ذهب مشهور فقهاء الإماميّة ـ فيما يبدو ـ إلى كراهة إلقاء السلام على المصلّي، فلو رأينا أحداً يصلّي فإنّه من المكروه أن نلقي عليه السلام، وقد مال إلى ذلك أيضاً بعض فقهاء أهل السنّة حيث قالوا بأنّه يكره السلام على المصلّي والقارئ والجالس للقضاء، بل بعضهم يوحي كلامه بأنّ المراد بالكراهة هنا هي الحرمة، بينما صريح عبارات بعضٍ آخر منهم ـ وبخاصّة في المالكيّة والحنابلة ـ نفي الكراهة هنا. كما أنّ المنسوب في كلمات غير واحدٍ من الإماميّة ـ منهم العلامة المجلسي ـ أنّ بعض فقهاء الإماميّة صرّحوا بعدم كراهة إلقاء السلام على المصلّي.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم ثبوت حرمة ولا كراهة إلقاء السلام على المصلّي وأمثاله بعنوانه، بل إلقاء السلام هنا مشمولٌ لعمومات ومطلقات الحثّ على إلقاء السلام والابتداء به، ما لم يزاحمه ما هو أولى منه، فيخضع لقانون الأولويّات، كأيّ حكمٍ شرعيّ آخر.
والعمدة في الفقه الإماميّ هنا روايتان كلتاهما ضعيفة الإسناد على التحقيق، بما في ذلك رواية الحسين بن علوان التي تعتبر الأهمّ، حيث روى عن الإمام جعفر الصادق أنّه قال: «كنت أسمع أبي يقول: إذا دخلت المسجد الحرام والقوم يصلّون فلا تسلّم عليهم وسلّم على النبيّ صلّى الله عليه وآله، ثمّ أقبل على صلاتك، وإذا دخلت على قومٍ جلوس يتحدّثون فسلّم عليهم». وسبب ضعف سند هذه الرواية عندي ـ خلافاً لكثيرين ـ هو أنّ التوثيق الوارد في كلمات النجاشي يعود للحسن بن علوان، وليس للحسين بن علوان، ولا أقلّ من عدم وضوح عود التوثيق إليه، فلم تثبت عندي وثاقة الحسين بن علوان صاحب الرواية هنا. وعليه فلدينا فقط خبران آحاديّان ضعيفان من حيث الإسناد. ولم يعمل الفقهاء بظهور خبر الحسين بن علوان في تحريم إلقاء السلام على المصلّي وفق ما فهموه، ولهذا تمّ حمل الخبر على الكراهة.
وأمّا تعليل بعض فقهاء أهل السنّة بأنّ السلام هنا ليس في محلّه، فهو أقرب لتناول الموضوع تناولاً عرفيّاً، وهذا غير ثبوت كراهة أو حرمة شرعيّة في المسألة، فلعلّ مناسبات الموقف وطبيعة الأولويّات تقتضي ترجيح عدم إلقاء السلام على شخص، كما لو فرضنا أنّ خطيباً يُلقي كلمةً، وفي كلّ عشرة ثوانٍ يدخل شخصٌ ليُلقي السلام على الخطيب، فلا يبعد هنا بملاحظة الأولويّات والاعتبارات ترجيح عدم إلقاء السلام عليه، كما في حالات كون إلقاء السلام موجباً لإزعاج أو أذيّة شخص مثلاً، لكنّ هذا لا يعني ثبوت كراهة أو حرمة شرعيّة بعنوانها في أصل الشرع، كما هو واضح، بل هي ملاحظة أولويّات لا أكثر، وقد تختلف من حالٍ إلى حال ومن شخصٍ لآخر، فتنبّه وتأمّل جيّداً.
حيدر حبّ الله
الأربعاء 6 ـ 7 ـ 2022م