تحدّث الفقهاء عمّا يُعفى عنه في الصلاة من النجاسات، ومّما ذكره المشهورُ هناك هو العفو عن ثوب المربّية للطفل، حيث قالوا بأنّه معفوّ عنه إن تنجّس ببول هذا الطفل، وقد وضعوا قيوداً وشروطاً تحدّد دائرة هذا العفو، على اختلافات بينهم في بعض هذه القيود، مثل أن لا يكون عندها ثوب آخر غير هذا الثوب المتنجّس، وأن تغسله في اليوم والليلة مرّة، مخيّرة بين ساعاته، وأنّ هذا الحكم خاصّ بالأم المربّية ولا يشمل مطلق المربّية، وأنّه خاصّ بالطفل الذكر ولا يشمل الأنثى، وأنّه خاصّ بالتنجّس ببوله لا بغير ذلك من النجاسات كغائطه، وأنّه خاصّ بالثوب فلا يشمل ما لو تنجّس البدن ببوله، وأنّه خاصّ بالمربية ولا يشمل المربّي، وأنّه خاصّ بالتي عندها ثوب واحد، دون التي عندها ثياب متعدّدة، وبعضهم قيّد بعدم حاجتها للبسهنّ جميعاً، وغير ذلك من القيود والشروط التي ذكروها.
ولكنّ جماعةً من الفقهاء المتأخّرين بدؤوا يعيدون النظر في هذا الحكم المشهور برمّته، فاحتاط السيّد الخوئي بعدم العفو إلا في حالة الحرج الشخصي، وتبعه جماعة كالسيّد محمّد صادق الروحاني والشيخ محمّد إسحاق الفياض والشيخ الوحيد الخراساني والسيّد علي السيستاني وغيرهم، فيما حذف بعض الفقهاء من رسائلهم العمليّة هذا الاستثناء برمّته، ولم يشيروا إليه أصلاً.
لكنّ بعض الفقهاء ـ مثل الشيخ يوسف الصانعي في تعليقته على تحرير الوسيلة ـ بعد موافقتهم على أصل هذا الاستثناء واعتباره من المعفوّ عنه في الصلاة، لم يضعوا هذه القيود، بل رفضوا التعامل مع الموضوع بحَرْفِيّة وتشدّد، وفهموا من الرواية الواردة أنّها تتحدّث عن مجرّد مثال لحالة الحرج والمشقّة التي يواجهها من يتولّى تربية الطفل في تلك الأزمنة، مما يجعل الأمر له بغسل ثيابه عسيراً، بلا فرق بين الطفل الذكر والأنثى، وبين البول وغيره، وبين البدن والثياب، وغير ذلك، فهذه عندهم ليست تعبّديات أسراريّة، وإنّما هي قضيّة الحرج لا غير.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم ثبوت هذا الاستثناء بعنوانه أصلاً؛ إذ عمدته رواية آحادية منفردة غير نقيّة السند من جهات. والإجماعُ المدّعى ـ لو تمّ ـ واضحُ المدركيّة. وعليه لو قلنا بقاعدة الحرج في باب النجاسات في الصلاة، كما هو الراجح، أمكن تطبيقها هنا حيث تتحقّق شروطها دون وجود استثناء خاصّ. وإلا فلا. كما أنّنا لو قلنا ـ فرضاً ـ بثبوت الرواية الخاصّة هنا، فإنّ الأقرب صحّة ما ذهب إليه أمثال الشيخ الصانعي، من عدم وجود خصوصيّة بهذه الحدّة التي تعامل فيها الفقهاء مع الموضوع.
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 5 ـ 7 ـ 2022م