من جملة الصلوات المعدودة في المستحبّات، والمذكورة في الكتب الفقهيّة وكتب الآداب والأعمال، صلاة هديّة الميّت أو صلاة الهديّة لقبر الميّت أو صلاة ليلة الدفن أو صلاة الوحشة، وهي التي تصلّى ليلة دفن الميّت. وقد ذُكر في كيفيّتها صورتان:
الصورة الأولى: أن يصلّي ركعتين، يقرأ في الأولى منهما، بعد الفاتحة، آيةَ الكرسي، وفي الثانية منهما، بعد الفاتحة، سورة القدر عشر مرّات، وبعد التسليم يقول: اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وابعث ثوابها إلى قبر فلان، ويذكر اسمه.
الصورة الثانية: أن يصلّي ركعتين، يقرأ في الأولى منهما، بعد الفاتحة، سورةَ الأخلاص مرّتين، وفي الثانية منهما، بعد الفاتحة، سورة التكاثر عشر مرّات، وبعد التسليم يقول: اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وابعث ثوابها إلى قبر فلان، ويذكر اسمه.
وقد ذكر الكثير من الفقهاء أنّ الجمع بين هاتين الكيفيّتين أفضل وأولى.
والذي توصّلتُ إليه أنّه لم يثبت وجود صلاة الوحشة بعنوانها أصلاً بدليل معتبر، بلا فرق بين الكيفيّات المذكورة لها، نعم مطلق الفعل الحسن وإهداء ثوابه للميّت يمكن قبوله في الجملة، لكنّ هذا غير ثبوت صلاة مستحبّة بعنوانها باسم صلاة ليلة الدفن أو صلاة الوحشة.
والمستند لهذه الصلاة روايتان تقريباً، ذكرهما كلّ من السيد ابن طاوس (664هـ)، وابن فهد الحلّي (841هـ)، والشيخ الكفعمي (ق 10هـ) وغيرهم، لكن بلا سند أو بسند مرسل. وقاعدة التسامح في أدلّة السنن لا نقول بها. والفقهاءُ نظراً لقولهم بقاعدة التسامح أو لبنائهم على مثل رجاء المطلوبيّة، مع إشارتهم لعدم ثبوت استحباب كلّ ما أوردوه في رسائلهم العمليّة من مستحبّات.. انطلاقاً من مثل ذلك فهم لم يشيروا لعدم ثبوت استحباب هذه الصلاة، والعلم عند الله. ومن القلائل بين المتأخّرين الذين نبّهوا في رسائلهم العمليّة ـ بالإشارة ـ لعدم ثبوت هذه الصلاة عبر بنائها على رجاء المطلوبيّة أو قاعدة التسامح، هو السيد كاظم الحائري كما في تعليقته على الفتاوى الواضحة. كما أنّ السيد محمد محمّد صادق الصدر احتاط وجوباً في الإتيان بها برجاء المطلوبيّة، فراجع.
وقد انتقد غير واحدٍ من الفقهاء صلاة الوحشة، فقد قال العلامة المجلسي: «أوردتُ هذه الصلاة تبعاً للأصحاب، وليس فيها خبرٌ أعتمد عليه مرويّاً من طرق أصحابنا، وإنّما ذكروه لتوسّعهم في المستحبّات، ولو أتى بها المصلّي بقصد أنّها صلاة، وهي خير موضوع، لا بقصد الخصوص، مع ورود الأخبار العامّة والمطلقة الدالّة على جواز الصلاة عن الميت، فلا أستبعد حُسنه، ولو أتى بصلاة على الهيئات المنقولة بالطرق المعتبرة ثم أهدى ثوابها إلى الميت فهو أحسن» (بحار الأنوار 88: 220).
وكلامه في تفضيل ما ثبت اعتباره من المستحبّات على غيره مهمٌّ ودقيق، كما ألمحنا مراراً، لكنّ المحدّث البحراني الذي لم يوافق على صلاة الوحشة أيضاً، انتقد معالجة أمثال المجلسي.
قال الشيخ يوسف البحراني: «العاشرة: صلاة هدية الميت ليلة الدفن. وهذه الصلاة لم نظفر بها في كتب الأخبار مسندةً عن أحد الأئمّة الأبرار ـ صلوات الله عليهم ـ وإنّما رواها الكفعمي في مصباحه، كتاب الموجز لابن فهد، وهو نقلها عن النبي صلى الله عليه وآله.. وروى هذه الصلاة السيد رضي الدين بن طاووس في كتاب فلاح السائل عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وآله.. وأمّا ما اشتهر الآن بين الناس من استحباب أربعين رجلاً يصلّون هذه الصلاة ليلة الدفن، فلم أقف له على مستند ولا قول معتمد. والذي يقرب عندي أنّ أخبار هذه الصلاة إنما هي من روايات العامة.. (ثم نقل البحراني كلاماً عن بعض معاصريه، ثم قال:) والحكم عندي لا يخلو من نوع إشكال، فإنّ ما ذكره وإن كان كذلك من حيث الإهداء للميّت، لكنّ شرعية هذه الصلاة على هذا الوجه المخصوص من الكيفيّة والزمان وكميّة العدد المشهور فيها، ونحو ذلك لما لم يثبت من طريق أهل البيت عليهم السلام فهو لا يخلو من احتمال البدعيّة وعدم المشروعيّة، فإنّ العبادة وإن كانت من حيث كونها عبادة راجحة ومستحبّة لكن لو انضمّ إلى ذلك أمر آخر من التخصيص بكيفيّة مخصوصة أو زمان مخصوص أو نحو ذلك من المشخّصات مع عدم ثبوت ذلك شرعاً فإنه يكون تشريعاً، ألا ترى أنّ الأخبار قد استفاضت بتحريم صلاة الضحى مع كونها صلاة، والصلاة خير موضوع.. والحكم كذلك في هذه الصلاة مع عدم ثبوت مشروعيّتها على هذا الوجه المذكور عن أهل البيت عليهم السلام، واحتمال كون تلك الأخبار من طرق العامة كما لا يخفى» (الحدائق الناضرة 10: 546 ـ 548).
وبعض مواضع كلامه فيه نظر، وإن كانت المحصّلة التي وصل إليها صحيحة، فمثلاً احتَمَلَ أو جزم بأنّ صلاة الوحشة ترجع لأهل السنّة، مع أنّ هذه الصلاة لا عين لها ولا أثر عندهم، بل نصّ بعضُ المعاصرين من علماء السلفيّة على كونها بدعة شيعيّة، وعدّد كبار فقهائهم كلّ ما يرتبط بالميّت دون أن يشيروا لمثل هذه الصلاة.
والتفصيل نتركه لمحلّه.
حيدر حبّ الله
الأحد 2 ـ 10 ـ 2022م