يرى مشهور فقهاء الإماميّة، وبعض فقهاء أهل السنّة، أنّه لو زنى الذمّي ـ بل مطلق غير المسلم بصريح بعضهم ـ بامرأةٍ مسلمة سواء كان برضاها أم من دونه، وسواء كان متزوّجاً أم غير متزوّج، فإنّ حكمَه القتل وليس الجلد. بل لو أسلم لم يُرفع هذا الحكم عنه، على اختلافات بين الفقهاء في تأثيرات إسلامه على العقوبة المقرّرة في حقّه.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم ثبوت حدّ القتل على الزاني غير المسلم هنا؛ وذلك أنّ عمدة أدلّة الفقهاء ثلاثة أمور: أوّلها الإجماع. وثانيها اعتبار الزنى من طرف الذمّي بمثابة خرق لقواعد الذمّية، فينقلب حاله من ذمي إلى حربي، فيكون مهدور الدم، وهذه هي المقاربة التي نجدها في كلمات الفقهاء المتقدّمين كالسيد المرتضى وغيره. وثالثها الاستناد إلى الروايات، وعمدتها روايتان فقط: الأولى معتبرة حنان بن سدير الواردة في قتل اليهودي إذا فجر بمسلمة، والثانية خبر جعفر بن رزق الله الضعيف الإسناد.
أمّا دليلهم الأوّل (الإجماع)، فجوابه واضح؛ لوضوح مستنده سواء عند المتقدّمين أم المتأخّرين.
وأمّا دليلهم الثاني (الخروج عن قواعد الذميّة)، فغير صحيح؛ لأنّ قواعد مواطنة غير المسلم في بلاد المسلمين ـ رغم أنّ أغلب بنودها يرجع لنظر السلطة الشرعيّة الزمنيّة ـ غاية ما يترتّب على عدم الالتزام بها سلب غير المسلم امتيازات المواطنة، وليس قتله، إلا إذا أخلّ بمثل شرط السلم بحيث عمل ـ مثلاً ـ جاسوساً لمن هم في حال حربٍ مع المسلمين. وقد بحثنا هذا الأمر في كتاب (قواعد فقه العلاقة مع الآخر الديني).
وأمّا دليلهم الثالث (الروايات)، فهو من تأثيرات القول بحجيّة خبر الواحد، وقد قلنا بأنّ خبر الواحد الظنّي غير حجّة خاصّة في الأمور الخطيرة كالدماء والأموال والأعراض، وبالأخص مع معارضته لإطلاق النصّ القرآني بناءً على شمول الآية لغير المسلم. فلا يمكن برواية واحدة، ولو صحيحة السند، تؤيّدها رواية ضعيفة السند تحصيل الوثوق والاطمئنان بالصدور، وإلا فكلّ رواية صحيحة السند ينبغي اعتبارها معلومة الصدور! ولا يُعلم أنّ المتقدّمين اعتمدوا على خصوص الروايات هنا، حتى يكون اعتمادهم موجباً لرفع القوّة الاحتماليّة الصدوريّة فيها، بل لعلّ الأقرب ـ بملاحقة كلماتهم ـ هو اعتمادهم على الدليل الثاني، ويكاد يكون معدوماً تصريحهم بالاستدلال بالرواية هنا.
حيدر حبّ الله
الاثنين 1 ـ 11 ـ 2021م