كما لا فرق في الدخول بين الاستقرار والجلوس والمرور وأخذ شيء أو وضع شيء وغير ذلك، ويجوز مشاركة غير المسلم في بناء مسجد أو إصلاح بعض ما فيه. بل إنّ منع دخول المشركين للمسجد الحرام قد يُبنى على الاحتياط اللازم؛ لقوّة احتمال أنّ المنع في الآية جاء عن مشاركاتهم في الحجّ وأمثاله، مما يُظهرون فيه مظاهر الشرك لا مطلق الدخول، ولهذا تحدَّثَت عن خوف العيلة، وهو ما تؤيّده بعضُ الروايات المتصلة بالسياق التاريخي للآية.
أمّا استدلالهم بنجاسة غير المسلم فلم تثبت، بل لم يثبت حرمة إدخال النجاسة للمسجد ما لم يلزم التنجيس (انتقال النجاسة للمسجد). وأمّا كونه هتكاً دائماً فهذا لا دليل عليه بنحو مطلق، بل الهتك أمرٌ عرفيّ يتغيّر تبعاً للأوضاع والأعراف وطبيعة سلوك غير المسلم حال دخوله المسجد. وأمّا كونه جنباً وأمثال ذلك، فهو قابل للحلّ من جهات، وبخاصّة بناءً على ما هو الصحيح من عدم كون الطهارات الثلاث عباديّةً. وأمّا ادّعاء أنّ الاقتصار على المسجد الحرام جمودٌ على الظاهر فغير صحيح إطلاقاً، فللمسجد الحرام خصوصيّات عديدة في الشرع، وقياس غيره عليه ليس بحجّة، بل برأيي هو يفتقد حتى لشروط القياس الصحيح عند من يؤمن بحجيّة القياس، إلى غير ذلك من المناقشات التي لا نطيل بعرضها هنا.
حيدر حبّ الله
الاثنين 22 ـ 11 ـ 2021م