يبدو أنّ الرأي المشهور بين الإماميّة هو القول بحرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلّي (قضاء الحاجة) مطلقاً. فيما ذهب الكثير من فقهاء أهل السنّة إلى التمييز بين التخلّي في الأبنية والتخلّي في الصحاري وأمثالها من المناطق المكشوفة، بالترخيص في الأوّل (البنيان) والتحريم في الثاني (المناطق المكشوفة). وقد بلغت الأقوال في هذه المسألة بين مذاهب المسلمين ما يقارب السبعة. كما ذهب عددٌ من الفقهاء لكراهة استقبال القبلة واستدبارها حال الجماع.
غير أنّ فقهاء الإماميّة أخذوا منذ زمن السيد محمّد العاملي (1009هـ)، صاحب المدارك.. أخذوا يتداولون القول بكراهة استقبال واستدبار القبلة حال التخلّي رغم بقاء مشهورهم على الحرمة، إلى أن وصل الأمر إلى العصر الحديث، حيث بنى العديد من الفقهاء المعاصرين والمتأخّرين منهم الحكمَ على الاحتياط الوجوبي دون الفتوى، ومن هؤلاء: السيد محمّد باقر الصدر في تعليقته على منهاج الصالحين، والسيد محمّد الروحاني، والسيّد علي السيستاني، والشيخ محمد إسحاق الفياض، وغيرهم. فيما جعل بعضٌ آخر القضيّة بنحو الاحتياط الاستحبابي فقط، ومنهم السيد محمّد حسين فضل الله، بل قد اختار الكراهة صريحاً السيد محمد سعيد الحكيم، وهو ـ أي الكراهة غير التحريميّة ـ هو المنسوب للعديد من فقهاء الزيديّة أيضاً.
ويُعدّ الإجماع والسيرة من أبرز الأدلّة التي اعتمدها جمعٌ من علماء الإماميّة المتأخّرين للقول بالتحريم، ومنهم السيد الخوئي والسيد تقي القمي، إذ الروايات تعاني عندهم من مشاكل حقيقيّة جوهريّة في أسانيدها، بل حتى عند بعضهم في دلالاتها أيضاً.
والذي توصّلتُ إليه بعد دراسة الأدلّة والروايات الموجودة عند الشيعة والسنّة معاً، هو عدم حرمة استقبال القبلة ولا استدبارها حال التخلّي، وأنّ الصحيح هو الحكم بالكراهة، بلا فرقٍ في ذلك بين الصحاري والأبنية. كما لا يحرم استقبال ولا استدبار بيت المقدس أيضاً، وإن وردت فيه رواية في مصادر أهل السنّة.
هذا في التخلّي، وأمّا الجماع فلا حرمة في الاستقبال ولا الاستدبار حاله، وإن كان الأفضل تجنّبهما.
حيدر حبّ الله
الأربعاء 13 ـ 10 ـ 2021م