لا شك في ورود عدد كبير من النصوص التي تقف عند حدود واحدٍ من صحابة النبيّ، وقد حاول علماء أهل السنّة تخريج هذه النصوص ـ رغم عدم ورودها عن النبيّ ولا أنها بحكم المرفوع ـ بتخريجات عدّة حتى لا تضيع هذه النصوص من أيدي المسلمين. وكانت واحدة من تلك التخريجات اعتبار سنّة الصحابي وقوله حجةً لغير الصحابي الذي هو مثله، على صيغ في ذلك، حتى ذهب بعض متأخّري الأحناف إلى إدراج سنّة الصحابي في تعريف سنّة النبي، ووافقهم على ذلك الإمام الشاطبي (790هـ).
وقد عُرّفت سنّة الصحابي بأنها ما نقل إلينا عن أحد أصحاب رسول الله من فتوى، أو قضاء، أو رأي، أو مذهب، في حادثةٍ لم يرد حكمُها في نصٍّ قرآني ولا نبوي، ولم يحصل عليها إجماع. وعليه، فلا يقصد بسنّة الصحابي الروايات التي يرويها الصحابيُّ عن النبيّ فهذا أمرٌ آخر، وإنّما المقصود آراؤه الشخصيّة في الدين مع فقدان نصّ قرآني ونبويّ وعدم وجود إجماع متصل بذلك الرأي الشخصي.
والمتداوَل هو أنّ جمهور الأشاعرة والمعتزلة والشيعة والشافعي ـ في قول ـ وأحمد في رواية.. أنكروا حجيّة قول الصحابي، وهو ما يُنسب إلى جمهور الأصوليين.. وذهب أئمّة الحنفية، والمشهور عن مالك وكثير من المالكية والحنابلة وبعض الشافعيّة، إلى الحجيّة. وذهب بعضهم إلى تخصيص الحجيّة بسنّة أبي بكر وعمر، وآخرون إلى تخصيصها بالخلفاء الأربعة مجتمعين، وغير ذلك من التفصيلات.
والذي توصّلتُ إليه بعد دراسة أصوليّة مقارنة، هو عدم حجيّة سنّة الصحابي ـ بما هو صحابي ـ ولا قوله ولا مذهبه، بل وكذلك الحال في نفي حجيّة سنّة التابعي، ومن هو صاحب أحد الأئمّة من أهل البيت، فإنّ آراء هؤلاء جميعاً غاية ما تمثل اجتهاداتهم التي هي حجّة لهم وعليهم، وليست حجّةً لنا ولا علينا. نعم دراسة آراء هؤلاء جميعاً لها فوائد تاريخيّة وتحليليّة مهمّة، غير أنّ آراءهم ليست حجّةً مُلزِمة للمسلمين بعدهم. لكن لو وصل الحال في قول صحابة النبيّ أو أصحاب الأئمّة من أهل البيت إلى حدّ تشكّل سيرة متشرّعية كاشفة عن موقف الشرع، كانت هذه السيرة حجّة، ولكنّ مفهوم السيرة المتشرعيّة مختلف تماماً عن مفهوم سنّة الصحابيّ.
ولمزيد توسّع، انظر بحث «سنّة الصحابي» في كتابي المتواضع (حجيّة السنّة في الفكر الإسلامي، قراءة وتقويم: 349 ـ 368، الطبعة الأولى، 2011م).
حيدر حبّ الله
السبت 25 ـ 9 ـ 2021م