عندما نراجع كتب الكثير من الفقهاء المسلمين، نجدهم يدرجون الزكاة والخمس في كتاب العبادات، فيما يخرجون الجزية ودفع الخراج عن المجال العبادي، بل يصرّح كثيرٌ منهم بأنّ الزكاة والخمس من العبادات. ومعنى ذلك أنّ الزكاة والخمس لا يكفي فيهما مجرّد وصول المال إلى الفقير أو المستحقّ، وخروج عشرين في المائة من أموال زيد لتدخل ـ عمليّاً ـ في أموال عمرو الفقير، أو خروج اثنين ونصف في المائة من أموال بكر لتدخل في أموال خالد الفقير، فلو حصل ذلك من دون نية القربة من زيدٍ أو بكر لم يكفِ، ووجب عليهما الدفع مرّةً أخرى.
وقد أرسل الكثيرون هذه القضيّة إرسال المسلّمات، ولم يُنسب الخلاف في ذلك إلا إلى الإمام الأوزاعي (157هـ)، حيث اعتبر الزكاةَ دَيناً، فلا يجب فيها النية كسائر الديون. ويظهر من الشيخ الفيّاض في بحوثه الاستدلاليّة أنّ المسألة احتياطيّة عنده، وإن كانت فتواه في رسالته العمليّة واضحة في العباديّة.
لكن ذهب جماعة من الفقهاء ـ مثل السيد محمّد باقر الصدر والسيد علي السيستاني والسيد محمود الهاشمي وغيرهم ـ إلى أنّ قصد القربة واجب في الزكاة، لكن لو أخرجها بدون قصد القربة لا يبعد الصحّة.
وهذا الموضوع ـ عباديّة الفرائض الماليّة ـ مهمّ جدّاً في مجموعة من الآثار العمليّة والمفاهيميّة.
والذي توصّلتُ إليه ـ والعلمُ عند الله ـ عدم كون الزكاة بنوعَيها، وكذلك الخمس بأنواعه، من العبادات إطلاقاً، فقصد القربة لا هو واجبٌ تكليفاً ولا وضعاً في هاتين الفريضتين، لكن لو قصد القربة فلا شكّ في أنّه فعل أمراً عباديّاً، بل الإتيان بهما مع قصد القربة هو مقتضى الاحتياط من جهة والعلاقة المثلى مع الله سبحانه من جهة ثانية، وهذا واضح. ويترتّب على ذلك نتائج عديدة، فمثلاً لو جبت السلطةُ الشرعيّة الزكاةَ والخمس دون محبّة ورضا الملّاك، صحّ منهم ذلك، ولا يجب عليهم إعادة دفع الخمس والزكاة مرّة ثانية، وكذا لو أخرج المالكُ الخمسَ والزكاة رياءً وسمعة صحّ ذلك، وغير ذلك من الحالات التي يتصل بعضها بمَدَيَات إمكانيّة قيام الدولة الحديثة بخلق نظام ضريبي ينتج عنه الحصول على خمس أموال الناس أو على مقدار الزكاة بشكل تلقائي مما دخل في أملاك الناس وغير ذلك مما يحتاج لدراسة مستقلّة في إمكاناته العمليّة.
وقد بحثتُ هذا الموضوع بالتفصيل في دراسةٍ، حملت عنوان: «الضرائب أو الفرائض الماليّة، بين العباديّة وغيرها»، والمنشورة في كتابي (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 5: 455 ـ 506، الطبعة الأولى، 2015م)، فراجع.
حيدر حبّ الله
الأحد 13 ـ 2 ـ 2022م