اختلف علماء الرجال والجرح والتعديل من الإماميّة في توثيق الرواة الواقعين في أسانيد كتاب «كامل الزيارات»، لمؤلّفه الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه (368هـ)، أحد العلماء الثقات المشهود لهم بالعلم والوثاقة. وهذا التوثيق جاء استناداً إلى نصّ المؤلّف في المقدّمة، ولهذا يعدّ من التوثيقات العامّة.
وربما يكون الشيخ الحرّ العاملي (1104هـ) أوّل من فتح الحديث حول هذا التوثيق العام، ووفقاً لصحّة هذا الاستنتاج، سوف تثبت وثاقة 366 أو 388 شخصاً إضافيّاً على ما قيل، بعد كون مجموع رواة الكتاب عددهم 681 شخصاً، وستصبح أغلب روايات الكتاب صحيحة السند.
وقد ظهرت عدّة مواقف هنا، يمكنني اختصار أبرزها:
الموقف الأوّل: وثاقة جميع الرواة الواقعين في أسانيد مطلق روايات كامل الزيارات، بلا فرق بينها، وهذا ما قد يظهر من كلّ من الحرّ العاملي والسيد محمّد سعيد الحكيم وغيرهما.
الموقف الثاني: وثاقة بعض الرواة الواقعين في أسانيد الكتاب. وقد انقسم أنصار هذا الموقف إلى اتجاهين:
الاتجاه الأوّل: توثيق بعضٍ معيّن، وكان ضمن هذا الاتجاه عدّة آراء:
الرأي الأوّل: ما قد يظهر من السيد الخوئي في بعض المواضع من المعجم، من اختصاص التوثيق بمطلق الرواة الواقعين في خصوص الأسانيد التي تنتهي إلى المعصومين فقط.
الرأي الثاني: ما نُسب للسيّد الخوئي، من أنّه اختار لاحقاً توثيق الرواة الواقعين في الأسانيد المنتهية إلى المعصومين، حيث لا يوجد في السند رفعٌ ولا إرسال ولا شخص غير إمامي.
الرأي الثالث: ما نُسب للسيّد علي السيستاني، من قولٍ سابق كان يراه، وهو أنّ التوثيق خاصّ بالأسانيد التي تكون للروايات المتصلة بثواب زيارة النبي والأئمّة، دون مطلق روايات الكتاب.
الرأي الرابع: اختصاص التوثيق بالمشايخ المباشرين فقط، دون غيرهم، وهو ما ذهب إليه المحدّث النوري، والسيد الخوئي في رأيه الأخير، وإليه ذهب أيضاً السيد محمّد باقر الصدر وغيره.
يُشار إلى أنّ الشيخ عرفانيان كان يشكّك في صحّة نسبة العدول إلى السيد الخوئي، ويرى النصّ الذي نُشر عنه من صنيعة بعضهم!
الاتجاه الثاني: وهوالذي يذهب إلى توثيق بعضٍ غير معيّن، وفيه رأيان:
الرأي الأوّل: ما ذهب إليه الشيخ جواد التبريزي، من أنّ المراد توثيق الرواة الواقعين في أسانيد بعض الروايات من كلّ باب، ولو رواية واحدة غير معيّنة، بحيث يكون في كلّ باب رواية واحدة على الأقلّ معتبرة السند.
الرأي الثاني: ما يُنسب إلى السيد علي السيستاني من رأيه الأخير، وهو وثاقة بعض من وقعوا في الأسانيد، بطريقة غير معيّنة، فقد يكونون من المشايخ أحياناً ومن غيرهم حيناً آخر.
الموقف الثالث: عدم وجود توثيق هنا لأيّ من رواة الكتاب على الإطلاق، وهو ما نُسب للسيد الخوئي في رأيه القديم. وربما يبعد أن يراد عدم التوثيق المطلق، بل لعلّه يريد التوثيق لبعض غير معيّن، بما يساوق عدم وجود قاعدة رجاليّة هنا يمكن الاستناد إليها.
ولعلّه يلحق بهذا الرأي ما يُنسب للسيد أحمد المددي، من أنّ المراد هنا توثيق المصادر، دون النظر لتوثيق أيّ من الرواة.
والذي توصّلتُ إليه في بحوثي الرجاليّة أنّه ـ بعيداً عن صحّة نسخة كتاب كامل الزيارات التي بين أيدينا اليوم ـ فإنه لم يثبت توثيقٌ عام في هذا الكتاب للرواة، لا بشكل معيّن ولا بشكل غير معيّن، لا لجميع الرواة ولا لخصوص المشايخ ولا لغير ذلك، فالرواة الواقعة أسماؤهم في أسانيد هذا الكتاب لا يعطيهم وقوع اسمهم في هذه الأسانيد أيّ إضافة حقيقيّة توجب توثيقهم بمجرّد ذلك، وإن كانت قرينة ناقصة أوّليّة. وقد كنتُ في الدورة الرجاليّة الأولى (2009 ـ 2010م) أذهب إلى توثيق المشايخ المباشرين لابن قولويه، لكنّني عدلتُ عن ذلك في الدورة الثانية (2015 ـ 2017م) نحو بطلان هذا التوثيق العام من أساسه. ويترتّب على ذلك عدم إمكان القول بأنّ كلّ روايات هذا الكتاب معتبرة السند، والعلم عند الله.
ولمزيد توسّع، راجع كتابي (منطق النقد السندي 1: 480 ـ 513، الطبعة الأولى، 2017م).
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 31 ـ 5 ـ 2022م