المتداول في أوساط المؤمنين، خاصّة في هذه الأيّام، اعتبار شهر صفر شهرَ حزن على أهل البيت النبوي عليهم السلام، وبعضهم يعتبر أنّ بداية شهر محرّم هي بداية الحزن وتنتهي بالتاسع من ربيع الأوّل، فهل اعتبرت الشريعة شهر صفر شهرَ حزنٍ أو لا؟ وهل هناك اعتبار شرعي بهذا المعنى يمتدّ منذ بداية محرّم وحتى التاسع من ربيع، وهو اليوم الذي يُطلق بعضهم عليه يوم فرحة الزهراء، وبعضهم الآخر يحتفل به بعنوان أنّه يوم تنصيب الإمام المهديّ؟
الذي توصّلتُ إليه، هو أنّه لم يرد في الشرع ما يدلّ على اعتبار شهر صفر بعنوانه، أي بما هو شهر صفر، شهرَ حزن، بحيث يُدعى فيه الإنسان لإبراز الحزن بوصفه شهراً له خصوصيّة في ذلك، فضمن حدود تتبّعي المتواضع، لم أعثر على نصوص أو أحاديث أو معلومات تاريخية ثابتة تؤكّد اعتبار صفر بنفسه شهرَ حزن، إلا إذا قلنا بأنّ الموالي لأهل البيت يعدّ الدهر كلّه عنده حزناً وهذا أمرٌ آخر. كما لا يوجد شيء في الشريعة بعنوانه اسمه أنّ الحزن يمتدّ من بداية محرّم وحتى التاسع من ربيع الأوّل. إنّما الثابت أنّ شهر محرّم أو الأيّام الأولى منه، وصولاً ليوم استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، هي أيّام حزن وعزاء، وأنّ المندوب للإنسان أن يتفاعل تفاعلاً حزيناً في هذه الأيّام مع هذه الفاجعة.
نعم، هذا كلّه لا يمنع الحزن في بعض اللحظات في صفر، كما في حال الزيارة، أو حال شرب الماء أو غير ذلك، ممّا وردت فيه النصوص، بل لا يوجد منعٌ من الحزن في أيّام هذا الشهر كلّه لمن شاء ذلك، إنّما كلامنا في وجود اعتبار تشريعي ديني لشهر صفر بعنوانه بوصفه شهرَ حزنٍ وبكاء، وهذا ما لم يثبت.
ولمزيد توسّع، راجع كتابي (إضاءات 2: 398 ـ 400، و 5: 420 ـ 429، الطبعة الأولى، 2011م، 2015م).
حيدر حبّ الله
الخميس 9 ـ 6 ـ 2022م