المعروف عند جمهور فقهاء المسلمين أنّ المرأة لا تكون قاضيةً، فالذكورة شرط في تولّي منصب القضاء، وخالف في هذا الرأي جملة من فقهاء الأحناف الذين ربطوا تولّي القضاء بطبيعة موقف الشريعة من شهادة المرأة، ففي الموارد التي لا يؤخذ فيها بشهادة المرأة لا تتولّى القضاء، فلا تكون قاضيةً في محاكم الجنايات، أمّا ما يؤخذ فيه بشهادة النساء فيمكن للمرأة أن تتولّى فيه القضاء، وثمّة تفريعات لهم هنا من نوع أنّ الذكورة شرط جواز أو شرط صحّة. وهذا النوع من التمييز بين الملفّات القضائيّة بدأنا نشهده في كلمات بعض فقهاء الإماميّة المتأخّرين بشكل محدود جدّاً.
وأبعد من هذا القول، ذهب بعض فقهاء المالكيّة لجواز قضاء المرأة مطلقاً. وممّن يعرف عنه القبول بتولّي المرأة القضاء المفسّرُ والمؤرّخ المعروف محمّد بن جرير الطبري (310هـ)، بل ذهب بعض علماء الإماميّة المعاصرين للقول صريحاً بتولّي المرأة القضاء مطلقاً، ومن هؤلاء: الشيخ يوسف الصانعي، والشيخ عبد الهادي الفضلي، والشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي، والشيخ محمّد إبراهيم الجناتي، والشيخ محمّد إسحاق الفياض (في بعض أجوبته، دون رسالته العمليّة)، والشيخ أبو القاسم عليدوست وغيرهم. هذا عدا عن الذين ناقشوا مختلف أدلّة شرط الذكورة لكنّهم ـ مع ذلك ـ لم يعطوا موقفاً نهائيّاً حاسماً. كما أنّ العديد من الفقهاء المتأخّرين خلال القرون الثلاثة الأخيرة ـ مثل الشيخ مرتضى الأنصاري (1281هـ) في بعض كتبه دون بعض ـ يعتبرون الإجماعَ هو الأساس في شرط الذكورة في القاضي. ولا أريد هنا الخوض في مناقشات؛ لأنّ البناء على الاختصار، لكنّ مراجعة مصنّفات الفقهاء، حتى المتقدّمين منهم، تؤكّد لنا أنّ العديد منهم لم يشيروا لا من قريب ولا من بعيد لشرط الذكورة في القاضي، رغم أنّهم تعرّضوا لمبحث القضاء وشروط القاضي، بل وكأنّ الموضوع في الوسط الإمامي لم يكن مطروحاً قبل الشيخ الطوسي، فليُراجَع.
وقد سمعت من أستاذنا السيد محمود الهاشمي فترة إلقائه بحوث فقه القضاء قبل حوالي العشرين عاماً، وبعد مناقشته أدلّة شرط الذكورة.. سمعت منه ـ على ما أذكر ـ أنّه لولا السيرة المتشرّعيّة ليس هناك وجهٌ لاشتراط الذكورة في القاضي. وبرأيي المتواضع فإنّ الارتكازات نفسها التي دفعت سيدنا الأستاذ للتحفّظ هي أيضاً قابلة للنقاش، ولا نطيل هنا.
والذي توصّلتُ إليه بنظري القاصر، هو عدم اشتراط الذكورة في منصب القضاء إذا كانت المرأة حائزةً على تمام الشروط الأخرى المعتبرة في القاضي، وبخاصّة في ظلّ تطوّر الأنظمة القضائيّة في العصر الحديث، بلا فرقٍ في ذلك بين قاضي التحكيم والقاضي المنصوب وفقاً للتقسيم الشائع في الفقه الإسلامي.
حيدر حبّ الله
الجمعة 19 ـ 11 ـ 2021م