المتداول بين العديد من الفقهاء أنّ المسح على الرأس والقدمين في الوضوء يُشترط فيه جفاف العضو الممسوح، فلابدّ من جفاف موضع المسح من الرأس وكذلك القدمين قبل المسح. وبعضهم ـ مثل السيد الحكيم والسيد الخوئي والسيد محمّد الروحاني والشيخ وحيد الخراساني والسيد محمّد صادق الروحاني وغيرهم ـ قالوا بأنّ الشرط هو أن لا يكون في الممسوح بللٌ ظاهر بحيث يختلط هذا البلل ببلل الماسح بمجرّد المماسّة، وفُسّر ذلك في بعض استفتاءات السيد الخوئي بأنّ المراد غلبة رطوبة الماسح وأكثريّتها على رطوبة الممسوح، فيما استبدل ذلك بعضٌ آخر ـ كالسيّد اليزدي ماتن العروة وأكثر معلّقيها والسيّد محمّد باقر الصدر والسيّد محمّد محمّد صادق الصدر وغيرهم ـ بأنّ الشرط هو أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح، لا أن يكون جافّاً، بمعنى أنّه لو مسح يلزم أن يصدق أنّ الماسح هو الذي نقل الرطوبة وأثّر في الممسوح، ولعلّ هذا هو مراد الشيخ محمّد إسحاق الفياض أيضاً في قوله بأنّ العبرة بصحّة إسناد المسح عرفاً للماسح.
وخالف في هذا الشرط جماعةٌ من الفقهاء، وهو المنسوب إلى المحقّق الحلّي والمحقّق الكركي والسيد العاملي صاحب المدارك وابن إدريس الحلّي، ويظهر من الشيخ علي الجواهري في تعليقته على العروة أنّه لا يلزم التجفيف مطلقاً، بل يستوحى من بعض العبارات أنّ هذا الرأي هو مذهب الأكثر، على الأقلّ بين المتقدّمين، ولهذا قالوا بأنّه لو توضّأ شخصٌ وهو في بركة ماء، ثم خرج ومسح، أجزأ ولا يلزمه تنشيف مواضع المسح. ويظهر من السيد صادق الشيرازي نوعٌ من بناء المسألة ـ كليّاً أو جزئيّاً ـ على الاحتياط الوجوبي، فيما اعتبر السيد محمّد تقي المدرّسي أنّ المسألة مبنيّة على الاحتياط الاستحبابي.
والذي توصّلتُ إليه بنظري القاصر ـ والعلم عند الله ـ أنّه لا يلزم جفاف العضو الممسوح ولا قلّة بَلَلِه ولا غير ذلك، فيجوز المسح مطلقاً جافّاً كان أو رطباً على درجات الرطوبة المختلفة. نعم نستثني حالةً واحدة، وهي أنّه لو وضع المكلّف الماسحَ على موضع المسح ولم يمسح فانتقلت رطوبةٌ معتدّ بها من الممسوح إلى الماسح، ثم بعد ذلك أراد المسح، أشكل الحكم بصحّة وضوئه، أمّا لو مسح وحال المسح اختلط البلل، فلا إشكال في ذلك، وإن كان الاحتياط راجحاً بالتنشيف مطلقاً. بل الأحوط احتياطاً شديداً الامتناع عن مسح الرأس المبلَّل بللاً منتقلاً للماسح، ثمّ مسح القدمين بالبلل المكوّن من بلل الوضوء وبلل الرأس، ما لم يجعل مسح الرأس بجزء من كفّه ومسح القدمين بجزء آخر، فانتبه.
وعمدة الدليل هنا عندهم، ليس آيةً أو رواية بعينها فيما يبدو، بل المستند الرئيس هو ما دلّ من النصوص على لزوم المسح ببلّة الوضوء ونداوته، وكذلك كون المسح موجباً لكون الماسح مؤثراً في الممسوح وليس العكس، لهذا فهموا أنّ اختلاط ماء الممسوح بماء الماسح يوجب صيرورة المسح بغير بلّة الوضوء؛ لدخول بللٍ جديد من خارج الوضوء أتى من طرف الممسوح. غير أنّ التدقيق في الروايات الواردة في موضوع بلّة الوضوء يُفهمنا ـ بنظري المتواضع ـ أنّه منصرف عرفاً إلى الماء الآتي من خارج الممسوح حال المسح، بمعنى عندما تقول الرواية مثلاً: امسح ببلّة الوضوء، فهذا يعني أنّه قبل المسح لا ينبغي أن يكون هناك ماءٌ آخر تضعه على يدك ثمّ تمسح، أمّا لو كان على الممسوح بللٌ ولو كثير، فإنّه يصدق عرفاً أنّ الإنسان مسح ببِلّة الوضوء، فماء الممسوح يندرج في الممسوح لا في الماسح، فكأنّه مسح على الممسوح المبلَّل، فتشمله إطلاقات المسح، ولا يقال: لم يمسح ببلل الماسح، وهذا الفهم عرفيّ جدّاً، ولعلّه هو الذي فهمه الكثير من المتقدّمين، ولعلّ هذا ما يفسِّر ـ بشكل أفضل ـ عدم وجود أسئلة إطلاقاً في هذا الموضوع في النصوص، فعندما أقول لك: امسح المكتب بماء هذا السطل، فبلّلتَ الخرقةَ من ماء السطل، ثمّ مسحته بها، وكان المكتب رطباً، فإنّ العرف لا يرى أنّك لم تلتزم بما هو مطلوب منك، وهذا بخلاف ما لو بلّلت الخرقةَ بماءٍ آخر غير ماء السطل، ثم شرعتَ في المسح. نعم لو بلّل الماسحَ بماء الممسوح قبل المسح، ثمّ مَسَحَ، بحيث انفصل الماسح عن الممسوح وتحقّق عنوان البلل الجديد قبل المسح، أشكل الأمر هنا، أمّا لو كان البلل في الممسوح قد انتقل للماسح بفعل المسح نفسه فإنّ العرف يرى عدم وجود بلل جديد إضافي تمّ المسح به، بل يفهم أنّ المسح تمّ ببلل الوضوء على الممسوح المبلَّل، والنظر الدقّي ليس معياراً هنا فراجع وجدانك العرفي المجرَّد. ولعلّه ممّا تقدّم يُفهم التعليق على فكرة اشتراط تأثير الماسح في الممسوح، فلا نطيل.
حيدر حبّ الله
الاثنين 10 ـ 1 ـ 2022م