تعارف بين فقهاء الإماميّة ـ خلافاً لجمهور المسلمين ـ بل ادُّعي عليه الإجماع، التفصيلُ بين الجهاد الابتدائي فيُشترط في وجوبه، بل شرعيّته، حضورُ المعصوم× وأخذ إذنه أو إذن نائبه الخاصّ ولا يكفي النائب العام، والجهاد الدفاعي فلا يُشترط في وجوبه ذلك. وهذا الحكم عندهم لا فرق فيه بين وجود الحاكم الشرعي وعدم وجوده.
وخالف في ذلك بعضٌ قليل، منهم السيد الخوئي وبعض من تلامذته، فاعتبروا أنّ الجهاد بنوعيه غير مشروط بالإمامة المنصوصة، أو نائبها الخاصّ.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم اشتراط الجهاد بحضور النبيّ أو الإمام المنصوص، فجميع أحكام الجهاد تظلّ على ما هي عليه سواء فرض النبيّ أو الإمام المنصوص موجوداً حاضراً أم لا، ويُرجع في شأن الجهاد وتولّيه في هذه الحال للمسلمين أنفسهم عبر السلطة الشرعيّة القائمة بينهم.
وهذه النتيجة هنا مبنيّة على فرضية وجود جهاد ابتدائي حتى نشرطه بحضور النبيّ أو الإمام المنصوص، وإلا فقد سبق أن قلنا بأنّنا لا نؤمن بأصل شرعيّة الجهاد الابتدائي بمفهومه السائد.
وجوهر التنازع في تقديري يرجع لبعض النصوص الحديثيّة، ورغم ضعف إسناد بعضها، غير أنّ الفكرة المركزيّة المرتبطة بها هو أنّ جمهور فقهاء الإماميّة فهموا من كلمة «الإمام» التي ترد في النصوص دون تبيينٍ خاصّ، فهموا منها الإمامة المنصوصة، في حين نلاحظ أنّ تحليل النصوص الحديثيّة في مواضع متعدّدة يساعد على أنّ المراد بالإمام هو إمام المسلمين، والذي هو الإمام المنصوص في عصر صدور هذه النصوص، فالترابط الوثيق بين كلمة «الإمام» والمعنى العقدي له عند الشيعة، هو الذي سبّب ذهابهم لتقييد بعض التشريعات بعصر الحضور، وأحدها الجهاد، وتسبّب في وقوع الخلط بين المفهوم والمصداق، في حين أنّ الألف واللام في كلمة «الإمام» ليست للعهد بل للجنس، أي من له الإمامة بالمعنى الفقهي لا بالمعنى العقدي. وقد أجريتُ ـ عند تدريسي فقه الجهاد بين عامي 2005 و2007م ـ استقصاءً للروايات، وترجّح في نظري جداً أنّ الالتباس نشأ من هنا، كما رأيت لاحقاً أنّ بعض الفقهاء المعاصرين من أمثال السيد كاظم الحائري قد لفت النظر لهذه القضيّة في بعض بحوثه.
نعم، الفقيه الذي يرى أنّه لا شرعيّة لأيّ إمام أو سلطة في جميع الأزمنة إلا سلطة الإمام المنصوص، ولو كانت سلطةً تقع في طول سلطة المنصوص لا في عرضها، وأنّ سلطات غير المنصوص لو ثبتت لا ترقى إلى مستوى صيرورة هذا (الغير) مصداقاً لعنوان الإمامة ولو بمفهومه الفقهي دون العقدي.. هذا الفقيه لا معنى عنده لهذا البحث؛ لأنّه سيكون من السالبة بانتفاء الموضوع؛ إذ لا إمام غير المنصوص لديه، ولو بالمعنى الفقهي للكلمة، والذي هو من له ولايةٌ على الشأن العام، ولاية لا تنافس ولاية المنصوص، سواء كانت هذه الولاية مرجعها إلى نظريّة ولاية الفقيه العامّة، أم إلى نظريّة ولاية الأمّة على نفسها، أم إلى نظريّة الولاية على قانون لابُديّة حفظ النظام، أم على نظريّة الشورى، أم على نظريّة الوكالة التي طرحها أمثال الشيخ مهدي الحائري (1999م)، أم غير ذلك.
حيدر حبّ الله
الخميس 30 ـ 12 ـ 2021م