لتحمّل الرواية عدّة طرق تحدّث عنها العلماء، ومنها الإجازة، وقد تعني أن يجيز الشيخ للتلميذ الحضور عنده والسماع منه، ولكنّ المعنى المشهور لها يقع بمعنى الإذن بالرواية عنه والتسويغ والتجويز، وذلك أنّ الشيخ قد يدفع كتابه للتلميذ فيستنسخه، فيجيزه في روايته عنه، أو يسمع كتاباً من الشيخ ثم يجيزه الشيخ أن يرويه عنه، والمعروف فيها عدم السماع، خاصّة بين المتأخّرين.
وقد وقع كلام بين علماء الرجال والجرح والتعديل حول توثيق كلّ مشايخ الإجازة من حيث هم مشايخ إجازة لثقةٍ من الثقات، فكل من ثبت كونه من مشايخ الإجازة بهذا المعنى فهو ثقة إلا ما خرج بالدليل.
والفائدة المترتبة على هذه النظريّة، عنيت توثيق مشايخ الإجازة، هو أنّ الكثير من مشايخ الطوسي والنجاشي والصدوق والمفيد والمرتضى وغيرهم، قد لا يوجد أيّ دليل على توثيقهم من نصّ أو شهادة، وقد روى الصدوق والطوسي الكثير من الكتب والمصنفات عبر هؤلاء المشايخ الواردين في طرقهما في المشيخات أو في الفهارس، فإذا لم تثبت وثاقة هؤلاء، فنحن أمام مشكلة مع عدد كبير من الروايات.
ومن هؤلاء المشايخ الذين تستهدف هذه النظرية توثيقهم: أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وإبراهيم بن هاشم القمي، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن عبد الواحد البزاز المعروف بابن عُبدون وبابن الحاشر، وعلي بن محمد بن الزبير القُرَشي، وأبو الحسين بن أبي جِيْد القمي، وعلي بن الحسين السعدآبادي، والحسين بن أحمد بن إدريس، وعبد الواحد بن محمّد بن عُبدوس النيسابوري، ومحمد بن موسى بن المتوكّل، وغير هؤلاء كثير. فكأنّ هذه النظريّة التوثيقيّة تسعى ـ بشكل أكبر ـ لسدّ الفجوة الموجودة في نقل الحديث في القرنين الثالث والرابع الهجريّين.
هذه الإشكاليّة بذلت جهود لتذليلها، فكانت نظريّة توثيق مشايخ النجاشي حلاً جزئياً للتوصل إلى توثيق أهم مشايخ الطوسي، وكانت نظريّاتٌ أخر، ومن أهمّ هذه النظريات كانت نظريّة وثاقة كلّ شيخ إجازة لثقةٍ من الثقات.
وقد تنوّعت الآراء والمواقف من شيخوخة الإجازة بين العلماء، فمنهم من وافق على كونها دليلاً على الوثاقة، ومنهم من رفض، ومنهم من فصّل بأكثر من وجهٍ من وجوه التفصيل، فراجع.
والذي توصّلتُ إليه أنّ التوثيق بملاك شيخوخة الإجازة أو توثيق مشايخ الإجازة من حيث إنّهم مشايخ إجازة، لم يقم عليه مطلقاً دليلٌ تامّ، وفاقاً لجملة من الأعلام منهم: السيّد أبو القاسم الخوئي، والسيّد روح الله الخميني، والشيخ جواد التبريزي، والشيخ آصف محسني، والسيد علي السيستاني، وغيرهم.
وللاطّلاع على البحث المفصّل نسبيّاً في موضوع شيخوخة الإجازة، راجع كتابي (منطق النقد السندي 2: 273 ـ 299، الطبعة الأولى، 2017م).
حيدر حبّ الله
الاثنين 10 ـ 10 ـ 2022م