من جملة الصلوات المعدودة في المستحبّات، والمذكورة في الكتب الفقهيّة وكتب الآداب والأعمال، صلاة الغُفَيْلة، وهي ـ على ما ذكره السيّد اليزدي ـ: «ركعتان بين المغرب والعشاء، يقرأ في الأولى بعد الحمد: «وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين»، وفي الثانية بعد الحمد: «وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين». ثمّ يرفع يديه ويقول: «اللهم إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلّي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا»، ويذكر حاجاته، ثمّ يقول: «اللهم أنت وليّ نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي، وأسألك بحقّ محمد وآله عليه وعليهم السلام لما قضيتها لي»، ويسأل حاجاته» (العروة الوثقى 3: 407).
والأرجح أنّ التعبير عنها بالغفيلة انطلاقاً من كونها يؤتى بها فيما يُعرف بساعة الغفلة بين المغرب والعشاء.
ويعتبر جمهور فقهاء الإماميّة الذين قالوا باستحبابها أنّها مغايرة لنافلة المغرب، وأنّه لا يجب جعلها منها، ومن ثمّ فهي صلاة مستحبّة قائمة بنفسها عند كثيرين. وهي صلاةٌ لا يعرفها أيّ من المذاهب الفقهية الإسلاميّة الأخرى.
ولكنّ بعض الفقهاء صرّح بأنّ الإتيان بها ـ بعد فصلها عن نافلة المغرب ـ يلزم أن يكون برجاء المطلوبيّة، أو هو الأحوط لزوماً، ومن هؤلاء: الشيخ محمّد رضا آل ياسين، والسيد محمّد محمّد صادق الصدر. وهو ما يفهم من تعليقة السيد محمّد باقر الصدر على المنهاج. واحتاط استحباباً في الإتيان بها رجاءً السيد محمّد رضا الگلپايگاني والشيخ لطف الله الصافي. وقد اكتفى السيد موسى الشبيري الزنجاني بذكر كونها من الصلوات المستحبّة بناء على المشهور، متجنّباً ـ فيما يبدو ـ بيانَ رأيه الشخصي. بل قد استشكل في مشروعيّة غير النوافل المعهودة للمغرب بعضٌ مثل المحقّق العراقي في شرح تبصرة المتعلّمين، بعد إقراره بضعف أسانيد مثل هذه الصلاة. كما أقرّ السيد الخوئي في بحوثه الاستدلاليّة بعدم ثبوت هذه الصلاة بعنوانها.
والذي توصّلتُ إليه ـ والعلم عند الله ـ أنّه لم يثبت وجود صلاة خاصّة بعنوانها باسم صلاة الغفيلة بهذه الكيفيّة المعهودة، بل ولم يثبت وجود نافلة مستحبّة بعنوانها فيما بين المغرب والعشاء عدا نوافل المغرب المعهودة؛ لضعف إسناد النصوص القليلة في نفسها من جهةٍ أولى، وقصور بعضها عن الدلالة على وجود نوافل من غير الرواتب في هذا الوقت من جهة ثانية، وعدم ثبوت قاعدة التسامح في أدلّة السنن من جهة ثالثة، وعليه فلو أتى المكلّف بصلاة الغفيلة بكيفيّتها المعهودة دون قصد الورود، ولكنّه استخدم هذه الكيفيّة في نافلة المغرب فلا بأس، فهذا أمرٌ طبيعي. أمّا الإتيان بصلاة الغُفيلة بكفيّتها بعنوانها أو منفصلة عن نوافل المغرب، فهذا مما لا دليل معتبراً عليه.
حيدر حبّ الله
الخميس 29 ـ 12 ـ 2022م