يذكر الكثير من الفقهاء المسلمين ومن دون تفصيل، أنّ التوسعة على العيال ـ وهي النفقة عليهم بسخاء بما يزيد عن مقدار الإنفاق الواجب ـ أفضل من الصدقة المندوبة على غيرهم. ولا شكّ في استحباب التوسعة على العيال من غير إسرافٍ ولا تبذير ولا تخلّفٍ عن واجبٍ مالي معيّن في الشرع. إنّما الكلام في كون التوسعة مقدّمةً على الصدقة بقول مطلق.
وقد استندوا في ذلك لبعض الروايات. وأكثرها لا دلالة فيه على ذلك، بل غاية ما فيه هو بيان أهميّة وعظمة التوسعة على العيال. والذي له منها صلة بموضوعنا يقع على نوعين:
أ ـ الحث على كون الصدقة عن غنى، بحيث لا يتصدّق وهو فقير، ولا يرتدّ بصدقته فقيراً، وكذلك النهي عن الصدقة الموجبة لجعل نفسه وعياله في حاجة، والحثّ على جعل كفاف أهله وعياله ووالديه أساساً في نفقاته. وهذا واضح لا نقاش فيه؛ لأنّ هذا لا يربك مفهوم التوسعة فقط، بل يمتدّ ليُربك مفهوم النفقة الواجبة.
ب ـ الحث على التوسعة على العيال وجعلها مقدَّمةً على الصدقة بقول مطلق، وهذا فيه روايتان أو ثلاث على أبعد تقدير، وليس فيه ما هو معتبر من حيث الإسناد ـ على التحقيق ـ غير رواية واحدة آحاديّة، وخبر الواحد الظنّي ليس بحجّة. بل مقارنة نصوص الحثّ على الصدقات والإيثار والإنفاق في سبيل الله برمّتها مع نصوص التوسعة على العيال برمّتها قد تُعطي عكس هذه النتيجة، أو على الأقلّ تُربكها، وبخاصّة أنّ الصدقات من الأعمال القُربيّة. بل لعلّه يمكن النقاش أيضاً في دلالة هذه الرواية الصحيحة نفسها هنا.
وعليه، فالذي توصّلتُ إليه ـ والعلم عند الله ـ أنّ الصدقة تارةً تكون على الغني وأخرى يتصدّق الإنسان على الفقير، فإذا حقّق الإنسانُ المقدارَ الواجب من النفقة على عياله بلا تقصير أو نقص، فإنّ إثبات أنّ التوسعة على العيال أفضل مطلقاً من الصدقة وبخاصّة الصدقة على الفقير المحتاج، وكذلك إثبات أنّ الصدقة أفضل من التوسعة بقول مطلق، وبخاصّة الصدقة على الغنيّ.. كلاهما لا دليل مقنعاً عليه، فينبغي للمؤمن مراعاة الأولويّات والنظر في تقدير الأمور وما هو أفضل بحسب الزمان والمكان والظرف والحال، فقد تكون الصدقة المتكرّرة على حساب التوسعة مما يوجب نفور أهله منه أو يسبّب آثاراً سلبيّة على عياله أو على علاقته بعياله، وقد يكون إعطاؤه صدقةً كلّ فترة معيّنة على فقيرٍ محتاج ـ بما يحدث تراجعاً محدوداً في التوسعة على العيال مع موافقة العيال أنفسهم وترحيبهم بذلك بقصد معونة الآخرين.. ـ قد يكون أفضل، وهكذا.
بل لو تنزّلنا، فربما يقال بأن المراد من الرواية التي تجعل التوسعة أفضل من الصدقة، هو كونها بذاتها أفضل بصرف النظر عن المرجّحات الثانويّة، فلو تساوت الصدقة والتوسعة من تمام الحيثيّات باعتبار الزمان والمكان والظرف والحال، كانت التوسعة مقدّمةً، وهذا غير ما هو ظاهر الفتاوى من إطلاق الأفضليّة.
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 14 ـ 12 ـ 2021م